هل في لبنان ديمقراطية؟ (4)
في هذا
الجزء سأحاول الإجابة عن السؤال المطروح:
هل في
لبنان ديمقراطية؟ ولكي تكون إجابتي كافية لا بد من تقييم ومقارنة
الديمقراطية اللبنانية مع اركان الفلسفة الديمقراطية وجوهرها العام. فإذا
تطابقت اركان الديمقراطية مع الديمقراطية اللبنانية نكون قد أجبنا عن
السؤال بشكل شاف.
الأركان
الأساسية التي يقوم عليها أي نظام ديمقراطي في أي دولة حرة في العالم
تحترم نفسها، وإرادة شعبها، وحق معارضيها، وحقوق انسانها ويكفل ذلك
دستورها وتُحسن تطبيقه على الجميع بالتساوي من قبل سلطتها التنفيذية هي
قيم ومبادئ وقوانين:
- الحرية
بمعناها الواسع والشامل وضمن القوانين المرعية الإجراء بالطبع.
- التبادل
السلمي للسلطة مع احترام النصوص الدستورية وفتراتها الزمنية بدقة، وعدم
التلاعب بها حسب الأهواء والانقلاب عليها حسب المصالح.
- حق
النقد والاعتراض والاختلاف دون ان يؤدي ذلك الى الملاحقة القانونية والزج
في السجون او حذف الخصم السياسي بالاغتيال .
-
المبارزة بالكلمة والحجج والأفكار وليس بالسيوف والبنادق.
- تحمل
الرأي الاخر من قبل الحاكم واحترامه كحق أساسي من حقوق المعارض والمخالف.
-
التعددية من خلال المنافسة الحرة بين القوى السياسية والأحزاب. - فصل
السلطات لمواجهة التفرد والتسلط والاستبداد في الحكم.
- تطبيق
القانون على الجميع دون انتقائية تحقيقا للعدالة والمساواة.
- تفعيل
الآليات الديمقراطية في المحاسبة والشفافية والمكاشفة لمحاربة الفساد عبر
مجلس النواب.
- حق
الترشيح والانتخاب لكل من استوفى الشروط القانونية.
- احترام
العملية الانتخابية الى ابعد الحدود، لكي تكون نزيهة ويمارسها الناخب
بسرية وحرية ومن دون تهديدات وضغوط وارهاب.
- احترام
قرار الناخب أي قرار الشعب. أي احترام الأقلية لحق الأكثرية في حكم
البلاد. كيف لا وخسارة الانتخابات في الديمقراطية لا تعني نهاية الدنيا،
بل هي فترة امتحان زمنية للفائز لكي يبرهن جدارته وقدرته على حل مشاكل
البلاد بنجاح، وللخاسر لكي يثبت جدارته على طرح البديل وقدرته على النقد
لإقناع الرأي العام والفوز في الجولة المقبلة. وغيرها من القيم والمبادئ
الديمقراطية.
اذا حكمنا
على الديمقراطية اللبنانية من خلال هذه القيم والمبادئ التي ذكرناها،
لوجدناها تاريخيا قد طبقت بشكل ملموس واحترمت بشكل مُرْضٍ من قبل النظام
السياسي اللبناني ورجال السياسة بعد الاستقلال، وبالأخص منذ فترة
الاربعينيات وحتى السبعينيات. التي أدت إلى تحقيق فترة ازدهار واستقرار
اقتصادية وسياسية ذهبية رغم الازمات المصدرة من وراء الحدود، مما دفع
العالم الى اطلاق سويسرا الشرق على لبنان.
هذا الذي
اصبح في هذه الفترة واحة الحرية النادرة في بلاد الشرق وخاصة للأشقاء
العرب الهاربين من أنظمتهم المستبدة الدكتاتورية .
واحترم
النظام الديمقراطي اللبناني حرية المعارض والمخالف الى أبعد الحدود. فلم
نسمع ان احدا اعتقل في لبنان بسبب آرائه وافكاره السياسية على العكس كان
لبنان المنبر العربي الوحيد في تلك الفترة للأفكار والآراء الحرة والمضرة
لصيغته ايضا. وخاصة افكار حركات الاستبداد العربي من القومي الناصري الى
القومجي البعثي والقومجي السوري .
ولهذا
تفتحت وازدهرت في لبنان الحريات السياسية والفكرية والإعلامية والثقافية
والأدبية والنقابية والعلمية والفنية والاقتصادية والإبداعية النقدية.
حتى ان المفكر السوري د. صادق العظم لم يستطع نشر كتابه " نقد الفكر
الديني" الذي اثار ضجة كبيرة الا في بيروت عاصمة الحضارة والاشعاع
والابداع في العالم العربي.
لقد صان
النظام اللبناني حرية الفرد والتيارات والاحزاب وجمعيات المجتمع المدني:
قولا وفعلا وتعبيرا واجتماعا وتجمعا وتظاهرا واعتصاما الخ من نشاطات
حركية في المجتمع. وفي هذا الجو المنفتح انطلقت الصحافة وازدهرت حركة
النشر واستطاعت ايضا احزاب الاستبداد والعنف وحركات وفصائل النضال المزيف
لتحرير فلسطين الى المشاركة مع احزاب الاستبداد والهيمنة العربية في
اشعال الحرب الأهلية الفوضوية بهدف احتلال لبنان وضرب ديمقراطيته وانهاء
صيغته الحضارية. وهذا هو الذي حصل عامي 75 و76 ومهد الطريق لدخول قوات
النظام البعثي السوري، الذي اول عمل قام به هو ضرب الحريات باعتقال
وملاحقة وقتل وخطف واضطهاد اللبنانيين من اعضاء ومناصري حزب البعث
العراقي وما كان من النائب الطرابلسي البعثي العراقي عبد المجيد الرافعي
الا ان فر من قبضتهم الى المنطقة المسيحية التي كان يعاديها ومن ثم الى
العراق.
فالحرب
الفوضوية أي حرب السنتين لم تشعلها بوسطة عين الرمانة، وانما مؤامرة
النظام البعثي السوري الخبيثة في السيطرة على لبنان وقتل ديمقراطيته
وبمساعدة الفصائل الفلسطينية الدائرة في فلكه ومنذ عام 68، حيث تم له
تشريع ذلك لبنانيا وعربيا بفرض اتفاقية القاهرة على الدولة اللبنانية
التي شلَّ قرارها آنذاك رئيس الوزراء المرحوم رشيد كرامي الذي انبطح أمام
هذه المؤامرة وبطح معه لبنان وظل يردد الجيش هو الرصاصة الأخيرة إلى ان
استطاعت المؤامرة البعثية السورية تعطيل هذه الرصاصة دون أن تنطلق في
الاتجاه الصحيح دفاعا عن لبنان وحريته وسيادته واستقلاله.
وما ان
استقرت القوات والمخابرات السورية الا وبدأت بتدشين وجودها بقمع وارهاب
الزعماء اللبنانيين، وخاصة من لم يرتح لهم حافظ الاسد كان نصيبهم النفي
والاغتيال. وهكذا سقط جراء عملية اغتيال سورية في وضح النهار عام 77
الشهيد ومؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط وكرة سبحة القمع
والاغتيالات باغتيال العشرات من زعماء ورؤساء وقادة فكر وصحافة ورجال دين
بهدف قتل الديمقراطيين الوطنيين الأحرار وضرب الديمقراطية وتركيع الشعب
اللبناني خدمة لمشاريع النظام السوري.
لقد نجح
هذا النظام الأسدي الاستبدادي بأساليبه المخابراتية الملتوية خلال 30 سنة
من احتلاله خلق طبقة لبنانية سياسية خانعة مطيعة ارهابية فاسدة شمولية
مخابراتية على شاكلته نراها اليوم في قوى الثورة المضادة الميليشياوية
المسلحة بقيادة حزب الله وباقي الفاسدين الغير ديمقراطيين من شلل وأحزاب
وتجمعات وسياسيي 8 اذار. الذين لا يرف لهم جفن في تقديم مصلحة بشار الاسد
على مصلحة الوطن ومعاناة الشعب.
وما ان
بدأ البعض بالتململ علنا ( الكنيسة المارونية، قرنة شهوان، الصحفي الشهيد
جبران تويني وغيرهم) والبعض سرا كالرئيس الشهيد رفيق الحريري، البعض همسا
من الاحتلال السوري بعد الانسحاب الاسرائيلي عام الفين حتى شنت المخابرات
السورية مع جهازها الأمني اللبناني التابع حملة شعواء ضد الآراء المعارضة
توجتها بالتمديد للحود واغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
إلا أن
الشعب اللبناني الحر رد الصاع صاعين وثار ثورة شعبية مليونية جماهيرية
عفوية هادرة حضارية بيضاء في 14 اذار 2005 بشكل لفت انظار العالم الى هذا
البلد الحر الذي يدفع أبطاله ثمن ديمقراطيتهم بالدم.
ولم تكن
ثورة الارز وانتفاضة الاستقلال على هذا الوضع الانحداري الفاسد الذي خلقه
النظام السوري في البلاد، الا تدفق دم جديد في شرايين الديمقراطية
اللبنانية.
في الجزء
الخامس والأخير سأرد على كل الانتقادات التي توجه عامة من المتحاملين على
النظام الديمقراطي اللبناني:
حسدا
وكرها، او عدم معرفة وجهلا. |