دعا
نائب رئيس المجلس الاسلامي
الشيعي
الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان
الذي
نحترم ونحب
رئيس
الحكومة فؤاد السنيورة الى
"الاقتداء
برئيس الحكومة الفلسطينية اسماعيل هنية الذي اختار الانسحاب
والاستقالة ليحافظ على الشعب الفلسطيني ويرفع الحصار عنه".
وما
علاقة هذه بتلك يا فضيلة الشيخ؟
وما
علاقة ما يحدث في فلسطين المحتلة بين الإخوة هناك من خلافات سياسية
جذرية حول الموقف من اوسلو والسلام بشكل عام، وما يحدث في لبنان من
خلافات سطحية، غير مفهومة، مفتعلة، مصطنعة، بل مفبركة ومقصودة بيد
خارجية أصبحت معروفة من جميع اللبنانيين، ألا وهي يد النظام السوري
التي ما زالت مرفوعة فوق لبنان المتحرر من هيمنتها وآفات
مخابراتها. ودخلت الآن على الخط يد النظام الإيراني، من خلال أكثر
من تصريح للمرشد خامنئي.
لا
يوجد خطاب واحد لرئيس النظام السوري دون التدخل في الشؤون
اللبنانية. ما زلنا نذكر تعليماته الفجة للمتحاورين عندما كانت
طاولة الحوار الوطني معقودة.
الأزمات التي يفتعلها "حزب الله" في لبنان، واستقالة الوزراء من
الحكومة تأتي في هذا السياق. الهدف عرقلة الكشف عن حقيقة جريمة
الاغتيال البشعة التي ذهب ضحيتها الرئيس الشهيد رفيق الحريري
ورفاقه، بالتهرب من استحقاق المحكمة وبأي طريقة.
للأسف هذا التصرف يفرض علينا القول: إما أنه مشارك، وإما أنه يريد
حماية المجرمين. هذا هو واقع الحال دون رتوش. لا يوجد تفسير ثالث.
وفي
الحالتين إنها المحكمة الدولية يا فضيلة الشيخ التي ترتجف لها
مفاصل البعض!
إلا
أن الهروب من المسؤولية بسبب المحكمة غير مقبول: دينيا وأخلاقيا
ووطنيا وإنسانيا. والله عز وجل والشعب اللبناني المظلوم ومعه العرب
والعالم شاهدون على كل ما يحدث من ظلم بحق الأبرياء وأهل الضحايا،
الذين يحتاجون إلى بلسمة جراحهم.
لقد
سمعنا جميعا في جلسة التشاور الأخيرة صرخة الأستاذ غسان تويني:"
أنا أتكلم باسم ابني الشهيد جبران. دماء الشهداء ليست للمقايضة".
وإذا كان العدو الإسرائيلي كما كانوا يدعون الهاربون من استحقاق
المحكمة، والآخرون الذين يستميتون بوضع العراقيل في وجهها، هو وراء
الاغتيالات، فالأحرى بهم عندئذ أن يكونوا أول من يعمل مع حكومة
السنيورة الشرعية ومع مجلس الأمن لإنشاء المحكمة وبأسرع وقت
لمعاقبة العدو وكشف إرهابه أمام العالم.
لقد سكتوا جميعا من توجيه الاتهامات إلى إسرائيل وصار همهم
الأساسي التدقيق بالتفاصيل، وكأنهم صاروا كلهم خبراء في القانون.
مع
أن مشروع المحكمة قام بصياغة خبراء حقوقيين لبنانيين ودوليين حسب
القانون اللبناني والدولي وبرعاية الأمين العام كوفي أنان ووزير
العدل اللبناني شارل رزق. براميرتس يعمل بصمت لجمع والأدلة
والقرائن وتقديمها للمحكمة. أي أننا ما زلنا في بداية الطريق،
وربما في النهاية سيكون من نعتقد أنهم ارتكبوا هذه الجرائم
النكراء، أبرياء.
مصلحة لبنان بشكل خاص، والعدالة والحق بشكل عام، قيام المحكمة
ومحاكمة المتهمين وكشف الحقيقة.
إن
الفرق يا فضيلة الشيخ لشاسع جدا وكبير، ولا يمكن وبأية حال من
الأحوال المقارنة بين ما يحدث في فلسطين، من خلافات جوهرية مصيرية
ستراتيجية تتعلق بكيفية التعامل السلمي والحربي لحل الصراع، وبين
ما يحدث في لبنان الذي تحرر من كل الاحتلالات، والذي يتعرض ومنذ
التمديد القسري للحود إلى اغتيالات ومحاولات اغتيال آخرها كان
محاولة اغتيال المقدم سمير شحادة.
ولماذا المقدم شحادة بالذات؟
لأنه الموكل بالتعامل مع لجنة التحقيق ومطلع على أسرار ملفات
الاغتيال.
في
فلسطين نجحت حماس بشكل كاسح في انتخابات ديمقراطية لا غبار عليها.
على هذا الأساس شكل السيد هنية حكومة حماس. رضيت فتح بأن تكون في
المعارضة. أثبتت حكومة هنية عن عجزها الكامل من جميع النواحي حتى
في دفع الرواتب للشرطة والموظفين.
السبب أن رفع الشعارات سهل ولكن تحويلها إلى واقع سياسي مقبوض أو
مصروف يقبله العالم صعب جدا بل مستحيل.
ولهذا لم تحظ حكومة حماس باعتراف دولي بها بل بمقاطعة كاملة. فرض
عليها ذلك بالإضافة إلى ظروف الشعب الفلسطيني الصعبة، والخوف من
فتنة حرب أهلية، أن يكون الحل بحكومة وحدة وطنية.
هذا
شيء رائع ونتمنى كل الخير لأهلنا في فلسطين، خاصة وأن وحدتهم هي
خبزهم اليومي في المواجهة.
أما
في لبنان فالوضع يختلف جذريا فأصلا حكومة السنيورة هي حكومة وحدة
وطنية ومنذ تشكيلها، رغم أن السنيورة مدعوما من قوى 14 آذار كان
باستطاعته أن يشكل حكومة دون "حزب الله" تتحملها الأكثرية حسب
نظامنا الديمقراطي. فالأكثرية النيابية هي التي تمنح أو تحجب الثقة
عن الحكومة وما عدا ذلك هي بدع سياسية بعثية سورية ليس لها علاقة
بالقيم الديمقراطية والدستور الذي يحكم العلاقة بين اللبنانيين
حكاما ومحكومين.
على
العكس ومنذ البداية مدت قوى 14 آذار يدها "لحزب الله" وكان هناك
تحالف. الحكومة أبلت بلاء حسنا شهد لها به الجميع في حرب مدمرة
فُرضت على لبنان، لم تتسبب بها الحكومة، وإنما "حزب الله".
بعد
الحرب خرج علينا الحزب بنغمة الثلث المعطل، يا قاتل يا مقتول!
والآن بنغمة حكومة الثلث المعطل أو انتخابات جديدة يا قاتل يا
مقتول! مع أن الحكومة ومن الأصل فيها ثلث معطل، إلا أنه وبما أن
الحق يعلى ولا يعلى عليه وجد الوزراء المحسوبين على رئيس التمديد
لحود أنفسهم في مواجهة ضمائرهم.
وانتصرت ضمائرهم الحية من أجل لبنان والمحكمة ومعاقبة المجرمين على
صداقاتهم وعلاقات القربى.
وإن
هذا لفخر ما بعده فخر للقيم والأخلاق في هذا العصر!
لبنان والحق يقال ليس فيه مشكلات مصيرية بين اللبنانيين كما هو
الحال في فلسطين، إلا أننا نشتري المشاكل "بالبلاش"، وندمر بلادنا
"بالبلاش" ونخلق الأزمات من لا شيء.
هناك تحامل كبير يا فضيلة الشيخ على رئيس الحكومة الذي لم يرتكب أي
خطأ. والذي أثبت عن عصامية كبيرة جدا وتألق سياسي ديمقراطي فرض
احترامه على القوى العظمى.
إنه
تلقى وما زال يتلقى الشتيمة تلو الشتيمة ويرد عليها بابتسامة
العظماء.
يُتهم من هنا وهناك، باتهامات أكثر ما يقال فيها أنها وقاحة بحق
الوطن والشعب والضمير. وهو ثابت كقلعة صيدون في مواجهة الأمواج
العاتية والأعاصير.
السبب أنه على حق ويهمه مصلحة وطنه وهو رئيس حكومة كل لبنان وليس
رئيس حكومة بشار الأسد أو "حزب الله". كما رئيس التمديد لحود.
في
الحرب الأخيرة تجلت الوحدة الوطنية بأروع معانيها وتضامن كل لبنان
شعبا وحكومة مع "حزب الله" والمهجرين المنكوبين.
أليس من واجب قادة الحزب التضامن الفعلي بكشف الحقيقة ودعم المحكمة
الدولية وليس الهروب من استحقاقها؟
خاصة وأن كل ضحايا الاغتيالات من الطوائف الشقيقة؟
قبل
الطلب من رئيس الحكومة الاقتداء بهنية، علينا أن نسأل الوزراء
المستقيلين لماذا حقا استقالوا؟
وعليهم أن يقنعوا فضيلتكم ويقنعوا الشعب اللبناني بأن استقالتهم في
محلها وليس لعرقلة إنشاء المحكمة الدولية فقط!