الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

الأوطان تُنْهِضُها الهامات وليس التهديد والعنتريات أيها العماد!

برلين 06.06.14

 

بقلم: سعيد علم الدين

للأسف أقولها للعماد ميشال عون دون مواربة وبكل محبة وفي القلب غصة على انقلابه على مبادئه وأقواله ومنذ عودته إلى لبنان. وأتمنى أن يتقبلها مني كمواطن توسم منه كل الخير، خاصة بعد الانسحاب السوري، حيث أصبح كل زعيم لبناني يعمل لمصلحة وطنه أولا: حرا طليقا في اختيار قراراته والتعبير عن مواقفه السياسة دون خشية من مناشير ليلية، ورعب من تركيب ملفات عضومية، وخوف من مخابرات غزلانية. وكما عبر عن ذلك بوضوح ما بعده وضوح، وزير الدفاع إلياس المر بعد أن كاد يخسر الجسد والروح، بالانفجار الحاقد الذي تعرض له صباح 12-7 - 2005، وذلك "ببقه للبحصة" في مجلس الوزراء مخاطبا عمه رئيس التمديد إميل لحود بإشارة إلى حقبة هيمنة عنجر المخابراتية على لبنان حيث قال "اما ان تكون عبداً أو جثة". أي أن الزعيم اللبناني الذي لا يطيع الأوامر ويقول لهم أمرك سيدي يتحول إلى جثة.

وذلك تتويجا لشعار حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد من خلال رمي الجثث في المقابر الجماعية ونثرها على الشوارع بلا عدد. المقبرة الجماعية التي عثر عليها في عنجر لم تكن صدفةً بالقرب من مركز المخابرات السورية. وكأن حزب البعث العتيد لم يأت إلى السلطة كما ادعى لبعث الأمة من رقادها، وإعلاء شأنها وإعادة أمجادها، وتحرير فلسطين بكامل ترابها، وإنما لوأدها على عادة العرب القدامى واحتقارها، وترويع الناس المغلوبة على أمرها واستعبادها، والترويج لحضارة الانتحار وشطارة صنع الانفجار وثقافة الإرهاب على طرقاتها، تماما كما هو حاصل يوميا في العراق الغالي من ترويع شنيع بأيدي مكشوفة يدعمها النظامين المعزولين عالميا السوري والإيراني وقد أصبحت لعبتهم الدموية القذرة معروفة للجميع. وكل ذلك من أجل أن يظل إنسان الشرق في أيديهم خانعا كالحمل الوديع. وهذا هو اليوم هدف النظام السوري في لبنان: انفجارات، اغتيالات، تهديدات، ومذكرات جلب على طريقة أبو صياح" إذا ما بتيجي بروح بجيبك" مع احترامنا الكبير للممثل السوري القدير رفيق سبيعي.

أي أن لا يزهر الربيع الديمقراطي لا في لبنان ولا في الأردن ولا في العراق ولا في سوريا ولهذا لا بد من أخذ المبادرة، وضرب الحديد وهو حامي في الدول المجاورة، وزج أحرار الكلمة والثقافة والفكر خيرة أبناء المجتمع السوري في السجون والمعتقلات بلا أدنى حس وإحساس وكأنهم مجرمون وقتلة. لكي تسيطر دولة الأمن والطوارئ على الشرعية والقوانين ولا تكون هناك حقوق إنسان ولا يعيش المواطن في وطنه بكرامة مصانة وحرية وديمقراطية تعبر عن إرادة الجماهير.

أكتب هذا الكلام تذكيرا للعماد عون الذي قاله يوما ثم انقلب عليه خاصة بعد اغتيال بطل 14 آذار الشهيد سمير قصير ومحاولة تياره يومها تحييد النظام السوري من عملية الاغتيال وأيضا فيما بعد من تحالفاته الغريبة وتفاهماته المريبة التي كشفت عن حقيقته للبنانيين. قال العماد في لقائه مع الصحفية جيزال خوري/ العربية 19/3/2005 عن الجرائم السياسية التي ضربت لبنان ومنذ اغتيال الشهيد كمال جنبلاط ما يلي: "لأنّو هالجريمة إجت دائماً بنفس الأسلوب إجت على نفس الأشخاص اللي هن مناهضين للسياسة السورية، لأنّو نحنا عم نؤكد تاريخياً على إنّو الإرهاب كان بعد من أبعاد السياسة الخارجية السورية داخلياً وخارجياً, داخلياً صار فيه تصفية لكل حزب البعث والقياديين فيه حتى ثبت هالنظام في سوريا، وبعدين امتدت التصفية للمجتمع اللبناني". هذا كلام العماد حرفيا. أين هو اليوم من كلامه هذا؟ حيث يطري على النظام في دمشق بمحاولة تبرئته مما يحدث من جرائم في لبنان بقوله أن سوريا خرجت من لبنان مع العلم أنه يعرف أن المخابرات السورية ما زالت متغلغلة في نخاع البلد ومن خلال الكثيرين وفي مقدمتهم لحود. وهو اليوم يُعتبر الداعم الأول لبقاء لحود في منصبه حارسا لمصالح النظام السوري، أو أن يأتي مكانه كوريث للحفاظ على نفس المصالح. هذه هي صفقة لحود - عون برعاية سورية على حساب قيامة لبنان السيد المستقل وقد أصبحت واضحة وضوح الشمس.

أقولها للعماد خاصة بعد أن وهبه قسم كبير من اللبنانيين ثقتهم العمياء في الانتخابات الأخيرة ما أدى إلى نجاحه الساحق. النجاح هنا وفي هذا الظرف الخطير جدا الذي يمر به لبنان هو توكيل شعبي لتحقيق الأهداف الوطنية العليا التي قدم الشهداء حياتهم من أجلها وهي: حرية وحدة سيادة استقلال ديمقراطية سلطة شرعية دولة قوية قرار وطني حر هذه الشعارات ليست غريبة على العماد الذي كان ينادي بها يوميا من منفاه. النجاح أيضا وفي هذا الظرف الحساس من عمر الوطن الصغير والمنهوش من كل الجهات: هو مسؤولية كبيرة جدا تقع على عاتق الناجح أمام الشعب التاريخ قبل أن تكون جني لمصالح آنية ومناصب علية أو أي شيء أخر ليس له قيمة جوهرية. وما قيمة الكرسي، إذا كان القعود عليها على حساب المبادئ ودماء الشهداء؟ لقد توسمت من العماد كل الخير، ولم يكن عندي شك بإخلاصه لمبادئه وشعاراته وتفانيه الصادق للعمل من أجل إعادة الوطن الذبيح إلى موقعه الطبيعي في العالم كما كان سابقا كتجربة ديمقراطية رائدة، وإلا ما كان ليلقب بسويسرا الشرق. لقد قالتها لي إحدى المدرسات الألمانيات عام 1978. ماذا تفعلون بوطنكم الجميل الذي كنت أصفه دائما أمام طلابي بفخر سويسرا الشرق؟

لقد خجلت من نفسي أمامها وشرحت لها ظروف الصراع العربي الإسرائيلي التي انعكست بكامل سلبياتها على لبنان الديمقراطي وصيغته الحضارية المستهدفة. أقولها لأني توسمت من العماد خيرا بالعمل مع الاستقلاليين الشجعان في انتفاضة 14 آذار لإبعاد السكاكين التي ما زالت مشهورة في وجهه قيامة الوطن الصغير وموضوعة فوق رقبته لتذبحه ساعة تريد وتضحي به كخروف العيد وهي تدعي الدفاع عنه دون أن تقنع لبناني واحد بذلك، بل فقط المستفيد من هذا الوضع الغريب. ولهذا لا بد من أن أقولها:

الأوطان تُنهضُها من كبوتها الهامات العالية وليس التهديد والعنتريات أيها العماد ! ولكن لا بد هنا من إعطاء عنترة ابن شداد حقه، لأن كلمة عنتريات هي سلبية المحتوى وليس فيها إيجابيات. فعنترة لم "يتعنتر ويتعنطز ويتفنتز" ولم يكن صاحب عنتريات ويتبختر في الشانزيليزيه في المسويات، بل كان شاعرا مرهفا حساسا صاحب مبادئ وقيم. مقداما شجاعا لا يهاب الموت والنزال ولا يشعل الحروب ويلجأ إلى السفارات تاركا رفاقه يتلقون الطعنات ويستشهدون بالمئات. شن الغارات وخاض المعارك مدافعا عن شرف قبيلة بني عبس/ وطنه – فقديما كانت القبيلة هي الوطن – دفاع الأبطال. قدم لها الكثير فسلمته صولجان الحكم، وصار فارسها الهمام وأعاد لها مكانتها ومجدها وسيادتها وعزتها وكرامتها وحريتها وقرارها الحر بين القبائل/ الدول- فقديما كانت القبائل هي الدول حاليا- ليس هذه فحسب بل اخترقت أخباره الآفاق دون تلفزيونات وأصبح لشهامته وشكيمته وأخلاقه وحكمته وانتصاراته بطلا قوميا أسطوريا فريدا في التاريخ العربي والإنساني قل من ينازعه ومنذ أكثر من ألف وخمسمائة سنة.

هذا ما قدمه عنترة لقبيلته وأمته. ويحق لي أن أتساءل ماذا قدم العماد ميشال عون لوطنه وشعبه ومنذ دخوله المعترك السياسي وحتى اليوم؟ حرب التحرير التي أدت إلى تحرير قصر بعبدا من الإرادة الوطنية وإخضاعه نهائيا للوصاية السورية؟ حرب الإلغاء التي كادت أن تلغي لبنان نهائيا من الوجود بعد أن حولته إلى دولة شكلية تابعة للنظام السوري دون قرار؟ عتبي على العماد كبير خاصة بعد أن حَمَّله الشعب المسؤولية في انتخابات ديمقراطية حرة نزيهة لا غبار عليها وليست وهمية كما يدعي بعض المتوهمين. هل انتخبه الشعب اللبناني لكي يضع العراقيل ويرمي المسامير في طريق قيام الدولة الحرة السيدة المستقلة ؟ لا أعتقد ! وفي هذا الظرف التاريخي الصعب حيث الوضع الأمني ما زال هشا ولبنان الدولة والحدود والسيادة والسلطة مخترق من كل الجهات وخارج من وصاية بعثية شمولية عمرها 30 سنة زرعت الأرض إرهاباً وفسادا، وغسلت العقول وعودا وتهديدا، فصارت لها الناس أزلاما وعبادا. هل انتخبه الشعب كي يلهث وراء الكرسي على حساب مبادئه ومواقفه المعلنة أم لكي يحقق الشعارات التي كان ينادي بها ليل نهار: حرية، سيادة، استقلال، وبالأخص مع قوى 14 آذار الساعية حقا لبناء لبنان ديمقراطي جديد وتقدم الشهداء من أجل ذلك؟ وكم سمعتها من العماد وهو يقول أنا ديمقراطي. هل هذا يكفي؟ لا! لأن الديمقراطية في التطبيق وليس التنظير. الديمقراطية:

 قيم ومبادئ وأخلاق سامية يطبقها الديمقراطي على نفسه قبل الآخرين. الديمقراطي يتحمل مسؤولية كبيرة أمام الرأي العام لأنه المؤتمن على هذه القيم والمبادئ ومثلا يحتذى في تصرفاته وأقواله وتعامله مع الآخر وتسامحه مع المعارض وسعة صدره لتحمل النقد. يواجه الكلمة بالكلمة، الحجة بالحجة والمنطق بالمنطق. يناقش ولا يدافش. يقنع ولا يفرض. يأخذ بهدوء ويعطي بسلام لا يفرقع كالبارود ويغلي كالبركان. ويرد على تيار "المستقبل"، بالكلمة والحجة والإفحام التي يستعملها "المستقبل" وليس بقوله "لو أردنا أن نرد على كلام المستقبل كنا حرقنا التلفزيون التابع له منذ زمن". ميزة الديمقراطي الرد على الكلام بالكلام وليس بالحرق . لقد خسرت أيها العماد عون رهان الرئاسة وستخسر رهان الزعامة أيضا. الشعب اللبناني ليس قطيعا يساق كما يريد الراعي الصغير وراعيه الأكبر! 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها