هل في لبنان ديمقراطية؟ (1)
أو
بالأحرى هل النظام السياسي اللبناني: نظام ديمقراطي حقيقي أم عشائري
طائفي اقطاعي وراثي متخلف متعصب كما يحلو لبعض الكتبة وصفه متهكما أو
مستهزئاً ؟
هذا وقد
تعرضت في مقالاتي التي ألقي فيها أحيانا الضوء على الديمقراطية اللبنانية
الى السخرية والتهكم من بعض تعليقات القراء. ولهذا كنت قد وعدت بكتابة
مقالة حول هذا الموضوع المهم.
والان أفي
بوعدي. خاصة وانني عندما اتحدث عن الديمقراطية في لبنان، انما اتحدث عن
شيء حضاري عزيز على نفسي عايشته منذ صغري وتفتحت عيناني عليه عن كثب من
خلال المناقشات والمنافسات الانتخابية الحادة في منطقتي والتي لها
ذكرياتها الحلوة والمرة عندي ومنذ انتخابات عام 1964. بالتأكيد لم أفهم
في صغري الجانب الحضاري المميز والمغزى العميق من تلك العملية
الديمقراطية وماذا تعني، وكم كنت أتشاجر مع ابن خالتي الذي كانت عائلته
في منافسة مع عائلتي ويعلوا صراخنا أحيانا في حمى وطيس المعارك
الانتخابية. الا اننا كنا في الصغر ديمقراطيين وحضاريين دون ان ندري، حيث
لم يصل شجارنا الى حد التعارك بالأيدي. كما يحصل اليوم في الجنوب عندما
تتعرض سيارات نشطاء حركة "الانتماء اللبناني" للأستاذ احمد الاسعد الى
الحرق والتفجير على يد الشموليين الإرهابيين رافضي الفكر الاخر والمنافسة
الشريفة والانتخابيات النزيه من اذناب الدكتاتورين.
وعندما
كانت تخبو أوار المعركة الانتخابية كان الود والوئام والصداقة والمحبة
يعود بيني وبين ابن خالتي الى سابق عهده.
هذا
الكلام في الستينيات أيام كانت الدولة اللبنانية عزيزة الجانب مهابة سيدة
قرارها وصاحبة دارها حرة مستقلة تمارس فيها الحياة الديمقراطية بنزاهة
والسياسية بنباهة وبلاغة، وليس كما يفعل اليوم ميشال عون الذي اوصل
الحياة السياسة في البلد الى تحت الزنار والى مستوى اولاد الأزقة
والزعران والبناديق وحتى القطط والبسينات الى آخر ما يخترعه عقله الشمولي
من وسوسات منحطة وقذرة وسخيفة وشريرة. فهو من هدد بحق قناة "المستقبل"
وحرض على هذه الفعلة النكراء، وتم حرقها باشرافه من قبل ارهابيي 8 اذار
في غزوتهم البربرية على بيروت في 7 ايار.
لا بد هنا
من التأكيد على شوائب نظام التوزيع الطائفي المناقض للمساواة بين
المواطنين والذي عالجه اللبنانيون في اتفاق "الطائف" دستوريا. حيث تقرر
الغاء الطائفية السياسية. والمطلوب اليوم هو تطبيق دستور الطائف بحذافيره
وبنوده كاملا ومنها سحب السلاح الغير شرعي من ايدي الجماعات والتنظيمات
والاحزاب الشمولية المسلحة. كما ينص ايضا، والتي تعتبر اليوم العائق
الوحيد أمام قيام الدولة السيدة الدستورية المستقلة وبناء لبنان
الديمقراطي القوي المزدهر الجديد، ليعود جوهرة في محيطه، وعلى أفضل ما
يكون لدولة عربية شرقية تقع في محيط الاستبداد والحسد والاستعباد والخنوع
والدكتاتوريات والشموليات والقومجيات العربية التي صرعتنا في الستينيات
بشعاراتها البراقة الجوفاء في التحرير والحرية والاشتراكية والوحدة
والعروبة، واليوم في المقاومة والممانعة والمحي والإزالة، وحولتنا الى
ادوات هدامة لواحة نظامنا الديمقراطي اللبناني الوحيد في صحراء المنطقة
العربية ولدولتنا المدنية المتطورة الدستورية القانونية.
لقد
انكشفت هذه الشعارات القومجية البراقة وخوت، وظهرت أطماع أصحابها بقضم
لبنان، وسقطت عوراتهم بممارسات مخابراتهم، وانفضحت مؤامراتهم أمام أعين
الملايين من اللبنانيين، الذين تعلموا الدرس بعد أن دفعوا الثمن غاليا
جدا في ضياع استقلالهم، وفقدان سيادتهم وخراب وطنهم وتشويه ديمقراطيتهم.
وللأسف ان البعض من خريجي اقبية مخابرات النظام السوري ومرتزقة النظام
الإيراني ما زالوا يعيثون بلبنان فسادا وبديمقراطيته تشويها ببدعة الثلث
المعطل ومهزلة المشاركة في الحكم ان ربحوا او خسروا. وما زالوا يطلقون
على انفسهم لقب معارضة وهم يجلسون على كراسي الحكم. وكأنهم غير قادرين
على فهم الديمقراطية واستيعاب فلسفتها في حكومة تحكم البلاد ليحاسبها
الشعب، ومعارضة تعارض وتنتقد لينتخبها الشعب. والا تحول الحكم الى نظام
شمولي كما هي الحال في سوريا وايران.
وهذا ما
حل بلبنان تحت كابوس الاحتلال السوري، حيث تحولت العملية الانتخابية الى
مهزلة مخابراتية. ينجح فيها ليس من يملك الأكثرية الشعبية وانما من يقدم
صكوك الطاعة لنظام الطاغية السوري.
ليس هذا
فحسب بل يجب ان يرضى عنه الباب العالي في دمشق، والا فلا يمكن ان يحلم
بمقعد انتخابي او حتى بواب بناية.
ويا للعجب
أن معظم الذين يسخرون من الديمقراطية اللبنانية هم أنفسهم غارقون مع
دولهم في عفن الدكتاتورية ومستنقع الفكر الاستبدادي المظلم ويا ليتهم
يستطيعون الخروج منه الى رحاب الحرية لتشرق عليهم شمس الديمقراطية.
عدا أن
البعض وربما عن حسن نية لا يستطيعون رؤية الجواهر فيخلطون الحابل
بالنابل، دون ادنى فهم للصيغة اللبنانية الديمقراطية الفريدة والمميزة
والتي أثبتت فرادتها وصحتها وقدرتها على تجاوز التحديات والاستمرار بنجاح
منقطع النظير حتى فرضت انطلاقتها وتألقها على العالم بتسمية لبنان
الديمقراطي بسويسرا الشرق ولأكثر من ثلاثة عقود متتالية، أي منذ
الاستقلال عام 43 وحتى عام 75.
لقد زعزعت
دسائس ومؤامرات النظام السوري المتواصلة معطوفةً على الصراع العربي
الإسرائيلي بعد عام 68 اثر حرق اسرائيل للطائرات المدنية في مطار بيروت
ردا على عملية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في مطار اثينا، اسس التركيبة
اللبنانية السياسية المنسجمة.
وهكذا
بدأت رياح الصراع العربي الإسرائيلي تهب بعنف وشراسة على النظام السياسي
اللبناني مما أدى الى ازمة حكومية حادة كان بطلها المرحوم رشيد كرامي
واستمرت سبعة شهور وانتهت بفرض اتفاق القاهرة عام 69 على لبنان، الذي
انهى حالة الهدنة مع اسرائيل وفتح الباب مشرعا امام مؤامرات النظام
البعثي السوري الشمولي تحت غطاء الثورة الفلسطينية ليعبث بلبنان فسادا
وخرابا وتشويها خلال 30 سنة من فترة احتلاله.
لقد أصبح
لبنان في هذه الفترة تابعا لنظام آل أسد في دمشق وخسر بالتالي رويدا
رويدا سيادته واستقلاله وحرية قراره وديمقراطيته الحية التي تم نسفها
وتشويهها وتفريغها من جواهرها متحولة الى شبه دكتاتورية على ايام النظام
الأمني اللبناني السوري المخابراتي في عهد اميل لحود المشؤوم.
الا انها
وكما نرى اليوم عاد لبنان الديمقراطي ليتألق من جديد على يد قوى 14 اذار
الديمقراطية، وصبر الرئيس فؤاد السنيورة في تثبيتها وحركة رئيس الجمهورية
ميشال سليمان الدؤوبة في تعزيزها بقوة، وكل ذلك بدعم من السياسيين
الديمقراطيين المستقلين ورجال الدين الوطنيين الكبار وفي مقدمتهم
البطريرك صفير والمفتي قباني وشيخ العقل نعيم حسن. أما الثورة الشمولية
الميليشياوية المضادة وأدواتها المسلحة فحسابها سيكون على يد الناخب في
الانتخابات النيابية المقبلة في 7 حزيران. يتبع! |