ثلاثة علامات مشرقة للبنان والرابعة
قادمة
كانت معارك نهر البارد الشرسة رصاصةً خارقةً حارقةً ارتدت إلى صدورِ
مطلقيها فخرقتها وخنقت عباراتهم في حناجرهم فصاروا يتأتئون الكلام إنذارا
وتهديداً وتبشيراً "بأن لبنان لن يستقر في المستقبل القريب". هم أنفسهم
أصحاب هذا الكلام المشبوه المريب يعبرون به عن قلقهم على مستقبلهم، لأنهم
غير مستقرين في المستقبل القريب والبعيد، ويعيشون كوابيس المحكمة الدولية
بعد أن انطلقت وأصبح سيفها أقرب إلى عنقهم من الوريد.
فمعارك البارد التي أملوا منها الكثير في تخريب لبنان الجديد وتعطيله عن
النهوض، حرقت مشاريعهم، وحطمت أحلام عملائهم الصغار في قيام دويلاتهم
الشمولية المذهبية الظلامية لإلغائه نهائيا كرسالة ضرورية لتلاقي
الحضارات والأديان قبل أن يكون وطنا كباقي الأوطان.
هذا لا يعني أنهم استكانوا أو تراجعوا عن إجرامهم بحق لبنان وشعبه
الصابر، بل سيزدادوا تيها وغرورا، حماقة وفجورا، على طريقة صدام حسين في
مواجهة العالم إلى أن يقعوا في الحفرة التي وقع هو بها في المستقبل
القريب. وذلك بسبب زعزعتهم لاستقرار لبنان من خلال إجرامهم المستمر
ومؤامراتهم المتواصلة ومحاولاتهم الوقحة فرض رئيس للبلاد مطيع لهم خنوع
ذلول على شاكلة لحود المشلول أو التهويل بالفراغ والمجهول والتعويل على
قرع الطبول.
إلا أنهم سيفشلوا كما فشلوا في كل ما قاموا به حتى اليوم! حتى أن
اعتصامهم وخطوطهم الحمراء تحولت إلى وصمة عار تاريخية لن تمحى مرسومة على
وجوههم، الغابرة في المستقبل القريب.
وهكذا مهما هددوا ورعدوا وأعدوا العدة وتوعدوا، فهم على باطل في كل ما
اقترفوه ويقترفونه بحق اللبنانيين وباطلهم سينقلب على رؤوسهم وبالاً،
ويقولوا عندها بعد فوات الآوان: إن الله حق!
كيف لا والحقُ لا بد وأن ينتصر على الباطل! وإذا كان للباطل جولة فللحق
جولات! وهو وإن ساد فلزمن محدود سينتهي بذهاب المشبوه لحود.
كيف لا وإرادة اللبنانيين على حق وهي الأقوى، لأنها من إرادة الحياة. وقد
عمدوها بالدماء الزكية من خلال تقديمهم الشهداء الأبطال على مذبح السيادة
والحرية والديمقراطية والاستقلال، ووحدتهم هي الأصلب وقد أثبتوها من خلال
التفافهم حول حكومتهم الدستورية الصامدة في وجه الباطل، وحول جيشهم
الوطني المناضل وعلمهم المفدى المرفرف في العلاء.
وعي الشعب وخبرته وحكمة الحكومة وحزمها ويقظة قوى الأمن والجيش ستحبط كل
المؤامرات.
وكما قال قائد الجيش العماد سليمان بأن الجيش هو الصخرة التي ستتكسر على
صلابتها كل المؤامرات.
لكنهم سيستمرون في تآمرهم بضرب وحدة لبنان وتخريب اقتصاده وإظهاره منقسما
على نفسه والنيل من زعمائه اغتيلا ما دامت المحكمة الدولية تتابع سيرها
وهذه المرة بسرعة بعد زيارة الزعيمين الحريري وجنبلاط لنيويورك. أخبار
الساعات الأخيرة من الأمم المتحدة تؤكد
أنه
أجريت
اتصالات دولية وعربية مكثفة
مع الأمين
العام بان كي مون بشأن
ضرورة تسريع إطلاق المحكمة الدولية.
إن انتصار دولة لبنان الديمقراطية التعددية على الدويلات المذهبية
المنغلقة المتواجدة فيه أو استيعابها بهدوء دون ضجيج سيكون انتصارا
عالميا للحرية ولتلاقي الحضارات بدل تصارعها ودحض لنظريات هنتغتون مبتدع
فكرة
"صراع الحضارات".
فهناك ثلاثة علامات مفصلية مشرقة وبارزة في تاريخ لبنان حصلت في هذا
القرن والرابعة قادمة.
العلامة الأولى حصلت عام 2001 بالمصالحة الوطنية التاريخية المارونية
الدرزية في الجبل الأشم بين البطريرك صفير والزعيم جنبلاط. وهي في
أبعادها تعتبر مصالحة إسلامية مسيحية على صعيد كل لبنان، لأنها أخرجتنا
من مربع عام 1860. حيث في الجبل بدأت الفتنة آنذاك وتابعت سيرها المتعثر
خلال السنوات بقلوب ملآنة حقدا وضغينة وتباعدا لتشمل كل لبنان عام 1975.
يعني ذلك الخروج نهائيا من مخلفات الماضي البائس والدخول معا في المستقبل
الواعد لبناء لبنان ديمقراطي تعددي حر سيد مستقل لكل أبنائه. من هنا يجب
أن نفهم هذه الشراسة والعدوانية من حزب ولاية الفقيه الفارسي الذي يعمل
جاهداً على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء لكي يبقى لبنان ضعيفا منهكا
أسير مربع عام 1860 وتداعيات عام 1975 ولكي يبني هو بالتالي بهدوء من
خلال الإمداد البعثي السوري والدعم الإيراني دولة الفقيه المذهبية
الظلامية الفارسية على حساب دولة لبنان الديمقراطية الحضارية المنفتحة.
العلامة الثانية حصلت عام 2005 في 14 آذار ردا على الجريمة الزلزال،
خلدتها هذه الانتفاضة الشعبية العفوية المسيحية الإسلامية المليونية
الشبابية الوحدوية الرائعة برقي تصرفات ناسها وجمال موجات أعلامها والتي
صفق لها العالم إعجابا واهتز مع اللبنانيين المفجوعين على وقع أنغام كلنا
للوطن للعلى للعلم.
العلامة الثالثة حصلت عام 2007 في مؤامرة "فتح الاسلام" الإجرامية
الخبيثة التي لو لم يتم اجتثاثها في الوقت المناسب لكان لبنان اليوم في
خبر كان.
لماذا؟ لأنها كانت تهدف لتفتيت لبنان، وحرق مؤسساته، وانهيار دولته،
وتقطيع أوصاله ليتحول الى كيانات ضعيفة مبعثرة خدمة للمشروع الإيراني
السوري الذي سيسيطر بسهولة من خلال دولة ولاية الفقيه العنصرية على كامل
الأراضي اللبنانية.
ومن هنا فهدف نصر الله من وضع الخطوط الحمر كان يهدف لشل القرار اللبناني
والذي سيؤدي بالتالي لانقسام الجيش كما حصل عام 75. الذي حدث هو العكس!
لأن الحق أقوى من الباطل!
وهكذا فمن نتائج معارك البارد المهمة جدا والباهرة ليس النصر العسكري
الذي تحقق على إرهاب النظام السوري الشرير، وإنما الأهم هذه الوحدة
الوطنية المتماسكة جيشا وشعبا والتي عمدها جنود لبنان بدمائهم الطاهرة
ومن كل الطوائف وبقلب واحد خافق دفاعا عن السيادة والاستقلال والكرامة
والعزة والعنفوان. وبدل أن يتفتت لبنان وينقسم خرج من معركة البارد أقوى
من أي وقت مضى: وطنا واحدا موحدا وكما أراده الشهيد جبران تويني إلى أبد
الآبدين.
العلامة الرابعة قادمة في الأيام القليلة المقبلة، حيث ستتوج بانتخاب
رئيس جديد وبقرار لبناني للجمهورية. ولن يكون هناك فراغ إلا في بعض
العقول الصحراوية القاحلة!
الشعب اللبناني تعب من لصوص التاريخ المغامرين المقامرين المتاجرين بحياة
أطفاله ولقمة عيشه وخراب داره ومصير وطنه. إرادة الشعب في الحياة والبناء
هي التي ستنتصر على ثقافة الموت في الحروب العبثية وهدر الدماء!
وسيتم
انتخاب رئيس صنع في لبنان يعبر عن طموحات ثورة الأرز وآمال اللبنانيين في
الخلاص من هذا الوضع الانتحاري الشاذ. وستكون أولى مهماته العمل بصدق على
تطبيق قرارات الشرعية الدولية من 1559 إلى 1701 بحذافيرها لكي تقوم
الدولة السيدة الديمقراطية المستقلة المزدهرة الواعدة في المستقبل
القريب. |