مقالات
سابقة للكاتب
باحث وكاتب سوري
نبيل
فياض
الطلاق الأخير البائن: تحرير سورية!
20120115
منذ سنوات طويلة ونحن نتحدّث عن زواج المتعة الغريب بين البعثيين
والسلفيين. وكان الأغرب في تلك المساكنة الغريبة، النمط الأخير الذي
خرج من " القن " البعثي-السلفي، الذي يمكن تسميته بالسلفي ذي الثوب
البعثي. كان مشهد تلهف البعثيين على " التسلفن "، بمن فيهم بعض رموز
القيادتين القطرية والقومية، يجرح العين بوقاحته.
كان فلان، وهو اسم يطن في السمع كقيادي قومي شهير، يضع تحت إبطه في
الاجتماعات سجادة الصلاة، مثل جدتي في آخر أيامها، كي لا تفوته فريضة.
ولطالما تحدثنا متهكمين في مقالات لنا كثيرة عن البعثي الذي يلبس تحت
بزة الرفاقية السروال الوهابي خشية الفتنة. كانت المقالات تلك تثير
حفيظة البعثيين وسخط السلفيين وسخرية الحياديين؛ وكانت الأطراف كلها
تنظر إلى الموضوع برمته على أنه تخيّلات علمانية معادية للبعث والسلفية
في آن.
كان اعتقادنا أقرب إلى الرسوخ بأن الانتشار غير المسبوق للسلفية في
سوريا سيقود حتماً إلى هذا الوضع الكارثي الذي نعيشه اليوم. وكما أشرنا
غير مرّة، فقد حذّرنا خطيّاً في آب 2010 من انفجار هائل سيجتاح سوريا،
وسيكون مركزه حمص. لكن أحداً لم يصغ. كانوا يعتقدون أن الصمغ الأمني
يمكن أن يجمع أوصال البلد. لكن هذا الصمغ ذاب بأسرع مما كان يتصوّر
أكثر المتشائمين مع أول انكسار لحاجز للخوف.
لقد ثبت بما لا يقبل الشك أن ما ربوا الناس عليه من شعارات نفاقية لم
يكن غير فقاعات صابون في طقس بالغ الحر. لذلك كان السقوط مدويّاً:
في درعا، التي طالما فاخرت أنها ابنة البعث الوفية، شهدنا هرولة لا
عقلانية من أجل الهروب من شباك البعث. – في بلدات أخرى اشتهرت بولائها
البعثي المطلق، كالرستن، كادت الحشود أن تهلك تحت أقدام التدافع من أجل
الحصول على بطاقة شرف الانسحاب من البعث.
هل ثمة تفسير منطقي لهذا الوضع السوري الأغرب؟ طبعاً! ما عرفته سوريا
من ولاءات في العقود الخمسة الأخيرة لم يكن غير مظاهر ولاء، ونحن
نتحدّث هنا عن تلك المناطق المتخمة بالطائفية، سببها الخوف والنفعية
الشهيرة إياها:
الآن انتهى الخوف، خاصة بعد ظهور الهوس الجهادي وعودة الحوريات للتربع
على قمة الرغائب، وانتهت النفعية الحزبية البعثية لصالح نفعية من نوع
آخر، أكثر مواءمة للوضع الطائفي القديم-المتجدد.
لقد فشل الجميع: الشعب والدولة والمعارضة. – وثبت بما لا يقبل الشك أن
النفوس الأباة والشعب المجيد ليسوا غير تجمع كائنات يمكن أن تفعل كل شي
في سبيل الغريزة. العصابات المجرمة التي تنامت كالفطر في يوم ربيعي
شديد المطر فاجأتهم كلهم – ربما باستثناء قلة نادرة، منهم كاتب هذه
السطور. المعارضة التي اعتقدت [أو وضعوا في رأسها شيوخ النفط السلفيين]
أن النظام يمكن أن يكون مبارك 2، وجدت نفسها الآن في أكبر ورطة عرفتها
في حياتها: شارع تعب من التظاهر والعصابات؛ مجرمون جعلوا من أنفسهم
عرابين لجبهة تدعي مواجهة النظام؛ ونظام متماسك يستطيع عبر علاقاته
ومصالحه الداخلية-الخارجية أن يثبت لتلك المعارضة كل يوم أنها متوهمة.
قامت قيامة أبواق النظام ذات يوم علينا حين كتبنا، " نهاية حثالة اسمها
العرب "!
ليسوا حثالة؟
لا أدري.
ماذا يمكن أن نسمي ممارسات الشعب المجيد في حمص والحولة والرستن وتل
كلخ ويبرود وغيرها؟
كيف يمكن أن نفسّر هذه الطائفية المستعرة وكأننا في جوراسيك بارك
سورية؟
كيف يمكن أن نفسّر هذا التجاوز لحقوق الإنسان من الجميع؟ كيف يمكن أن
نفسّر هذا التباهي بالاجرام وكأننا في قلب جنوب إفريقيا؟
المعرفة. على مدى عقود خمسة وسوريا لا تعرف شيئاً عن المعرفة. كان
البعث يخشى المعرفة والسلفية تكرهها. ولما بدأت درعا تكتب بدايات
الطلاق بين البعث والسلفية، هجمت المعرفة على السوريين عبر كتابات
شابة، تتعثر حيناً وتتلكأ أحياناً – لكنها هجمت. امتلأت الساحات
بالقتلة والطائفيين، لكن ظهرت قلة لا يخيفها البعث ولا السلفية ترفع
رايات المعرفة كطريقة وحيدة للحم عرى وطن هو الأغنى بالمعرفة.
طلاق بائن: بداية التحرر. وكما يحرر الطلاق المرأة المنهكة من زواج
قمعي، كذلك حرر الطلاق البعثي السلفي سوريا من قيود الجهل.
أنتم ملح الأرض، فإذا فسد الملح فبماذا يملح. |