الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

سعيد علم الديناقرأ المزيد...

 

 

 

 

سعيد علم الدين

 كاتب لبناني. برلين


 

وماذا يعني الحصار يا أهل الانتصار؟

سعيد علم الدين. كاتب لبناني 06.09.15

وبالرغم من أن القائد حسن نصر الله أبلى بلاءاً حسنا في القتال، ودافع مجاهدوه، (دون أدنى نكران من جانبنا مع أنه أنكر وجحد مستخفا بكل الجهود الدبلوماسية الشاقة والسياسية الجبارة التي قام بها رئيس الحكومة والزعيم سعد الحريري لدعم موقف لبنان وحزب الله ووقف القتال بأقل الخسائر وأفضل النتائج، وبشهادة العالم أجمع وزعمائه الكبار) عن مواقعهم دفاعَ الأبطال. لم يسمعوا منه أمرا بانسحاب، كما فعل حافظ الاسد في الجولان، بل أقدامكم مغروسة في أرضكم حتى الشهادة يا شباب. ومستعد أن أقبلها إن اقتضى الأمر بشوق وترحاب. هذا تواضع ملحوظ منه بالتعامل مع مقاتليه، وكلمات جديدة دخلت القاموس العربي. إلا أنه من ناحية أخرى متعال جدا على دولته الشرعية إذا لم نقل متمرد على دستورها وقراراتها التي أجمع اللبنانيون عليها وأنهت الحرب وأهمها اتفاقية الطائف، التي يريد أن يأخذ منها ما يشاء ويهمل ما يشاء. كيف لا وهو نصر الله معصوم عن الأخطاء مثل الأنبياء ويحق له ما لا يحق لغيره من الزعماء. مغرور في التعامل مع العالم وقادة البلاد الكبار الشرعيين وفي مقدمتهم رئيس الحكومة الفذ المرن المثقف صاحب القلب الكبير والنظرة البعيدة فؤاد السنيورة. المثل المتداول حاليا أكثر من الدولار بين اللبنانيين هو: "ما في شجرة بتوصل لربها!" وبدل أن يغني وديع الصافي "عمرنا لبنان وعلينا بوابو" يجب أن يصحح أغنيته لتصير " دمرنا لبنان وكسرنا بوابو" و"إلي ما عاجبو يحل عن سما ربنا". هذا الكلام قاله رئيس كتلة حزب الله بمجلس النواب محمد رعد غاضبا من قوى 14 آذار التي طالبت بكشف الأوراق عما قاله نصر الله تخوينا للبنانيين الذين على حد زعمه طعنوه بالظهر.

وبالرغم من أن القائد حسن أعلن الانتصار، وهذا حق طبيعي له بعد هذا الدمار! فكروا يا ناس، هل معقول أن ندمر البلد على رؤوسنا على "الفاضي"؟ على القليلة نشوة انتصار، "شوية" انتصار، اسمحوا لنا بها هذه المرة بعد أمركم حتى ولو بالكلام، ليكون الجمهور راضي ويستطيع التصفيق والهتاف ورفع صور حسن ونجاد وبشار!


كل شيء مفهوم حتى الآن أما أن يقف رئيسي أكبر دولتين في المنطقة حليفي حزب الله القائِدَين القاعِدَين على كرسيهِما الوثيرين بعظمة وافتخار، نجاد وبشار، ويثبا مباشرة وثبة الشطار، بعد وقف إطلاق النار، وقبل أن يهدأ في الضاحية البيروتية الغبار، ويعلنا الانتصار، لقطف الثمار، من شجرة الانتظار. كيف لا وهما حليفان مشاركان من وراء حجاب
وستار ومنتظران لحظة بلحظة نتائج المعارك وكأنهما في بازار، للحصول على حصة الأسد من المغانم، ولسمسرة الصفقات ورفع الأسعار على حساب دماء شعب لبنان المحتار. حيث قال بشار: "علينا أن نحول النصر العسكرى الى ربح سياسي" ولم يربح سياسيا وعسكريا فحسب بل وماديا الكثير، حيث حصدَت المطارات والمرافئ السورية مئات الملايين من الدولارات بسبب الحصار على لبنان. عشرات الآلاف من اللبنانيين حملة الجنسيات الأجنبية الذين غادروه عبر سوريا بسبب الحرب كانت تقبض منهم تقريبا مئة دولار على الراس: تأشيرة ورسم وبقشيش ، للترانزيت وعدم "التنبيش"، حتى أنها لم توفر الأطفال. الأطفال لهم أيضا رؤوس! ربح بشار أيضا سياسيا بعرقلة عمل المحكمة الدولية، بتدمير لبنان، بإثبات قدرته على نشر الفوضى في وجه دمقرطة الشرق الأوسط الجديد. لأن الاستبداد والظلم والظلماء وعبادة الزعماء والظهور أمام الجمهور كالبهلول وزج المثقفين في السجون وتكميم الأفواه وتهميش العقول، أو حذفها من الوجود على طول، أفضل بكثير من الديمقراطية التي لا تناسبنا، وليست من عاداتنا وتقاليدنا. وكأن الديمقراطية قدود حلبية وبرازق شامية وأكلة حمص وفول. ولهذا السبب ما زالت أدوات بشار ناشطة في الحقل من نصر الله إلى عون إلى كرامي إلى فرنجية وتعمل جاهدة لإدخال لبنان في المجهول وإسقاط حكومته الوطنية لتحل محلها حكومة دمية استبدادية على شاكلة لحود. وهكذا كان وأعلن حامي الديار الشبل بشار الانتصار قريبا من ساحة الممانعة والنضال التي كانت تدور رحاها قرب عرينه وعلى بعد أمتار وتصيبه أحيانا بأضرار وهو قاعد على كرسيه ببذلة الجنرال، يراقب من بعيد بالمنظار، دون أن يشارك فيها سوى ببعض الأقوال التي لم يكن لها أي أثر على سير المعارك، أو تأثير على أي قرار. سوى القول أن سوريا جاهزة ومجهزة بالشاشة والرادار، للرد إذا اعتدى عليها أحد، ناسيا متناسيا أن بينه وبين خاصرته الضعيفة لبنان معاهدة دفاع مشترك في حال تعرض أحد البلدين إلى اعتداء. ويتساءل الإنسان بعد ذلك هل لبنان هو الخاصرة الرخوة أم سوريا البعث هي البطن المسترخي منذ عام 74 أو الطبل الأجوف. والقول في السر وتالنفي في العلن. كان خطاب بشار وكأنه خطاب الوداع وترك الكرسي إلى قفص الاتهام بقضية اغتيال !

أما حامي البلاد رئيس الفقراء نجاد فقد أعلن الانتصار بعيدا عن ساحة الوغى آلاف الأميال، وكفى الله المؤمنين شر القتال، دون أن يفقد جنديا، أو يطلق صاروخا، أو يموت له "صوصا"، أو يخسر طيارا، أو تفطس له بقرة، أو يحترق له كرما، أو يغطس في البحار. بعد أن تحدثنا عن أهل الانتصار، لا بد من الإجابة على السؤال الذي طرحناه وهو: وماذا يعني الحصار؟ الذي فرضته إسرائيل على لبنان بسبب عملية حزب الله برا وبحرا وجوا واستمر زهاء شهرين مسببا خسائر مالية ضخمة صعبة التقدير، وتداعيات اقتصادية لا يمكن ان يتحملها بلد صغير، فلبنان كله على بعضه مئتي كلم وأقل من نصفهم عرض، محدود الموارد والثروات الطبيعية والإمكانيات المادية. فحقيقةً الحصار ونتائجه الحربية البعيدة المدى قررت من انتصر ومن انهزم شر هزيمة في هذه الحرب. لماذا؟ لأن المصارعة الحرة تعلن انتصار المصارع الذي يثبت كتفي خصمه على أرض الحلبة عندما يعد الحكم للثلاث. رغم أن الخاسر ممكن أن ينهض ويستطيع المقاومة إلى وقت أطول بكثير. بعيدا عن نظريات حسن نصر الله الاستراتيجية، التي استطاعت إسرائيل ليس فقط بالقرار 1701 دحضها وتثبيت كتفي حزب الله على أرض المعركة بل أيضا بالحصار الذي استمر شهرا بعد وقف إطلاق النار. وظلت إسرائيل خلال هذا الوقت تتبختر وتنتهك على حزب الله ولبنان والعرب والعالم والكل يخطبون ودها عربا وعجما ويترجَّونَها ويرجُونها ويتذللون لها لفك الحصار وهي جاثمة على صدر لبنان برا وبحرا وجوا دون اعتبار، وإذا حطت طائرة في المطار، فالإذن يجب أن يؤخذ من إسرائيل التي حولها ويا للعار حسن نصر الله بواسطة مزارع شبعا السورية الهوية وعدم تطبيق الطائف إلى سيدة الدار. لقد أصبح لبنان ومنذ عام 77 ورقة رابحة بيد النظام السوري ومنذ ظهور حزب الله بعد 84 بيد النظام الإيراني أيضا. بسبب الحصار انتقلت هذه الورقة ليد إسرائيل. وهكذا فإذا استفزها حزب الله مثلا بعملية عسكرية في المستقبل فهي لا تحتاج لشن حرب يكفيها محاصرة لبنان برا وبحرا وجوا. ومن يستطيع منعها ؟ فكيف إذا كانت الشرعية الدولية إلى جانبها أيضا بسبب تحدي عنتر ابن شداد اللبناني على صهوة الدوشكا الإيرني لهذه الشرعية ! وإلى متى سيصمد لبنان؟ فهو ليس العراق وحصاره يعني شله دون إرهاق للعدو الإسرائيلي. ومن هنا فالحصار يعتبر هزيمة نكراء لسوريا وإيران، لخسارتهما الورقة اللبنانية نهائيا، لأن موازين القوى في العالم، كما نرى بتواضع، لن تتغير على المدى القريب والبعيد. ولأننا ندعو إلى ثقافة العقلانية والتعقل وليس ثقافة المغامرة والتهور.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها