العالم
بين مزدوجة أزمتي الطاقة والغذاء
080512
إنها
ازمة الغذاء العالمية اليوم
( التي يعتبرها البعض مقدمة جريمة ضد الانسانية )
المترافقة والمتزامنة مع
ظاهرة
ارتفاعات الاسعار
سواء للطاقة النفطية او المواد الغذائية ، وبالتالي يكون العالم ( 6.5 مليار
نسمة ) اليوم امام أزمة عالمية ( مزدوجة ) تماما .. مجاعة غذائية ومجاعة
طاقوية نفطية .. وجهان لعملة واحدة للعولمة الفوضوية المتوحشة مع بدايات هذا
القرن الحادي والعشرين .
والتساؤل الأساسي في مقالنا هذا:
ما هي اسباب وعوامل وتداعيات أزمة الغذاء العالمية الراهنة ؟!
وهل العالم اليوم بحاجة الى ثورة زراعية حقيقية إنتاجية مقابل او بالتناظر مع
الثورات الصناعية التي كانت في بدايات القرن الماضي.
ونحن الان هنا في تغطية اولية شاملة لازمة الغذاء العالمية ( 2008 ) وفقا
لمعلومات وتحليلات متواضعة لدينا ، ناهيك عن الحلول حيث يتفق كل خبراء العالم
بأن لا حل افرادي او سحري للازمة وانما في سلة جملة حلول متكاملة للطاقة
والغذاء والمياه والأسعار والتجارة الدولية والسياسات الزراعية والدفيئة
الارضية والخ . فالانهيارات الكبرى تبدأ من تصدعات صغيرة عادة .. وأزمة
الغذاء كافرة أساسا .. وقد تجرف كل شيء امامها وخاصة ان ( مجاعات ) عالم
اليوم متعددة الأوجه بما في ذلك ( قشة ) الغذاء والبطاطا التي قد تقصف او
تقصم ظهر البعير العالمي المتغطرس.
رباعية النفط والماء والغذاء والهواء:
قبل فترة طويلة كان الحديث عن مبدأ ( النفط مقابل الغذاء او وبالعكس ايضا )
وكثر الحديث آنذاك عن حروب النفط وربما المياه لاحقا.. واليوم ( عام 2008 )
يقف العالم مندهشا امام احتمالات مجاعات قد تضرب بلدانا كثيرة في العالم مع
تقلص كميات المواد الغذائية من ناحية وارتفاع اسعارها من ناحية اخرى ، ناهيك
عن تفتق أذهان ( العولمة الرأسمالية المتوحشة ) باستبدال الاراضي الزراعية
الغذائية المعيشية باستقطاع الجزء الكبير منها لزراعة محاصيل الوقود الحيوية
لاستخراج ( بيو – فيول ) مادتي الايثانول والميثانول من حبوب الذرة والشعير
وقصب السكر والشوندر لتغذية خزانات وقود السيارات والطائرات على حساب تجويع
شعوب باكملها .. وإذا كانت أمريكا ( العظيمة ) اليوم عام 2008 ، تقدم وجبات
غذائية كاملة مجانية لحوالي اكثر من ( 20 ) مليون نسمة من سكانها .. فكيف
الحال في البلدان النامية والفقيرة في انحاء العالم المختلفة .
ويقول بعض الخبراء بمبدأ ( سبع سنوات عجاف قحط قادمة ) من الان 2008 وهذا
يعني لغاية ( 2008 + 7 = 2015 ) !! ولكن من يضمن بعدها ( سبع رخاء ) اذا لم
يتم استباق وتدارك الامر على واقع الارض بعيدا عن حجج واهية عولمية تبريرية
وذرائعية والحق ( على المناخ او الطليان او المواصلات والخ ).
ما وراء أزمة الغذاء العالمية:
ظاهرة
ارتفاع اسعار المواد الغذائية لم تعد او ليست محلية او اقليمية وإنما عالمية
بامتياز .. وقد تراكمت الأسباب والمسببات والعوامل المؤدية الى ارتفاع الغذاء
الطعام في معظم بلدان العالم اليوم .. فما هي الاسباب المباشرة وغير المباشرة
:
اولا:
انخفاض مستويات المنتجات الزراعية لاسباب سوء احوال مناخية قاهرة في السنوات
الاخيرة مثل قلة الهطولات المطرية وانخفاض شدة التدفقات المائية النهرية
ونضوب الكثير من المياه الارضية الجوفية ، ناهيك عن ظاهرة الدفيئةالارضية
والاخلالات الحرارية ما بين فصول السنة الاربعة.
ثانيا:
ارتفاعات غير طبيعية لاسعار النفط بشكل روتيني شبه يومي وبالتالي توجه العالم
نحو أي مصدر جديد للطاقة .. حيث النووية الذرية ليست متوفرة بطبيعة الحال
لمعظم بلدان العالم وبالتالي يتم الالتفات ( والالتفاف السهل والساذج ) نحو
استخدام ( المحاصيل الزراعية ونباتات او منتجات زراعية تكمن بداخلها ( الطاقة
الحيوية ) مثل قصب السكر ، الذرة والشعير والحبوب الحنطة والقمح والبقوليات
فول الصويا والشوندر والخ ، مثل ابسط الاشكال بحرق حطب اخشاب الاشجار بديلا
للفحم او البترول .
ثالثا:
تقلص مساحات الاراضي الزراعية الخصبة للمواد الغذائية نظرا لانتشار المزروعات
( الطاقوية ) أي يتم إرضاء او تحقيق او تلبية طلبات الجوع ( الطاقوي ) على
حساب ازدياد الجوع البشري للغذاء والطعام والشراب.
رابعا:
ازدياد اعداد ( الطبقات المتوسطة ) في الصين والهند بسبب نجاحات النمو
والتنمية الاقتصادية لديهما وبالتالي تتزايد الطلبات العالمية ( يشكلان معا
نصف سكان العالم ) من الهند والصين على كافة اشكال المواد الغذائية .. من كل
انحاء العالم حتى من المناطق البعيدة .
خامسا:
ان ازمة الغذاء العالمية اليوم ( 2008 ) وفي حال احتدامها لاحقا لا تقل خطورة
عن الازمة الاقتصادية في القرن الماضي ( الركود الكبير عام 1930 ) حيث ادت
الاوضاع الى حرب عالمية ثانية طاحنة ومن ضمن اهدافها كان الاستيلاء على منابع
النفط في الشرق عموما والاوسط خصوصا.
سادسا:
الحروب الماضية الكبرى كانت بسبب النفط والمياه والغذاء وهذه من اهم مصالح
الدول والمجتمعات .. ( الماء والكلأ ) والارض الخصبة الزراعية وتربية المواشي
وها هي منطقة دارفور والازمة بين اصحاب الاراضي الفلاحين المزارعين والرعيان
ومربي الماشية المتنقلين بحثا عن الماء والكلأ .. ناهيك عن السودان الشاسعة
الاراضي المؤهلة لتكون (سلة الغذاء لكامل الوطن او العالم العربي 300 مليون
نسمة ).. وهذا يتطلب ( الاموال + اليد العاملة البشرية + الارادة والتخطيط )
وفي المقابل نجد استراليا وامريكا وهما سلة غذاء كل العالم تقريبا من الحبوب
واللحوم وخاصة القمح .. الاستراتيجي منذ العصور القديمة ومخازن او عنابر
القمح قبل السلاح .. وفي زيارة لرئيس سوفياتي روسي قبل عقود الى امريكا كان
اكثر ما اعجب به هناك ليس الصاروخ او الغواصة او السينما الامريكية ، انما
تحديدا وفرة ومردودية محصول ( الذرة – كورن ) الصفراء .. في المزارع
الامريكية الخاصة. هذه الذرة اليوم تلعب دور المنافس للنفط .. عبر الوقود
الحيوي ( بيو – فيول ) باستخراج مادة ( الايثانول ) منها وهي وقود بمردودية
عالية .. ولكن على حساب الامن الغذائي العالمي. ومن ناحية اخرى يضرب الجفاف
قارة استراليا وينخفض الانتاج الاسترالي من القمح .. وترتفع اسعارها عالميا
..
سابعا:
ابناء الارياف الشباب في معظم انحاء العالم يهجرون اريافهم واراضيهم الزراعية
الخصبة ويغرون اعمالهم الى التوظيف في المدن .. والمزارعون الامريكيون يزيدون
من انتاجهم للحبوب والقمح وبدعم وتشجيع الحكومة الامريكية بحيث يستخدمونها
كمساعدات ( اسعافية ) للكثير من الدول وبالطبع كورقة ضغط فعالة .
ثامنا:
المياه اليوم لم تعد فقط للشرب وانما تلزم مياه لري الاراضي الزراعية ومياه
صناعية لتدوير المصانع والمعامل .. وحتى محطات الطاقة الذرية تحتاج الى
الكثير من الماء للتبريد لمفاعلاتها ومن هنا شح المياه وانتشار التصحر في
العالم وانحسار الغابات الكبرى في العالم بسبب قلة الامطار الغزيرة او بسبب
تمدد المدن على الغابات او انشاء منشآت في امكنة الغابات وبالتالي يتم
الاخلال بالتوازن البيئي السليم للكرة الاضية .
تاسعا:
ما زال العالم ينظر الى المسألة البيئية كنقاش ترفيهي غير جدي .. وبان
المشاكل المرتقبة بعيدة .. ولكن مؤشرات التلوث البيئية بدأت بالظهور منذ
سنوات في المناخ وانتشار الامرا ض وضعف المناعات الجسمية البشرية وحتى
الطبيعية ، اذ ليس كل اخلال بيئي يتم استيعابه آليا في الظروف البيئية
الحرجة الراهنة ، والعلماء كثيرا ما يحذرون بلهجات قوية ولكن اصحاب القرارات
العالمية يتجاهلون او يؤجلون .
عاشرا:
سوء التخطيط الاقتصادي العالمي بالمقاربات الشمولية التي يمكن بها العمل على
ايجاد طاقات بديلة معقولة ويمكن تحلية مياه البحار والمحيطات للتزود بالماء
الذي لا تقل ضرورة من النفط . والعمل على توسيع المساحات المزروعة على اساس
الجدوى الفنية الاقتصادية .. والاهم استخدام افضل وامثل الوسائل في توزيع
المنتجات والمواد الخام ضمن اطار خطة متكاملة عالميا . والى هنا نتوقف عند
بندنا العاشر .. وننتقل الى بعض ما ورد في الاعلام العالمي من عناوين .. مع
التعليق عليها على الاقل شكلا !
أزمة الغذاء العالمية في وسائل الاعلام .. :
-
ليست الاعلام الحمراء الصينية المرافقة للشعلة الاولمبية في كل العالم هي
التي تخيف امريكا وانما ذلك النمو الاقتصادي الرقمي ( 10 ) % سنويا بدون أي
انقطاع منذ عقود .. بالإضافة الى ازدياد ( الشهية ) الصينية المتصاعدة
لاستهلاك النفط والغاز .. ناهيك عن الشهية المتزايدة نحو تنويع اطباق الطعام
والمواد الغذائية والتي قد تتخطى قريبا خط او معيار الشهية الامريكانية ذاتها
.
-
الارز او الرز .. مادة غذائية اساسية مطلوبة بشدة من قبل حوالي ( 3 ) مليار
نسمة في العالم. وكما يقال ( العز للرز والبرغل لن يشنق حاله بل سيلحق بزميله
بالعز ).
-
الملكة ( ماري انطوانيت ) على ما اعتقد هي قائلة عبارة ( خلوهم ياكلوا بسكويت
بدلا من رغيف الخبز .. شو هالقصة العويصة يعني ؟! ).
-
لدى تساؤل احدهم: ما هي اسباب استمرار تفاقم جنون الاسعار ؟ اجاب هو بنفسه ،
يعني اذا الحكومات لا تعرف ، فكيف الحال .. لا أحد يعرف بالضبط او بالتقريب ،
ولكن كل يدلي بدلوه ، كما انا كاتب هذا المقال او بالاحرى خاطرة نثرية .
-
لفت انتباهي شريط اخبار فضائية تلفزيونية عربية : ارتفاع اسعار البطاطا في
الاسواق بنسبة كذا ، ثم خبر تالي : وكذلك ارتفاع اسعار الأسلحة !! مثلا ،
باتريوت والخ .
-
ونتساءل : مع ازمة الغذاء العالمية ، هل سيتبع ذلك ازمة غذاء فكري عالمية
ايضا ، أم انها قد سبقتها .. وهل تصح مقولة ( وليس بالخبز وحده يحيا الإنسان
) و ما هي العلاقة بين ربطة الخبز السياحي وربطة الفكر ( السياحي الامريكاني
) .. تجويع الشعوب والافراد والنخب خاصة لتسهيل عملية الهيمنة والسيطرة
التامة على مقدرات شعوب ومناطق بالجملة ..
-
لماذا ارتفع سعر برميل النفط الى قياسي ( 120 ) دولار للبرميل .. ولم تستقر
بل تراجعت خلال يومين الى 115 ، والسؤال: من هو فعلا يتحكم برفع او تخفيض هذه
الارقام السحرية .. ربما الأتمتة الكمبيوترية كما الشائعات في الأزمنة
القديمة .. وشائعة الكمبيوتر اكثر انتشارا ومصداقية شكلا وبهرجة ومكياجا ..
ومازال ( كل الحق عالطليان والكمبيوتر والأمريكان والنفط وحاليا المناخ
وذوبان جليد الشمال .. بينما القصة في معظم البلدان النامية في تهريب السلع
المدعومة من مجتمعاتها .. وما دخل المناخ او الأمريكان او كما قال خبير عربي
مؤخرا: كل الحق على ( العولمة ) ، ونتساءل : من هي هذه العولمة وكأنها شخص او
فرد او ربما مؤامرة .. وهل الشتاء البارد القارس مثلا مؤامرة ايضا ( أم ان
دود الخل منه وفيه ) .
-
مع ازمة الغذاء العالمية نعتقد جازمين بظهور ( ادب وثقافة ) مقاومة كرد فعل
مباشر وبأشكال مختلفة ضد .. أسباب ومسببات انهيار سد مأرب تاريخيا والجواب :
سوء صيانة لا اكثر ولا اقل وفق معايير الصيانة الروتينية لجسم أي سد كان سواء
قديما او حديثا او حتى مستقبلا .. وفقا لقوانين وسنن الطبيعة والكون والحياة
البشرية على هذه الارض .. والتاريخ شاهد على ( امبراطوريات سادت ثم بادت )
ويمكن البحث تماما في اسباب النشوء والانهيار .. كما الاسباب المباشرة وغير
المباشرة لنشوب الحروب الكبرى العالمية وغيرها..
-
ما يلف النظر ايضا في هذا الصدد دعوة رئاسة ( الأمم المتحدة ) الى ( تحرك
فوري ) ضد ازمة ارتفاع اسعار المواد الغذائية. وهنا نتساءل: متى وكيف وهل
هناك امكانية قرار عالمي موحد او توافقي في الصراعات الدولية الحادة على (
المصالح ) بدءا من امريكا وهي تضرب بعرض الحائط مثلا تخفيض طرح نواتج ثاني
اوكسيد الكربون وفقا لاتفاقيات ( كيوتو ) ، وهل المزارع الامريكي ( الحر ) في
السوق الحرة وعندما يجد ان ( 1 ) طن من محصوله للذرة الصفراء (الذرة الملك/كورن كينغ) سعره ( 100 ) دولار مثلا ويرتفع سعره الى ( 200 ) في حال تحويله
الى ( ذرة طاقة حيوية كوقود للسيارات / بالايثانول ) وضرب عصفورين ( بيئة +
تجارة رابحة ) بحجر واحد .
- حتى انتخابات الرئاسة الأمريكية تقع اليوم تحت تأثيرات أزمة الغذاء
العالمية بحيث بدأ مرشحو الرئاسة بإقامة اجتماعاتهم ولقاءاتهم الجماهيرية في
فناء محطات بنزين وقود السيارات بالهواء الطلق وفي صالات مبيعات المواد
الغذائية .. وحتى ان المحللين يستخدمون مصطلحات ( غذائية ) مثل قولهم ( بطاطا
ساخنة / هات بوتيتو ) بمعنى قضية راهنة ساخنة او موضوع حام ( و دق الحديدة
وهي حامية ) والخ .
|