اقرأ المزيد...
السوريون يستحقون الحرية وسينالونها
عمران سلمان 13 يناير 2004
من وجهة النظر
العامة معظم الأنظمة العربية بحاجة إلى تغيير أو على الأقل إلى إصلاح، لكن من
وجهة النظر العملية فإن ثمة أنظمة بحاجة ماسة إلى هذا التغيير، وربما كان يجب
أن يتم تغييرها بالأمس وليس اليوم أو غدا. أحد هذه الأنظمة قضى نحبه، وهو
نظام صدام، في حين لا يزال نظام البعث في سوريا ينتظر.
النظام السوري هو الأكثر حاجة للتغيير من بين
الأنظمة العربية. وللأمر وجاهته. فهذا النظام يعيش على نظرية "القومية" التي
انتهت صلاحيتها منذ فترة طويلة، وهو اتبع أسلوب النظام الستاليني السابق من
حيث البنية العسكرية والمخابراتية وعسكرة المجتمع. وقد انهار الاتحاد
السوفييتي بأكمله، بعد أقل من أربعة عقود على وفاة ستالين، فهل من المنطقي أو
المعقول أن يظل نظام البعث في سوريا يعيش كل هذه المدة؟
والنظام السوري هو من أكثر الأنظمة التي قننت
الاستبداد في المنطقة العربية، وجمدت التطور في عروق المجتمع السوري، وأغلقت
أبواب الحراك السياسي في وجهه.
فحزب البعث هو الحاكم والمسيطر على جميع أوجه
الحياة في سوريا، وهو الوحيد الذي يحق له ممارسة السياسة والاقتصاد والثقافة
والعسكرة.. الخ. وهو وحده حصرا من يملك الحق في تقرير ما ينفع المواطنين وما
يضرهم، حتى المؤسسات الثقافية والجامعات لا بد أن تتنفس هواءه وإلا اختنقت.
طبعا هذه الأمور معروفة وهي محفوظة عن ظهر قلب
بالنسبة لكل سوري وسورية، وإن كانت معرفتها لا تعني أنها طبيعية أو مقبولة.
لكن متاعب النظام البعثي بدأت منذ أن استيقظت
الولايات المتحدة على الخراب المقيم في المنطقة العربية، ثم زادت مع مجيء
الرئيس جورج بوش وأخذه على عاتقه إنهاء الاستبداد والإرهاب في المنطقة،
بالوسائل السياسية والدبلوماسية إن أمكن، ثم بالطرق العسكرية إذا لزم الأمر.
والحال أننا أمام معادلة سهلة طرفاها معروفان
ولا يحتاج الأمر سوى مطابقة كل طرف مع الآخر وإيصال الأمر إلى نهايته
المنطقية.
فمن جهة لدينا نظام مستبد وديكتاتوري، يمر في
مرحلة احتضار وتكاد أوراقه أن تتساقط، وهناك في الجهة الأخرى دولة محبة
للحرية تعلن التزامها القضاء على الاستبداد والدكتاتورية وتحقيق الحرية
والديمقراطية.
فما الذي يمنع من أن تتدخل هذه الدولة وتعجل في
الإطاحة بهذا النظام وتحقق الديمقراطية والحرية في سوريا؟
هل يكره السوريون أن تتحرر بلادهم ويعاد لهم
اعتبارهم وإنسانيتهم المسلوبة على مذبح البعث؟
هل يكرهون أن يعودوا من جديد أمة خيرة وفاعلة
في محيطها الإقليمي وتشارك بنشاط في المجتمع الدولي.
سوريا عرفت طوال التاريخ كدولة إشعاع للعلم
والمعرفة والفلسفة والحكمة، وهي حقا كانت حلقة الوصل بين أوروبا والشرق لزمن
طويل.
والشعب السوري كان دوما شعبا حيويا ويمتلك
ديناميكية متجددة في عطائه وإسهاماته ونشاطاته المختلفة.
لكن سوريا اليوم وبفضل نظام البعث هي دولة
عاطلة، جميع طاقاتها مسخرة لدعم واحتضان حركات الإرهاب والتطرف الديني،
وإسهاماتها موجهة لإنتاج وتصدير الخطب الرنانة والشعارات البليدة، ومد جماعات
القومية الفاشية والإرهاب الإسلامي بالذخيرة الكلامية.
وحتى فترة بسيطة كانت مطالبة نظام البعث
بالإصلاح والتغيير تعتبر معقولة ومقبولة، على الأقل بهدف إزالة بعض الأثقال
عن كاهل الشعب السوري، لكن هذه الدعوات لم تعد اليوم ذات معنى أو جدوى.
فالنظام الذي أعلن قبل عدة سنوات القيام بإصلاح نفسه وفتح النوافذ قليلا كي
يهب بعض الهواء النقي على السوريين، سرعان ما ارتد قوسه كاملا وعاد من جديد
إلى أساليبه القمعية.
والحال أن الزمن لم يعد يحتمل الألاعيب
والمماطلة والتمترس خلف الوعود الفضفاضة، وهي الحرفة التي أتقنها النظام
السوري لعقود. وعلى السوريين أن يقرروا بأنفسهم وضع حد لذلك. كما على المجتمع
الدولي أن يهب لمساعدتهم، وأن يتذكر أن نظام البعث في دمشق لا يختلف من حيث
الجوهر عن نظام البعث في بغداد.
وإذا كان الجميع يشعر اليوم بالارتياح والسرور
لزوال نظام صدام في العراق وتنفس العراقيين نسيم الحرية، فعليه أن يتذكر أيضا
أن هناك شعبا آخر لا يزال يرزح تحت نفس النظام.. هذا الشعب يستحق أيضا مساعدة
دول العالم المتحضر في سعيه نحو الحرية والانعتاق، بعد أن سدت في وجهه
إمكانيات المعارضة والتغيير من الداخل.
وعلى السوريين أن لا يهتموا بما يقوله أو قد
يقوله أيتام البعث الفاشي والإرهاب الإسلامي من العرب، فهؤلاء يدركون أنهم
بدأوا يخسرون المعركة جولة إثر أخرى، وسيعلو عويلهم وضجيجهم مع الوقت، لكن
عجلة التغيير في المنطقة العربية قد انطلقت، بعد أن قيضت لها الظروف جميع
القوى الحية والمحبة للحرية والعدالة في الولايات المتحدة بصورة خاصة، ثم في
العالم المتحضر. |