اقرأ المزيد...
متى تصحو الولايات المتحدة من أكاذيب
السعوديين!
عمران سلمان 5 يناير 2004
سترتكب
الولايات المتحدة خطأ جسيما إن هي صدقت وعود السعودية بالتعاون في مكافحة
الإرهاب أو تراخت في ممارسة الضغط والمراقبة عن كثب لنشاط الحكومة السعودية
وأتباعها.
ما لا ينبغي أن يغيب عن بال المسؤولين الأميركيين أن آل سعود، مثلهم مثل باقي
البدو، يعتبرون الكذب والغش، شطارة ومهارة، وأن البدوي لا بد أن يحتفظ بهذين
الشيئين معه جنبا إلى جنب مع سلاحه.
وزاد طين الكذب بلة، أن الإسلام نفسه يبيح لمعتنقيه أن يكذبوا في الحالات
التي يجدون أنفسهم فيها في مأزق، وخاصة إذا كان الذي أمامهم شخص غير مسلم.
وكذب آل سعود وغيرهم من القبائل البدوية الحاكمة في منطقة الخليج، أمر يعرفه
سكان المنطقة جيدا، لأنهم جربوه وخبروه عبر تعاملهم الطويل والمرير معها.
ولذلك لا يوجد سبب يجعل هذه القبائل تصدق مع الولايات المتحدة، في أمر مهم
مثل مكافحة الإرهاب، إلا بوسيلتين. الأولى إذا اخضعوا للمزيد من الضغط
والتشديد، والثانية إذا وجدوا أن كذبهم سوف يكلفهم غاليا. وحتى في هذه الحالة
فإنهم يظلون يبحثون عن وسيلة أو ثغرة لممارسة الكذب حيثما استطاعوا إلى ذلك
سبيلا.
فالبدوي يكذب بقدر ما يتنفس.
ومن هنا فإن على الأميركيين أن يتمتعوا بقدر عال من الحذر والحدس، في تعاملهم
مع آل سعود وغيرهم من العائلات البدوية في الخليج، فهم لن يضمنوا متى سوف
يغدر بهم هؤلاء، وقد لا يتمكنون أبدا من التأكد من حقيقة المعلومات التي
يعطونها مقابل تلك التي يخفونها.
إن آل سعود قد أقاموا حكمهم منذ البداية على التحالف الاستراتيجي مع
الوهابيين، وزاد الزمن من قوة ومتانة هذا التحالف الذي أصبح مع الوقت عضويا.
فمن دون الوهابيين لن يتمكن آل سعود من البقاء في الحكم، ومن دون آل سعود لن
يتمكن الوهابيون من فرض آرائهم ومذهبهم على السعوديين.
ولم تكن مصادفة أن القوى الضاربة التي اعتمد عليها عبد العزيز آل سعود في
العشرينات من القرن الماضي في احتلاله للمنطقة الشرقية والمنطقة الغربية من
شبه الجزيرة العربية وضمها بالقوة لمنطقة نفوذه في نجد، إنما كانت القبائل
التي تدين بالمذهب الوهابي.
وهؤلاء اندفعوا بقوة العصبية البدوية والدينية، الممزوجة بالطمع في الغنائم
والأسلاب لممارسة وحشيتهم وهمجيتهم ضد
سكان تلك المناطق.
ولم يكن ممكنا تأمين نجاح آل سعود في فرض سيطرته على هذه المناطق، لولا
مساعدة هذه القبائل، ولم تكن هذه القبائل لتقبل القتال من دون الأسلاب
والغنائم، وما كان هذا كله أن يحدث بدون غطاء ديني وفره بامتياز المذهب
الوهابي.
ولم يتغير التحالف القديم بين آل سعود والوهابيين، رغم مضي أكثر من سبعين
عاما حتى الآن، على تأسيس الدولة السعودية الثانية (الحالية)، وأكثر من مائة
عام (على تأسيس الدولة السعودية الأولى).
فقد ظل توزيع الثروة والسلطة يسير بصورة أساسية على إيقاع هذا التحالف.
كما
ظل توزيع الأدوار بينهما قائما، أحدهم يسيطر على البناء السياسي والاقتصادي
والإداري والثاني يتكفل بالبناء الثقافي والاجتماعي والديني. ولذلك لن تستطيع
الحكومة السعودية أن تتخلص من حليفها الوهابي، كما تطالبها الولايات المتحدة
والعالم المتحضر بذلك.
إنها قد تتمكن من التخلص من بعض أعراض مرضه المتفاقم، أي ذلك الذي يأخذ مظهرا
مسلحا، ومؤذيا لها، أما الأيديولوجيا
الوهابية فستظل تتمتع بالحظوة والمكانة لدى آل سعود.
ولكي يبرر السعوديون للأميركيين بأنهم يفعلون شيئا رغم ذلك، فسوف يختلقون
قصصا وأكاذيب جديدة من قبيل إدخال إصلاحات في التعليم (لماذا الإصلاح وليس
التغيير الشامل؟) وإعادة تأهيل الدعاة والخطباء (من الذي سيؤهلهم؟ ولماذا
يؤهلوا أصلا ولا يسرحوا من الخدمة؟)، فرض السيطرة على أموال الجمعيات
الوهابية "الخيرية" (لماذا فرض القيود وليس إغلاقها؟) واتخاذ إجراءات تتعلق
بمراقبة حسابات البنوك وإرسال الأموال وما إلى ذلك.. الخ.
وللأسف يميل بعض المسؤولين الأميركيين في الوقت الراهن إلى تصديق مثل هذه
القصص أو التعظيم من شأنها وأهميتها، غير مدركين، بأن ما يقدم لهم إنما هو
الشجرة فقط، التي تتوارى خلفها الغابة. بمعنى أن ما تقدمه الحكومة السعودية
للأميركيين هو فقط شجرة، بينما على هؤلاء أن يدققوا النظر كي يكتشفوا الغابة
الوهابية الضخمة الكامنة ورائها.
هذه الغابة سيتعين على الولايات المتحدة التعامل معها بصورة جذرية وحاسمة،
ومن دون التعويل كثيرا على جهود الحكومة السعودية. ونأمل أن لا يكون الوقت
حينها متأخرا.
لقد نجح أسامة بن لادن والجماعات الإرهابية (من وهابيين، وإخوان مسلمين
وحماسيين وجهاديين) من أن يجعلوا من خطابهم الذي كان حتى قبل بضع سنوات خطابا
فئويا، الخطاب السائد والذي يحظى بالشعبية اليوم في المنطقة العربية
والإسلامية. وأصبحت العمليات الانتحارية التي ابتدعتها وتفننت فيها حركة
حماس، هي الأسلوب المتبع في الهجمات الإرهابية سواء في إسرائيل أو العراق أو
تركيا أو روسيا أو إندونيسيا، وحيثما وجد مسلمون.
ولم يكن ممكنا لهذا الخطاب (الذي يجد كل ترحيب ووقت وجهد وإمكانيات ومبررات
نظرية ودينية)، لم يكن ممكنا له أن ينتشر بهذه السهولة والسرعة من دون مساعدة
أساسية وجوهرية من جانب الحكومات العربية وعلى رأسها أنظمة الخليج التي تحتكر
معظم وسائل الجهل والتجهيل. وإذا ظل الأميركيون يستمعون لأكاذيب العائلة
السعودية وغيرها من العوائل البدوية الحاكمة في الخليج ويصدقونها فليس بعيدا
أن يجدوا أنفسهم مع الوقت يواجهون طوفانا من الانتحاريين (والعرب أمة منتحرة
بامتياز ليس لديها ما تخسره)، هؤلاء الانتحاريين يجري اليوم تحضيرهم بواسطة
الإعلام والتعليم و المساجد ومنتديات الانترنيت.. على مرأى ومسمع من الجميع.
|