أرجوكِ يا معالي الوزيرة نايلة معوض، والرجاء هو فقط من باب لفت النظر
وليس العتب، مع التقدير والاحترام الكبير لشخصك الكريم وثباتك الجبار على
مواقفك الوطنية والعربية الصلبة مع الحكومة في مواجهة الأعاصير الهوجاء
التي تحاول اقتلاع الوطن من أصالته الديمقراطية وجذوره.
لأن ما يحدث اليوم في لبنان هو ثورة حضارية ديمقراطية دستورية تنويرة لكل
العالم العربي المتشوق لثورات من نوعٍ آخر: تبني وتعمر وترفع الهمم وتسير
بنا إلى الأمام، لا تهدم وتدمر وتنحر القيم وتعيدنا إلى عصور الظلام.
وحكومة السنيورة الصامدة في مواقفها منذ سنة في مواجهة البلطجية الثورجية
والإرهاب، حمايةً للدستور والنظام والعدالة وفرض سلطة الدولة بالقانون
وليس بالمخابرات، هي اليوم تحت مجهر الشعوب العربية قاطبة ومحل انتقادها
وإعجابها في آن. ولهذا فزعماء لبنان تحت الأنظار فيما تقول وتفعل، وخاصة
فيما يتعلق بالدستور واحترام نصوصه بحرفيتها وليس ابتداع نصوصا حسب
الحاجة أو كما يرغب صاحب الدكان أو الشيخ فلان أو الحاج علان أو الرئيس
الفلتان.
لقد اندلعت ثورة الأرز في الرابع عشر من آذار بعفوية إثر اشتعال نيران
الرابع عشر من شباط الإرهابية وما زالت في عز تأججها، زادتها الاغتيالات
وهجاً، وحصار السراي الكبير واعتصام نواب الأكثرية في فندق فينيسيا اتقاء
شر الإرهاب بريقاً، وهي في صراع مرير مع مخلفات الاحتلال السوري والجهل
والظلام وقوى الثورة المضادة على الدستور والمؤسسات وقيامة لبنان.
قبل الحديث عن النصوص الدستورية لا بد من التطرق إلى البديهيات البسيطة
التي تفرض نفسها كتساؤلات على كل مواطن عادي أو مسؤول، ولا بد من الإجابة
عنها.
هل وجدت النصوص الدستورية والتي أفرزت المؤسسات كلها من رئاسة جمهورية
إلى مجلس نواب إلى الحكومة من أجل حماية الدولة والكيان والمجتمع
والإنسان أم الاستهتار بهم؟
رغم أنني وضعت الإنسان في آخر المنظومة إلا أنه أهمها، بل محورها ولولبها
وجوهر جواهرها.
فلولا الإنسان لا يوجد: لا مجتمع إنساني ولا دولة تحميه ولا كيان يستطيع
العيشُ فيه.
وعندما تُهدر حقوق الإنسان وكرامته ويداسُ عليها، فإنما يهدر ويداسُ على
المجتمع والدولة والقيم والكيان.
قيمة المجتمع من قيمة إنسانه، ونجاح مشروع الدولة يأتي بالدرجة الأولى من
حرية إنسانها وانطلاقه، ومنعة الكيان وقدرته على الممانعة تأتي من منعة
إنسانه وليس من تبجحات رئيسه وعنترياته.
وتحقيق هذه القيم لا يمكن أن يتم إلا من خلال احترام النصوص الدستورية
التي ارتضاها المجتمع وتطبيق القوانين بحذافيرها على الحاكم قبل المحكوم.
ومن هنا تصبح
الدساتير نعمة للإنسان ترفعه إلى العلى لا نقمة علية تزجه في السجون
والمعتقلات واقبية المخابرات دون سبب!
فما يحدث في العالم العربي من المحيط إلى الخليج ومن العراق إلى السودان،
هو هدر لهذا الإنسان وطاقاته الخلاقة ومؤامرة رهيبة تمارسها أنظمة الفساد
والطغاة وأصوليات الحقد المذهبي ضده، ولهذا فلا عجب أن نخسر سدى وبطرفة
عين وبكل خسة: أكثر من مئة وخمسين ألف بريء من شعب الجزائر الغالي
وطاقاته الشابة، وقبلها أكثر من مئة وخمسين ألف بريء من شعب لبنان
وطاقاته الشابة،. ومئات الآلاف من شباب العراق الهادر وطاقاته الشابة،
ومئات الآلاف من شباب السودان الحبيب وطاقاته الشابة.
هذا وبعيداً عن نظرية المؤامرة التي يتخيلها البعض في أحلام يقظتهم
لتبرير فشلهم في حل القضية الفلسطينية، حيث دمرنا بأيدينا قبل أيدي
أعدائنا لبنان شر تدمير، وما زال البعض يعمل لكي نسير إلى الشر المستطير
ويطلب منا خلال المسير على المسامير والدماء تسيل أن نشير بأيدينا إلى
المتآمرة علينا إسرائيل وكفى الله المؤمنين شر التفكير.
وما يحدث الآن في فلسطين من صراع أخوي مرير هو نتيجة عدم احترامنا لأبسط
حقوق إنساننا في هذه الحياة أي الحرية والخبز والأمان والقيم
الديمقراطية. ومن خلال آفات نظرية المؤامرة وبحجة مواجهة المؤامرات
الإمبريالية والاستعمارية الأمريكية الصهيونية وما يسمى بمشروع الشرق
الأوسط الكبير، نحوك المؤامرات ضد إنساننا وتسمح لنفسها إيران وسوريا
وأذنابهما الإلهية بحرق العراق وقتل شعبه الأبي، لا محاربة أمريكا
وإسرائيل، وخراب لبنان واغتيال زعمائه، لا محاربة أمريكا وإسرائيل، وضرب
أحلام الشعب الفلسطيني بدولة سيدة مستقلة، لا محاربة أمريكا وإسرائيل.
وماذا سيقدمون بعد كل هذا التعتير لا شيء سوى الانتحار والدماء والتفخيخ
للعقل وشراء الضمير ومسلسل الحروب الخاسرة ومآسي والتهجير. وكل ذلك
للحفاظ على أنظمتهما المتساقطة كأوراق الخريف والتي تحبوا وتتخبط كالضرير
عكس مسار التاريخ.
تطرقت إلى هذه النقاط لأؤكد أننا في العالم العربي نجلس في نفس المركب.
هذا المركب لا بد من إصلاح الثقوب التي تفتعلها به إيران وسورية لإغراقه.
مما أيقظ السعودية من سباتها حيث
دعا نائب وزير دفاعها
الامير عبد الرحمن بن عبد العزيز أمس دول
مجلس التعاون الخليجي الست الى تطوير جيوشها للتصدي "للتهديدات التي
نواجهها" في المنطقة·
ومن هذه الثقوب النازفة دماً ضرب الأكثرية الشرعية البرلمانية
الديمقراطية في لبنان وعلى أبشع الصور باغتيال قياداتها ونوابها الأحرار
فلا بد إذن من المواجه العملية باليقظة ثم اليقظة من جانب قوى الجيش
والأمن الداخلي. الله يعطيهم العافية!
إن انتصار قوى 14 آذار في صراعها الحضاري هو انتصار ليس فقط للبنان بل
لكل العالم العربي. ومن هنا ترتجف قوى الشر والرجعية والتخلف والاستبداد
من عبور لبنان إلى المستقبل الديمقراطي الرحب. ولهذا فهم يعملون بكافة
طاقاتهم لكي يبقى لبنان أسير معادلات الماضي وعالمهم الوهمي المبني على
التهم الفارغة والشتائم والكذب.
ودستورية الحكومة اللبنانية وشرعيتها محكومة بالدستور وثقة النواب وليس
بما يعتبره لحود وما يقرره نصر الله وما يقوله عون وما تثرثره "المنار"
وما تنشره "الأخبار" من أكاذيب متواصلة في الليل والنهار ومعها كل أبواق
8 آذار.
ولهذا فإن قولك يا معالي الوزيرة "اما
اذا اصرت الاقلية على التعطيل والفراغ فاننا سننتخب رئيس جمهورية قبل 24
تشرين الثاني بالنصف زائدا واحدا".
هذا كلام صحيح إلا أنه دستوريا غير دقيق. ويستغله أعداء النص الدستوري
وأصحاب البدع للهجوم على الأكثرية وتضليل الرأي العام. لأن النص الدستوري
في المادة 49 لا يقول بالنصاب ولا بالنصف زائدا واحدا، وإنما التالي: "
ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في
الدورة الأولى، ويكفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي.
بكلمات من الذهب الخالص صاغها
الرئيس الفرنسي
ساركوزي البارحة
في
الكونغرس
الأمريكي، عندما قال:
"معا، علينا ان نساعد الشعب اللبناني في تثبيت استقلاله
وسيادته، وحريته، وديموقراطيته. وما يحتاجه لبنان اليوم هو رئيس منتخب
على
قاعدة واسعة وفقاً للجدول الزمني المقرر، وفي إحترام صارم للدستور".
أريد التركيز فقط على كلماته الأخيرة "
وفي إحترام صارم للدستور".
وهذا هو المطلوب اليوم في لبنان لنكون مثلا يحتذى به في العالم العربي.
وعندما نحترم نصوص الدستور احتراما صارما يصبح الدستور حكما بيننا وخيرا
وأمنا ونعمة لنا وليس خرابا وفراغا وفوضى ونقمةً علينا!
المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها