اقرأ المزيد...

سعيد علم الدين

 كاتب لبناني. برلين

08.05.23


ويبقى السلاح هو الهم الأكبر

لا يمكن ان تنهض الدولة الديمقراطية الحديثة السيدة في لبنان وتمارس سيادتها بحرية على كامل اراضيها دون حل جذري ونهائي للميليشيات والسلاح المستشري بين ايدي الناس. وإذا لم نبن دولة العدالة والمساواة الآن ونطبق الطائف وننزع فتيل السلاح ونحل الميليشيات فنكون كمن يحضر لجولات حرب وفتن طائفية منكرة اخرى.

فالميليشيات ستولد ميليشيات! والسلاح سيجر السلاح!

وكل ديك كما يقول المثل العامي على مزبلته صياح. ومن يعتقد بأنه أصبح بغفلة من الزمن الرديء ديك الديوك ويستطيع بقوة سلاحه في كل لبنان ان يحكم كالملوك، فسيبح صوته ويصل حتما كما وصل غيره إلى الخسران المبين.

ومن يعتقد مغرورا أنه بإرهابه وسلاحه يستطيع استباحة كرامة الطوائف المسالمة، فسياتيه الرد ولو بعد حين وسيعض اصابع الندم. فحتى المسالم عند استباحة كرامته سيتحول في لحظة ما الى مقاتل شرس عنيد ومقاوم لا يلين. ولا يمكن بهذه الطريقة الإجرامية التعسفية التي  حدثت في بيروت جر طائفة بأكملها إلى ما يريده البعض تنفيذا لمشاريع مرفوضة أصلا من كل اللبنانيين. واتهام زعمائها بالعمالة ومن ثم تقبيلهم على الخدود.

ولا يمكن لأي حزب يريد المشاركة في العمل السياسي أن يكون في الوقت نفسه مسلحا حتى الأسنان ويشكل دولة في قلب الدولة أو لقلبها والاستيلاء عليها في اللحظة التي يسعى لاقتناصها.

فعلى من يريد الاشتغال بالعمل السياسي والاجتماعي في لبنان أن يقتنع، بأن عمله لا يمكن أن يثمر ويجدي نفعا إلا من خلال الوسائل السلمية التي يبيحها النظام الديمقراطي، ألا وهي: الكلمة والفكر والتفاني في خدمة الشعب، والحوار واقناع الناس بمشروعه السياسي لينتخبوه لا بترهيبهم وفرضه عليهم بقوة السلاح. أما بخصوص الصراع العربي الإسرائيلي وحل مشكلة مزارع شبعا والأسرى في اسرائيل والمعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، فهنا الدولة اللبنانية وفقط الدولة هي المسؤولة والمعنية الأولى بذلك. فهي صاحبة قرار الحرب، وصاحبة الأرض، وصاحبة الحق، وعليها أن تعيد أبناءها من الأسر أو من سجون ظلم ذوي القربى إلى ذويهم بالوسائل التي تختارها ، وليس لأي حزب آخر يدعي الحلول مكان الدولة أن يغامر بذلك. 

فلا يمكن ان تُبْنى دولة العدالة والمساواة وفرض القانون على الغبن! أي ملاحقة الأعزل المدافع والخوف من ترهيب من يحمل السلاح ويعتدي على المواطنين الآمنين باستعماله. كما أثار اليوم النائب مصباح الأحدب موضوع ملاحقات الدولة الكيدية بحق أبناء الشمال ومن نهض ليدافع عن كرامة الوطن والمدينة والبيت والدار من عبث المجرمين والمتآمرين على خراب الوطن والديار. لا يمكن أن يلاحق من يدافع عن نفسه بوجه المعتدي ويترك المعتدون على كرامة بيروت والجبل وطرابلس وعكار يسرحون ويمرحون يا للعار! بهكذا سياسة لا يمكن أن تقوم دولة العدل والمساواة والقانون وإنما نكون كمن يحضر لجولات جديدة من النزاعات والأحقاد بين أبناء المدينة الواحدة والوطن الواحد.

ولهذا لكي تنتصر الدولة العادلة الممثلة لجميع اللبنانيين على دويلات وتنظيمات الفوضى والخراب، لا بد من تطبيق القوانين على الجميع بالتساوي بهيبة رجل الدولة الشرطي أو الجندي وحقه الشرعي المستمد من شعبه وممثليه النواب وسلطته القضائية النزيهة: في الضاحية كما في طرابلس وفي زحلة كما في بعلبك وفي جونية كما في النبطية.

لقد سقطت كل الذرائع وحجج من سمت نفسها "مقاومة" بعد ان استباحت بيروت واعتدت على الجبل وعلى عكار وطرابلس وعاثت خرابا ودمارا وارهابا وخطفا وقتلا وتعذيبا وحرقا حتى الموت لشعب لبنان الطيب.

لانه وما دامت هناك أحزاب وميليشيات تتلقى السلاح والاوامر من الخارج وتنفذ مشاريعه فلا أمل بخلاص لبنان. فكيف إذا كانت تتلقى السلاح والأموال والأوامر من دول شمولية استبدادية تحارب ثقافة الحياة والديمقراطية وتستعبد شعبها باسم الدين والممانعة التي تحولت إلى مفاوضات فاقعة!

فلم يعد السلاح مقدسا ولا هو زينة الرجال بعد أن شاهدنا ما ارتكبه هؤلاء بأسلحتهم من بلطجيةٍ وفظائع وأهوال، لا ترتكبها إلا الشبيحة والمافيا والزعران وقبائل الماو ماو.

فما يتوق إليه الشعب اللبناني اليوم لكي تكتمل الفرحة الوطنية يوم الأحد بانتخاب الرئيس، هو نزع سلاح كل الميليشيات: من حزب الله إلى حركة أمل إلى القومي إلى القيادة العامة إلى فتح الانتفاضة إلى جماعة التوحيد وإلى كل من يمارس العمل العسكري على الساحة اللبنانية.

ويظل سلاح الميليشيات في لبنان هو الهم الاكبر للشعب ولقيام الدولة السيدة، والمهدد الأول للسلم الأهلي .

 فهؤلاء بسبب سلاحهم هم المسبب الأول لكل الأزمات اللبنانية وتعطيل المؤسسات وتوقيف الاقتصاد وجر البلد للحروب والفتن والخراب وشحن النفوس بالطائفية الكريهة وتنمية الأحقاد بين الناس.

ومن هنا فلا انتخاب الرئيس سيحل المشكلة، ولا فك الاعتصام سيحل المشكلة، ولا قبلة من هنا وبسمة من هناك ستحل المشكلة، الذي سيحل المشكلة فقط هو حل كل الميليشيات المتبقية على الساحة وتسليم اسلحتها للدولة. فتح كل المربعات والجزر الأمنية ووضع كل المعسكرات والمخيمات في تصرف قوى الشرعية اللبنانية لكي لا يهرب المجرم اليها ولكي لا تتكرر ماساة نهر البارد في مخيم او مكان آخر.

هكذا ولكي لا نقول عفا الله عما مضى، ولكي لا نقع في نفس الخطأ، فلا بد من قول الحق ووضع الإصبع على الجرح.

المرعب بالأمر أن حزب الله وأمل والقومي السوري أظهروا وجها شموليا حاقدا وبشعا ومقنعا ومخيفا لا يمكن محوه من أذهان اللبنانيين إلا بتسليم أسلحة هؤلاء للدولة التي هي دولتهم أيضا، والانخراط في العمل السلمي الديمقراطي الحضاري كبقية المواطنين. 

قال النائب حسين الحاج حسن لـ"LBC":  اثر اتفاق الدوحة التالي: " موضوع الاحتكام الى السلاح ليس مطروحاً أصلا في برنامج حزب الله واستعماله لغايات سياسية مرفوض تماما".

ولكنكم بررتم استعماله وبسهوله يا سعادة النائب بقول نصر الله عندما أعطى الأوامر بغزو بيروت: "السلاح لن يستخدم في الداخل، ولكن القانون والشرع والمنطق يقول انه اذا كان هناك سلاح يستخدم للدفاع عن شعب وبلد واتى من يريد نزعه، يصبح القتال كقتال العدو."

وهل نفذت الحكومة قراراتها التي أصدرتها والتي لا علاقة لها بنزع السلاح، ليصح كلام نصر الله؟

وهل إقالة الحكومة لوفيق شقير ونقله إلى ملاك الجيش تعتبر نزع سلاح؟  

كلام نصر الله مرفوض ويدل على أنه قادر وفي كل مرة أن يبرر استعمال سلاحه في الداخل ما دام السلاح بين يديه.

خاصة وأن السلاح لم يستعمله نصر الله للدفاع عن لبنان بقدر ما هو زج لبنان في حروب وكوارث ومحن تتحاشاها الدول الكبرى كسوريا وايران. والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين!

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها