اقرأ المزيد...

سعيد علم الدين

 كاتب لبناني. برلين

 09.03.15

فشل استراتيجية "حزب الله" الدفاعية ونجاح السورية

ان الحوار في القصر الجمهوري في بعبدا الذي يهدف الى ضبضبة سلاح حزب الله وكل السلاح الغير شرعي المنفلت في لبنان ليصبح تحت إمرة الدولة هو مضيعة للوقت وتخدير للبنانيين. ولن يتم حله حتى بعد الانتخابات القادمة. الا ان نجاحا كاسحا لقوى 14 آذار مع المستقلين الداعمين لمشروع فرض سلطة الدولة على كامل اراضيها، سيحشر حزب الله وميليشيات 8 اذار في الزاوية، وسيكون على المدى البعيد سيفا شرعيا شعبيا برلمانيا مدويا بيد الدولة ومرفوعا بوجه السلاح الغير شرعي، كما هي حال المحكمة الدولية اليوم: سيفا مدويا بيد المجتمع الدولي ومجلس الأمن مرفوعا في وجه القتلة ومسلطا على رقاب المجرمين.

فحزب الله الإيراني فرع لبنان لن يتخلى عن سلاحه الذي هو جزء من منظومة سلاح الولي الفقيه وأصبح بالتالي قضيته المقدسة، والتخلي عنه هو كالتخلي عن العِرْضِ. ونحن شرقيين كما قالها يوما نصر الله. أي سلاحُنا عِرْضُنا. ومعروف أن العِرض بكسر العين هو الشرفُ الذي يراق على جوانبه الدمُ.

عدا أن صاحب الدويلة الميليشياوية المستبدة والمتفرعنة على الدولة الشرعية لن يتخلى عن دويلته المذهبية العقائدية باستراتيجية دفاعية او بدون استراتيجية.

وسيبقى جوهر استراتيجية نصر الله هو الحفاظ على السلاح والدويلة وتمددها كما هو حاصل اليوم في كل المناطق اللبنانية للهيمنة في النهاية على البلد بالكامل.

والا كيف سيزيل اسرائيل عن الخارطة كما قال في خطابه منذ ثلاث ايام؟

وكيف سينتصر نهائيا على المشروع الأمريكي ويفرض شروط حزب الله على الرئيس أوباما؟

يجب التذكير أن هذا الحوار بدأ عام 2006،  وما ان بدأ طرح موضوع الاستراتيجية الدفاعية أي سلاح الحزب حتى قطع طريقه نصر الله بافتعاله حرب تموز مع اسرائيل وسيقطع طريقه ثانية اذا حاولت قوى 14 اذار التعرّضُ لعِرضهِ.

وكل مقررات الحوار الوطني التي وافقوا عليها لم يطبق منها شيء وبقيت حبرا على الورق. وحتى المحكمة الدولية التي وافقت جماعة 8 اذار عليها عادت وحاربتها واغلقت البرلمان في وجهها. الى ان فرضها مجلس الامن عليهم بالفصل السابع.

ولهذا تبقى استراتيجية حزب الله الدفاعية، التي أطلقها نصر الله اسما بلا جسمٍ على طاولة الحوار الوطني عام 2006، والتي لم تبصر النور على الورق حتى اليوم، ولن تبصره، وان أبصرته فستكون مهزلة العصر، كورقة ميشال عون التي تريد تحويل لبنان من جنوبه الى شماله ومن سواحله الى قمم جباله الى دويلات ميليشياوية ومقاومات لإزالة اسرائيل كما يحلم نصر الله في الوقت الذي يسعى النظام السوري الى السلام. وكما نستمع من تصريحات الاسد يوميا.

الاستراتيجيات تبنى على الوقائع والحقائق والمعطيات والامكانيات وليس على الطموحات والأحلام والمغامرات والعنتريات.

ألم يكن يملك حزب الله قبل حرب تموز استراتيجيته الدفاعية الذكية؟

ماذا حققت للبنان سوى التدمير الكامل؟

خاصة بعد أن أكدت نتائج حرب تموز فشلها الذريع في الدفاع عن لبنان، الذي تم احتلال أجزاء كبيرة من جنوبه ومنها ما زال محتلا حتى اليوم كقرية الغجر، وتدميره وتقطيع اوصاله وحصاره برا وبحرا وجوا بسهوله على يد اسرائيل. 

لا بد من التساؤل : ما هي "استراتيجية" النظام السوري الدفاعية في وجه إسرائيل؟

هل هي أنفاق سرية تحت أرضية لدعم غزة الحمساوية يجري حفرها بهمة الضفادع البشرية بعد منتصف الليل خوفا من عيون الأقمار الصناعية وعلى إيقاعات القدود الحلبية؟

أم هي الوقوف على أطلال الأمة القرداحية الفاسدة ذات رسالة الاغتيالات الدموية الحاقدة؟

أم هي زج المثقفين السوريين في السجون لإخراس كل الأقلام الناقدة؟

لقد أثبتت الضربات الموجعة والمتكررة والمعلنة على سوريا ومنها الغارة الإسرائيلية على "عين الصاحب" قرب دمشق، ومن ثم تحليق طيران العدو الاستفزازي فوق قصر بشار الأسد، وضرب المفاعل النووي في دير الزور وتدميره بالكامل، واخيرا الغارة الجوية الامريكية على الارهابيين داخل الحدود السورية، حيث استطاعت اصطياد احد قيادي تنظيم القاعدة وهو ابو غادية، بدران تركي هيشان المزيدي المسؤول عن تجنيد الإرهابيين لخراب العراق.

أمام كل هذه الضربات التي تمس الكرامة السورية والسيادة والعِرض الوطني في العمق رفع النظام الأسدي بجرأة شعار حق الرد. الذي سيبقى شعارا يأكلُ عليه الدهر ويشرب كما أكل وشرب على كل شعارات دولة الخنوع والتصدع والمرمغة في الوحول. التي تمانع لفظا وتستجدي الجلوس مع العدو عبر أي وسيط خنوعا.

ونطرح السؤال ثانيةً وبجدية لعل في الطرح استفادة وهو:

هل يوجد حقا "استراتيجية" سورية دفاعية في وجه إسرائيل؟

الجواب، نعم ! وأيضا ناجحة جدا، حيث تقوم استراتيجية النظام السوري الدفاعية الفعالة في وجه إسرائيل على الحفاظ على حدوده معها أمنة، وعدم إعطائها أي ذريعة للرد عليه. وحتى اذا تعرض لضربة منها كما اسلفنا لا يرد، بل يرفع شعار حق الرد. ولنجاح استراتيجيته الدفاعية هذه دون منازع يمارس استراتيجيته الهجومية ضد أحرار سورية ومثقفيها ومقاوميها باعتقالهم او اغتيالهم او نفيهم أو تهجيرهم. 

فمنذ توقيع معاهدة فكّ الاشتباك في الجولان بعد حرب تشرين والتي وقعت عام 1974 بين سوريا واسرائيل، اخترقت اسرائيل هذه المعاهدة عدة مرات من خلال الضربات العدوانية التي أشرنا إليها وفي المقابل فإن نظام الأسد حريص على التمسك باستراتيجيته الدفاعية في وجه إسرائيل والتي تعني القدرة التامة على حماية حدودها من أي مقاومة سورية لاسترجاع الجولان وعدم السماح لأحد بالتفكير بذلك احتراما لمعاهدة فك الاشتباك ووقف اطلاق النار معها.

هذا في الوقت الذي يعلن النظام عجزه عن السيطرة على حدوده مع العراق ولبنان بهدف تصدير مخابراته وعملائه من الإرهابيين لزعزعة استقرارهما ونشر الفوضى والخراب فيهما. لأن ذلك يعتبر ورقة رابحة بيده الملوثة بدماء الأبرياء للوصول إلى صفقة سياسية مع الأمريكان والاسرائيليين.

وإلا كيف سيكسر عزلته التي جلبها لنفسه بحماقاته القاتلة أخطائه الجسيمة وعلاقاته الإرهابية! 

 نحن في لبنان لا نحتاج لمواجهة إسرائيل إلى استراتيجية "حزب الله" الهجومية والتي تركت لبنان هدفا سهلا للطيران الحربي الإسرائيلي يدمر ويفتك كما يحلو له. نحن نحتاج إلى استراتيجية عربية دفاعية شاملة يكون لبنان جزءاً منها وسوريا أيضا لردع إسرائيل، وما عدا ذلك يبقى مضعية للوقت وتخدير للناس.

والنصر الذي يتحدث عنه حسن نصر الله وهمي عدمي ليس له وجود حتى في رأس صاحبه المختبئ رعبا، حتى ولو ادعاه وكرر ادعائه ليصدق نفسه لمآرب الهروب من الحقيقة غرورا وبهتانا واستئسادا على الدولة المستباحة. وعندما يحاول نصر الله أن يسند انتصاره الإلهي لنتائج لجنة فينوغراد التي توصلت إلى فشل اسرائيل واخفاقها في حرب تموز، فإنه يثبت فشله وإخفاقه الذريع ومسؤوليته التاريخية في تدمير لبنان التي يجب أن يحاسب عليها . لماذا؟

لأن المعايير الواقعية والتحليلية والعلمية التي اعتمدتها لجنة فينوغراد في تقييم الفشل والإخفاق تختلف جدا عن معايير حزب الله البهلوانية الغوغائية الواهية. مثلا الطالب الأول في صفه والذي يحصل دائما على درجة ممتاز وحصل مرة على درجة وسط فإنه لن ينام الليل لمعرفة السبب ومعالجته لكي لا يقع ثانية في هذه النتيجة المذلة له.

وبينما كان الصياد الفيتكونغي يصاد بواسط سام 7 الروسية الطائرات الأمريكية كالعصافير، وبينما كان الصياد الأفغاني يصطاد بواسطة ستنجر الأمريكي الطائرات الروسية كالعصافير فلم يستطع صياد حزب الله ولن يستطيع اصطياد طائرة واحدة من طائرات العدو.

لقد فشلت استراتيجية حزب ولاية الفقيه في وقف تدمير لبنان وقرى الجنوب والضاحية واستطاع جيش العدو الوصول إلى الليطاني، اما انهاء القتال والحصار فيعود الفضل فيه لجهود حكومة السنيورة الجبارة، والتي هبت بكل قواها فأوقفت الحرب وانهت الحصار وأنقذت الحزب  من مصير طالبان والقاعدة وصدام وميلوسوفتش.

المنبطح الحقيقي أمام العدو هو الذي يستدرجه لتدمير وطنه وتهجير شعبه ويريد محاربتهم بثقافة التخلف والجهل والظلام وعقلية القرون الوسطى والعنتريات والشعارات وتحويل الهزائم النكراء الى انتصارات، وزلع البقلاوة وبلع المجدرة وطحن البرغل وأكل البندورة. نحن بحاجة الى انسان عربي جديد عقلاني ذكي يفكر بعقله وليس عاطفي انفعالي يفكر بكرشه. كفانا هزائم هي فواجع وكوارث ونكبات ومآسٍ نحوِّلُها بخفة الراقصين على الأشلاء الى أفراح وبطولات وانتصارات.

 نحن بحاجة الى استراتيجية عربية فعلية واقعية علمية ترهب الأعداء وليس صف كلام حسب الأهواء. اما ان يتحمل لبنان الصغير وحده تبعات الصراع العربي الاسرائيلي فهذا والله إجرام ما بعده إجرام!

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها