مقالات
سابقة للكاتب
باحث وكاتب سوري
نبيل
فياض
الأستاذ
رياض الترك: من المسئول عن اهتراء المعارضة السوريّة؟
2006-01-14
اتصل بي أحد
الأصدقاء من المعارضين المشاغبين، قال إن الأمين العام في أحد الأحزاب التي
فقّست في مدجنة الدولة سيأتي لزيارتي. وبما أن بيتي مثل " الجبّانة "، فقد
استقبلته. دخل الرجل الضخم الخمسيني، برفقة شابين قي العشرينات تشعر وأنت
تراهما أن المجاعة قاب قوسين أو أدنى من سوريّا. كان اللقاء قاتلاً، فالرجل
لا يمتلك من إرث ثقافي غير أنه كان من مرافقي شخص هام، نسيت اسمه من كثرة
الهامين في بلدنا، وأنه " ياما " عرّف أشخاصاً على معلّمه دون أن يأخذ فرنكاً
– في حمص ما يزال الناس يتعاملون بالفرنك؟ - واحداً!! سألته: ما الذي تطمح
إليه من عملك " السياسي "؟ قال: الشهرة!!! سألته: ما الذي تقوم به من خطوات
عمليّة في مشروعك السياسي؟ قال: فتح قنوات مع كلّ الأفرع الأمنيّة!!! عدت
لأسأله: ما هو هدفك في النهاية؟ أجاب – وأقسم بأني لا أختلق حرفاً واحداً –
قائلاً: دمغ الفرّوج!! سألته: لم أفهم؟؟ قال: أنت تعرف أن الفرّوج يباع
مقطّعاً اليوم، أي " جنح وفخذ وصدر "، والمستهلك لا يعرف إذا كانت هذه القطع
لفرّوج حي أم ميت لأنها لا تحمل أي ختم!!! لذلك فإن من باكورة أهدافنا ختم
قطع الفرّوج!! كانت المحصّلة أن غادرت المنزل، بعد أن تركت قيادة الحزب فيه،
بحجّة إحضار شيء للضيوف، معتمداً على أن صبر أحد الأصدقاء، الذي ساقه سوء
حظّه إلى المكان وقتها، غير قابل للنفاذ. المصيبة أن هذا الزعيم الوطني
المعارض، يتحفنا يوميّاً بصوته – الحمد لكل الآلهة – من على إحدى الشاشات
المعارضة، التي تبشّرنا مع كل سحور بأن الزعيم قادم، وأن أهل سوريّا يتناولون
كلهم الفاليوم كي يساعدهم في محنة انتظارهم لهذا الزعيم العظيم! فقط أقول
للدولة: إذا أردتم تصنيع معارضة قابلة للتصدير، لماذا لا تختارون مواد
أوّليّة غير فاسدة؟؟
الأستاذ رياض الترك: في بدايات عملنا في الشأن العام، كان رمزنا رجلاً اسمه
رياض الترك. خاصّة وأن سكننا كان في حمص، مساكن المعلمين القريبة من الخالدية
حيث يقيم آل الفيصل، أهل الدكتورة المناضلة أسماء الفيصل, زوجتكم الرائعة.
وكما ذكرت مرّة، فقد كنت أتردّد على بيت أخي السيّدة أسماء، حيث عرفت ابنه
لفترة قصيرة، وكنت أضع المناشير في قبّعة " كنزة " الصوف التي صنعتها لهذا
الهدف حصراً. بل أذكر أن أحد أقاربي، ولا أعتقد إلا أنكم تعرفونه، المرحوم
الدكتور نظيم الموصلي، كان يقول لي كلما رأيته: هات ما في جعبتك من منشورات
رياض!! الزمن والتجربة أبعدانا عن الشيوعيين؛ لكن يبقى على الدوام احترامنا
الذي لا حدّ له للأستاذ المعلّم رياض الترك، الذي دفع من عمره أجمل السنوات
في سبيل سوريّا، وشعب سوريّا، ومستقبل الحريّة في سوريّا! نعلم بالمطلق أن "
وثيقة إعلان دمشق " لم تكن لتعرف الشهرة الشعبيّة الكاسحة لولا دوركم فيها؛
وربما تعرفون أن هجومنا على هذه الوثيقة، التي نرى أنها وثيقة طائفيّة
بامتياز، كان عنيفاً إلى درجة غير عاديّة. لأن الحديث الطائفي هذه الأيام،
باستثناء جماعات أقفلت على عقلها أبواب الزمان والمكان، يبدو غير عادي في
همجيته. أذكر تماماً الأسرتين العلويتين، من آل تقلا، اللتين كانتا تسكنان
فوق بيتنا في مساكن المعلمين، وكيف اضطرتا للهروب إلى حي الزهراء العلوي في
حمص، خوفاً على أمنهما في حي سنّي بالمطلق: فهل هذا ما تطمحون إليه من إعلان
دمشق؟ أي كلام عن الدين، الذي نعرف أنت وأنا كيف يتمّ " تركيبه "، لا يمكن أن
يخرج عن إطار العقل ما قبل البدائي، حتى وإن آمن به ملايين البشر، فالحقيقة
ليست بعدد من يؤمن بها: واسأل غاليله! كلّ هذا يهون بالمقارنة مع حلفكم مع
البيانوني: رياض الترك، باسمه الناصع وعقله العلماني وأفقه الذي لا حدود له،
يتحالف مع الطائفي الذي يتوقف علمه عند رضاع الكبير وبول البعير وطهارة جنح
الذبابة! أريد أن أسأل الأستاذ رياض الترك: في بداية حكم الرئيس حافظ الأسد
عرف الشارع السوري نوعاً من الأريحيّة في الحراك السياسي، وكان الأخوان
المسلمون أكثر من استفاد من ذلك؛ بل أذكر أن نشاط الأخوان في المساجد
الحمصيّة وقتها كان يفوق كل نشاط آخر، بما في ذلك النشاط الشيوعي! لماذا
اختار الأخوان القتل التكفيري وسيلة للوصول إلى السلطة مع العلم أنهم لو
كانوا استمرّوا في عملهم السلمي لوصلوا إلى السلطة منذ زمن طويل، بطريقة
ديمقراطيّة حضاريّة؟ الأخوان المسلمون، خاصة بعد مجزرة المدفعيّة الوحشيّة –
ذاكرتنا غير مثقوبة – أعطوا النظام المبرّرات المنطقية كي يقمع الجميع، بمن
فيهم أعداء الأخوان، وجعله يتمترس خلف الدروع الطائفيّة، وهو ما نزال نعاني
منه إلى اليوم. الأخوان المسلمون هم المسئولون أولاً وليس أخيراً عن جو القمع
الذي تعيشه سوريّا: ولا حاجة بنا هنا لذكر الطائفيّة. أمّا قمّة المهزلة في
هذه المسرحيّة القذرة، التي يضحك فيها الجميع على الشعب – وأولهم المعارضة،
فكانت الحلف المعلن بين البيانوني وخدّام! فهل يعقل أن يتحالف الأخوان، وهم
جزء من وثيقتكم، مع هذا الكائن الوقح، الذي سجننا رئيس مجلس شعبه غير الموقّر
العام الماضي لأننا أشرنا إلى بعض مفاسده، وتتوقعون أن يظل الشعب يحترم
المعارضة؟ الأستاذ رياض: أنا أعمل في قرية نصف بدويّة على تخوم الصحراء، كل
أهلها من الطائفة السنيّة – مع ذلك فإن أحداً هنا لم يتردّد للحظة في شتم
خدّام [ ومجلس المنافقين ] لأن نفايات خدّام، كما سمعت، مدفونة على بعد 15 كم
شرق القرية.
كيف يمكن لخدّام أن يتوب، كما يبشّرنا البيانوني؟ أنا أفهم أن عاهرة لم تؤذ
أحداً بممارساتها، تخطر ببالها التوبة في لحظة ضمير، فتعلنها على الملأ؟ لكن
كيف يمكن إصلاح جرائم خدّام بحق الشعب السوري؟ ماذا سنقول للذين أصيبوا
بالسرطان من أثر النفايات النوويّة؟ ماذا سنقول للذين أطعمهم أولاد خدّام لحم
بقر مجنون، وقد كتبت عن قصّة عايشتها شخصيّاً حول صفقة لحم بقر مجنون كانت
مهرّبة من لبنان إلى دمشق؟ ماذا سنقول لجماعة ربيع دمشق الذين ما يزالون في
السجن؟ أنتم تعرفون مقدار ثروة هذا الشخص، وتعرفون أيضاً كيف يعيش الشعب
السوري، فهل يقبل رياض الترك، صاحب التاريخ الأبيض، بعد أن تجاوز السبعين،
بوضع يده في يد لص محترف: هل تريد أن أقدّم لك وثيقة دامغة حول سرقة ابنه
لأحد السعوديين 5 ملايين دولار في شهر أيلول 2004؟ أرجوك بكل حب أن تنظف يديك
من هذه الوساخات! كفى تقزيماً للمعارضة السوريّة! كفى تصويراً للمعارضة
السورية بأنها مجموعة من الحاقدين الطائفيين المتعطشين للدم والسلطة!
البيانوني والخدّام بينهما قاسم مشترك أدنى اسمه الإجرام: فما الذي يجمعك
بهما؟ فكّر بما تفعله: العمر سريع، والتاريخ لا يرحم. الكلام ذاته يمكن قوله
أيضاً للطيب الجميل، ميشيل كيلو.
|