الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

سعيد علم الدين

سعيد علم الدين

 كاتب لبناني. برلين


هل سنتعرف قريبا على كوبونات بشار؟

 برلين 06.03.24

وبما أن الاستهتار بالدساتير، وعدم أخذها من الحاكم بعين الاعتبار، والتلاعب بنصوصها حسب الطلب وكما الرئيس يختار، والانتقائية في تطبيقِ بنودها، أصبح شيئا عاديا بل كشربة ماء في جمهوريات العالم العربي المنقلبة حضاريا رأسا على عقب، حيث أصبحت أبسط قواعد الأخلاق والقيم والأخوة الإنسانية الأصيلة وكرامة المواطن شيئاً نتندر به بسبب تحولها إلى جمهوريات أمنية يكفيها إشارة يد أو غمزة عين لكي تنقض على مواطنيها بضراوة، تغتالهم أو تزج بهم في غياهب السجون والمعتقلات بلا محاكمة وبلا حقوق.   

وبما أن الدساتير ليست نصوصا مقدسة، إلا أنها بنود تعاقدية بين الحاكم والمحكوم ارتضاها القسم الأعظم من الشعب. ملزمةٌ للحاكم المؤتمن عليها، والذي يستمد هالة حكمه منها. مدروسةٌ بدقة متناهية حيث من خلالها ستُستوحى مختلف الأنظمة والقوانين التي ستسير الدولة على هداها لحل كل القضايا التي تعترض طريقها. ولهذا فالدستور ليس أي قانون عادي بل العماد الأساسي الذي تقوم عليه الدول الحديثة، والقانون الأسمى الذي تستمد منه شرعية نظامها وعملها السياسي. ومن هنا فلا يمكن بسهولة أن يعدل أو يبدل كأي قانون آخر، وتعديله إذا كان هناك آلية للتعديل لا يتم من وراء الكواليس أو بالتهديد وتكسير رأس البلد على من يعارض التعديل، بل يحتاج إلى فسحة ديمقراطية واسعة من مناقشات عامة مستفيضة تشارك فيها مختلف الأحزاب والتيارات والقوى السياسية والاجتماعية ووسائل الإعلام وأصحاب الرأي والاختصاص، لكي يأخذ وقته وينضج بهدوء ولكي يوافق عليه بحرية واقتناع ودون إكراه ثلثي أعضاء مجلس النواب. لقد أصبح التمديد للحاكم في العالم العربي مرضا عقيما لا دواء له، والتوريث والتشبث بالكرسي حتى الممات الرصاصة القاتلة للديمقراطية والتغيير، وللتبادل السلمي للسلطة. فعندما يفصَّلُ الدستور على قد الوريث كما حصل في سوريا بعد وفاة حافظ الأسد مثلاً، أو عندما يداس عليه بالأقدام بالطريقة التي حدثت على يد السيد بشار الأسد في لبنان: فعندها يجب على المثقف الواعي الحصيف، والحريص على مصلحة الشعب والدولة والأمة، وليس على مصلحة الحاكم وتعلقه بالكرسي، أن يكون له موقف فكري ثابت في وجه السلطة المتحكمة بالرقاب. التراجع أو التنازل عن هذا الموقف ولأي سبب يعتبر تخاذلا حضاريا غير مقبول في وجه حاكم مفروض على الشعب بالإكراه، وربما يسبب بنزقه بدمار البلاد. وهكذا شاهدنا ونشاهد بأم العين ما حل بالعراق الغالي بسبب تلاعب صدام حسين بالدستور والدولة العراقية التي حولها باستبداده إلى لعبة بيديه ويد عشيرته، ولم يكفه ذلك بل تابع التلاعب ثمان سنوات على قرارات الشرعية الدولية التي هي أيضا دستور دولي، والتي أطبقت عليه في النهاية في حجرة أقل من متر مربع من مساحة العراق. لقد وجهوا الإنذار تلو الإنذار لصدام لكي يرحل عن العراق ويتركه بسلام، إلا أن صدام أبى بتعجرف. والشعب العراقي يدفع الآن أغلى الأثمان وينزف بسبب آثار كابوس صدام.       

موضوع التمديد للحود غير شرعي دستوري لأنه حصل بالإكراه والتهديد.مما نبه مجلس الأمن إلى واجبه الأخلاقي والإنساني والدولي تجاه بلد مستضعف من قبل جار قوي مسيطر. ومن هنا جاء القرار الأممي 1559 ردا حكيما على التمديد نصف ولاية. وهكذا كان لا بد لعراب التمديد وبطل تحدي الإرادة اللبنانية والدولية من الرد على طريقته المخابراتية الإرهابية برسائل الانفجارات والاغتيالات، وذلك للحفاظ على النصف ولاية ممدة حتى آخر لحظة كما يؤكد دائما لحود. فالمهم هنا ليس مصلحة الشعبين في لبنان وسوريا، إنما الأهم أن لا تنكسر كلمة العراب، الذي أصم أذنيه ولا يريد أن يستمع إلى صرخات مليون ونصف مليون لبناني هبت مرتين في ساحة الحرية في بيروت مطالبة بعزل لحود.

حديث لحود لقناة "الجزيرة" فضحه أكثر أمام الرأي العام اللبناني والعربي. خاصة لمزايداته على حساب السيادة ولعلاقته التي وصفها "بالودية"  مع الرئيس رفيق الشهيد الحريري. مع أن الأخير قال قبل التمديد بأنه سيقطع يده إذا وافق على التمديد وشاهدنا يده بعد التمديد مربوطة. وكأن الحريري أراد معاقبة نفسه لأنه انصاع لتهديدات بشار الأسد ووافق على التمديد مكرها.   

ولن يهنأ لحود بنص ولايته بعد القبض على رنا قليلات سيدة الفساد في عهده ومديرة الصناديق السوداء وبعثرة المليار من الدولارات. في المحكمة الدولية القادمة سنتعرف حقيقة على عهدي لحود والأسد. حيث السين ستلاحق الجيم وتواجه المتهمين بالشهود والوثائق والقرائن. ولو أن المحقق البلجيكي براميرتس يدور في فراغ لما طالب بتشكيل محكمة دولية. المطالبة بها تعني وجود أدلة قوية تكفي للإدانة وتعني أيضا بأن الأموال الطائلة التي ستصرف عليها لن تذهب هدراً.

لحود رمز الماضي ويجب أن يرحل لكي ينتقل لبنان إلى المستقبل، إلى مرحلة السيادة والاستقلال والقرار الحر.وليتم التصالح مع الشرعية الدولية، التي طالبت في القرار 1559 بانتخابات رئاسية حرة وفق الدستور ونزع كل سلاح غير شرعي.

كل من يدعم بقاء لحود إنما يعمل على استمرار التدخل البعثي السوري في شؤون دولة عربية مستقلة هي لبنان. الأفضل لرئيس النظام السوري أن يعمل على تحرير الجولان وإعطاء الشعب السوري حقوقه المشروعة وعدم اعتقال المثقفين والمعارضين السوريين، بدل أن يهزأ من لبنان أولا والأردن أولا ويتدخل بشؤون جيرانه.

ما جاء بالإكراه سيذهب بالإكراه. ولقد تعرفنا على كوبونات صدام لشراء ضمائر الكتاب والصحفيين والسياسيين العرب والأجانب، فهل سنتعرف قريبا على كوبونات بشار؟ ولماذا لا توجد معارضة كويتية خارج الكويت ؟ ولماذا توجد معارضة ليبية بمئات الآلاف خارج ليبيا. ولماذا لا توجد معارضة أردنية خارج الأردن ؟ ولماذا توجد معارضة سورية بمئات الآلاف خارج سوريا. إن الصراع من أجل انتصار الديمقراطية يفرض على القوى والأحزاب والتيارات الديمقراطية في العالم العربي الاتحاد والعمل يدا بيد. فجميعنا في قارب واحد. ومن هنا لا بد من الترحيب بتوحيد جهود المعارضة السورية مع قوى الاستقلال والديمقراطية في لبنان. الهدف التغيير من أجل الأفضل وبناء دول عربية يعيش إنسانها بكرامة وحرية وحقوق مصانة. نظام بشار لم يحل مشكلة واحدة لسوريا الغالية على العكس بسببه تتفاقم المشاكل على لبنان وسوريا والعراق. الحل يكون برحيله لخلاص سوريا العزيزة على قلب كل عربي من نير الاستبداد وعبادة التماثيل والأصنام.   

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها