الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

سعيد علم الديناقرأ المزيد...

 

 

 

 

سعيد علم الدين

 كاتب لبناني. برلين


الإرهاب أصبح ماركة عربية إسلامية مسجلة

برلين 06.05.15 

مشكلتنا الكبرى مع الحقيقة ليس للبحث عنها بجدية، التعبير عنها بجرأة، كشفها بوضوح، تنويرها ومعالجة واقعها الدامس، وإنما لمغمغتها كيفما كان، ولفلفتها تحت السجادة كما يكون، أو رميها في سلة المهملات ونفض الأيدي منها براءة ثم غسلها بالماء والصابون.

ومشكلتنا الأكبر مع نقد الذات ليس لتعريتها من الشوائب وتشذيبها من العيوب وإصلاحها من العطب، وإنما لتمجيدها وتعظيمها حتى القداسة، بسبب ومن دون سبب، والهوس بها إلى درجة النرجسية والعجب. وتحميل الآخرين عيوبنا لنرتاح من البحث والتعب.

كشف الحقيقة مهم ، لتحقيق العدالة ومعاقبة المجرم والقضاء على الفساد وآفاته التي تدمر روح المجتمعات. وتشذيب الذات من الترهل أهم، ويحتاج إلى الهمم، لكي نخفف من وطأة الأثقال التي نحملها على ظهورنا منذ القدم، وما خزنته الذات في باطنها لنا من ترهات خلال العصور.

ولهذا فإننا ولكي لا نواجه الحقيقة، نلف حولها وندور، ونقول وكأننا لا نقول، ونصرح بخجل، ونلمح بوجل، وأحيانا نستعمل التذاكي والشطارة والدجل إلى حد النفاق، وكل ذلك لكي لا نقول للمخطئ أنت على خطأ. ونجامل الأعور فيشعر بأن جمال عينيه ولا عيون الحور.  

بعد عودته إلى بيروت من زيارته الخاطفة لدمشق التي استدعي إليها فجأة من قبل  رئيس النظام السوري، قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في افتتاح الدورة الوزارية الـ24 لـ"الاسكوا" في بيت الأمم المتحدة ان "الارهاب المتنقل الذي اغتال في لبنان الرئيس رفيق الحريري وعددا من قادة الرأي والفكر والسياسة والاعلام، والذي ضرب قبل ايام في سيناء، وقبلها في شرم الشيخ والاردن والمملكة العربية السعودية، يمثل مرضاً أمميا يحتاج الى مواجهة دولية شاملة".

لقد وقع السيد بري في خطأين مقصودين كما نعتقد:

-         الأول ربط الإرهاب الإسلامي المتنقل بما حدث من اغتيالات في لبنان

-         الثاني اعتبار الارهاب الاسلامي مرضا أمميا

سأبدأ من الثاني، حيث الدِّقَّةِ الفكرية وتسليط الضوء على هذا الكلام، يفرض علينا القول أن الإرهاب يمثل فقط مرضا عربيا عضالا وإسلاميا متفاقما لا حدود له، وليس أمميا كما قال الأستاذ بري. علينا أن نعترف، قبل أن نتهم الأمم الأخرى، بأن الإرهاب في العالم أصبح ماركة عربية إسلامية مسجلة. فنحن المصدرين الوحيدين لهذه البضاعة الدموية المقرفة، الخارجة من قلب مجتمعاتنا المتخلفة. متخلفة بسب تضليل أنفسنا والتعلق بأهداب الثوابت المترفة، والحفاظ على أصنامنا المتعجرفة، التي تحتاج للتكسير بالمطرقة وبالمجرفة، حراثة أرضها من جديد وزرعها بكل العلوم والفنون والفلسفات والحكمة والمعرفة.

فعقولهم تصنع لنا السيارات، وعقول إرهابيينا تفخخها بمكر لتنفجر بين المنازل والحارات. هم يصدرون لنا الطائرات ونحن نخطفها بغدر لنفجِّر بها الأبراج وندمر البنايات. وإذا استمر الحال، على هذا المنوال، فإننا سنصبح منبوذين من كل الأمم دون جدال. فهذا الإرهاب المختال، لا يمكن معالجته فقط بمواجهة عسكرية دولية شاملة، إنما أيضا بنشر قيم النقد الحر في بلادنا على مصراعيها، والفكر الحر وحرية التعبير دون عوائق وثوابت، والتنوير والإصلاح الديني لا الترقيع الكلامي. وهذه مسؤوليتنا الكبرى ومواجهتنا الناجحة في صد الإرهاب والقضاء على هذه الآفة الحقيرة الخطيرة المتفشية كالسرطان في الجسد. ويقفز أحدهم ويقول وفلسطين؟

نعم وفلسطين! حقيقة لقد أضر الإرهاب بالقضية الفلسطينية اشد الضرر وخدم اسرائيل وقدم لها كل التبريرات. ولم يقدم أي دعم عملي لمساعدة الشعب الفلسطيني سوى التمنيات. بل أن عناصر القاعدة حاربوا في أفغانستان والشيشان والبوسنة لمساعدة المسلمين. أما في فلسطين فلم يحاربوا ولم يقدموا مقاتلا واحدا.

أما بالنسبة للخطأ الأول فقد ذكرني كلام بري والذي حاول من خلاله تحويل الأنظار عن المجرم الحقيقي بالربط بين الإرهاب الإسلامي وما حدث في لبنان من اغتيالات وانفجارات: بتصاريح اللواء السابق المسجون جميل السيد حول دور القاعدة باغتيال الحريري مدعوما بشريط أبو عدس، واتهامات النائب السابق سليمان فرنجية لبعض الحجاج اللبنانيين الذين شاءت الصدف سفرهم بالطائرة إلى استراليا بعد عملية الاغتيال، وتلميحات رئيس التمديد اميل لحود وغيرهم من عملاء سوريا، ومحاولاتهم المستميتة في تصريحاتهم وتلميحاتهم ومنذ لحظة اغتيال الرئيس الحريري بربط كل ما حدث ويحدث في لبنان من إجرام، بالقاعدة والإرهاب المتأفرخ عنها من جند الشام إلى جند الله وعسكره وفصائله وأحزابه.

ومن هنا فالعتب كبير على سياسي عارف بدقائق الأمور كالأستاذ بري، الذي يجب أن لا يكون كلامه فقط للاستهلاك المحلي وإرضاء للإخوان من وراء الحدود والجدران، بل خدمة للحقيقة، ولإقناع الشعب بما يقول.

كلام بري الغير مقنع والذي يهدف منه التمويه على الحقيقة يترك أثرا سيئا بل جرحا عميقا عند أهل الضحايا والمتضررين وكل اللبنانيين. الذين دفعوا ضريبة الخلاص من الكابوس البعثي غاليا جدا وبالدم القاني الذي سال من أجل أن تحيا انتفاضة الاستقلال. كيف لا والشهداء الذين تعرضوا للاغتيال في لبنان هم بحجم الوطن بل أكبر بكثير، هم شهداء انتصار الحرية والديمقراطية وحرية التعبير في العالم العربي. لبنان وقع في براثن نظام سياسي مخابراتي دموي يجيِّش العملاء ويحرك الأزلام، ويحرض الإعلام، ليقوم بعملية الاغتيال وهذا ما حصل بشهور قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، نفس الشيء حصل قبيل اغتيال القلم الحر جبران تويني، حيث رفعت صور الشهيد في دمشق كحاخام يهودي. هذه المظاهر السياسية هي تمهيد وتبرير للاغتيال. عدا أن ما حدث في لبنان من اغتيالات كان هادفا لحذف رمز لا يعوض من رموز 14 آذار كاغتيال سمير قصير أو جورج حاوي، وذلك لشل الحركة الاستقلالية وتيئيس الجماهير المنتفضة بقتل قادتها والخنوع لإرهابهم كما استطاعوا بطغيانهم الدموي الرهيب كسر إرادة الشعب السوري المغلوب على أمره، خلال أربعين سنة متواصلة من الإرهاب.إلا أن تحت الرماد نار. والشعب السوري لا يستهان به ان قام فهو جبار. 

عملية الاغتيال المقصودة الهادفة تحتاج إلى تحريض وتدريب وتمويل وترقب وترصد وتنصت وإخبار وتخطيط وتشويش، وقوى جاهزة بدقة متناهية لارتكاب الجريمة. هذا لا يدل أبدا على بصمة القاعدة وليس له علاقة البتة بطريقة إرهابها ضد البشرية، والتي أكثر ما يقال فيه أنه إرهاب خبط عشواء ولا يحتاج إلى الاحتراف. فأي واحد يستطيع أن يخطف طائرة ويحولها إلى أداة حربية. أو يستطيع إذا أراد أن يفجر نفسه كرمال عيون السبعين حورية. ومن نيويورك إلى مدريد ولندن والسعودية واندونيسيا ومصر والمغرب وتونس الهدف واضح قتل اكبر عدد من الناس، أي ناس لا فرق، والأهم ضرب المناطق السياحية والمنتجعات وأماكن تواجد الأجانب بهدف التخريب الاقتصادي وتأجيج الصراع الحضاري بين البشر وتحقيق نظرية الفساطيط البنلادينية. أي فصل فسطاط المسلمين عن فسطاط "الكافرين" والاختباء من أجل ذلك في المغاور والكهوف. تفجيرات الارهابيين الإسلاميين لا تقصد شخص بعينه بل تقصد المجتمع ككل لإعادته إلى جادة الصواب وهذا ما حصل في الجزائر حيث لم يكن القتلة ليفرقوا بين ذبح طفل ونحر شيخ عجوز أو بقر إمرة حبلى أو خطف فتاة أعجبتهم فحللوا سبيها.

الأهم هو عمل السيد براميرتس ونتيجة تحقيقاته. في المحكمة الدولية ستنكشف الحقيقة وتظهر واضحة وضوح الشمس. وانتصار العدالة هو انتصار لشهداء الحرية والاستقلال والسيادة وستطبق كل القرارات الدولية واهمها القرار 1559.

التصاريح والخطابات لن تقدم ولن تؤخر في حركة دوران الأرض، ولكنها عندما تكون مغالطة للحقيقة ومناورة مكشوفة ليست في محلها، فإنها تجرح الآخرين وبالأخص أهل الشهداء. نحن في لبنان بحاجة لمن يبلسم الجراح وليس لمن ينكؤها.  نحن في لبنان والعالم العربي بحاجة للصدق والكلمة الصادقة، وانتصار ثقافة القيم والأخلاق وليس الشطارة والنفاق.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها