مقالات
سابقة للكاتب
باحث وكاتب سوري
نبيل
فياض
العمامة أم البسطار:
الإسلاميّون السوريّون وخرافة الاعتدال!
نبيل فياض، 23 فبراير 2005
..
وسألني محدّثي الغربي المهتم "للغاية" بالشأن السوري: "هل تعتقد أنّ فلان
وفلان وفلان من التيّار الإسلامي السوري يمكن تصنيفهم في خانة الاعتدال أم
لا؟" وشعرت طبعاً بالخوف من سؤال محدّثي! "هل أن الغرب بدأ يفكّر جدّياً
بأشياء كنّا نعتبرها قبل زمن من رابع المستحيلات؟" - كنت أسأل نفسي طيلة أكثر
من عشرة أيّام. الغرب، بكلّ أسف، لم ينظر إلى الشرق الناطق بالعربيّة إلاّ من
منظوره الذاتي، الذي غالباً ما يكون خاطئاً، أو وفق تقارير عملائه، الذين
أثبتوا على الدوام أنّهم الأبعد عن الموضوعيّة، وفق التعريف الغربي للمصطلح!
وكنّا عايشنا
ـ
وما نزال نعايش
ـ
الأزمة الأمريكيّة في العراق، الناجمة إلى حدّ كبير عن حقائق عملائها،
الأوهام بلا منازع، قبيل دخولها العراق! بل إنّ سؤالاً أكثر إزعاجاً ما برح
يطارد مخيّلتي: "هل يطرح هؤلاء أنفسهم، بلعبة مزدوجة لا يعرف أحد إلى أين
يمكن أن توصلنا، كبدلاء معتدلين في حال حصول أي تغيير؟" يبدو أنّ قدر المواطن
السوري أن يعيش بين زنزانة البسطار الأرضيّة وجهنّم العمامة الماورائيّة: مع
ذلك، يظلّ البسطار أرحم من العمامة
ـ
أقلّه لأن أرضويّة البسطار تتيح لك بعض المجال في مناقشته، في حين أن
ماورائيّة العمامة، تحجب عنك أية مساحة لنقاشها، فأطروحاتها من الله: وأنّى
للبشري أن يناقش الإلهي؟
حتى الآن، ثمّة من يناقش من السذّج أنّ بعض التيّار الإسلامي "السنّي" السوري
يمكن أن يكون معتدلاً: بل وصلت السذاجة
ـ
ربما الخنوع المتوارث
ـ
ببعض رجال الدين من المسيحيين إلى المشاركة في ندوات "حوار" [كذا] مع أحد
رموز الذين يتمّ تسويقهم اليوم
ـ
هل بمباركة أمريكيّة، خاصّة وأن والد المذكور كان أحد الرؤساء الفخريين
لكنيسة المونيين الأمريكيّة المشبوهة؟
ـ
كمعتدلين إسلاميين سوريين لا يشقّ لهم غبار!!!
بن لادن أم القرضاوي:
ما زلت أذكر تماماً، وكنت وقتها في قطر، حين ذهب يوسف القرضاوي إلى أفغانستان
لإقناع القتلة الطالبانيين بوقف تدمير تماثيل بوذا!
ـ
تخيّلوا ماذا كان سيفعل المسلمون لو أنّ أحدهم طالب بتدمير الكعبة بوصفها
وثناً مزعجاً يقتل كثيراً من عابديه سنويّاً؟
ـ
وعاد القرضاوي المعتدل بخفّي حنين! لماذا؟ لأن القتلة الطالبانيين أكثر
إسلاميّة، بما لا يقارن، من القرضاوي المعتدل! فقد استطاعت العصابة المجرمة
الملتزمة بدينها، إفحام القرضاوي "المسوّق" جيّداً كمثقّف إسلامي لا سابق له
ولا لاحق، بأدلّة فقهيّة من خزانة القرضاوي الصفراء ذاتها، بأن تدمير تلك
التحف ذات الطابع الديني البوذي، يتماشى بالكامل مع أدلة الشرع
ـ
والعكس صحيح! ووفق منظورنا الخاص، فإن أي مسلم لا يستطيع الالتزام بفقهه
ودقائق تاريخه وتفاسيره وشرائعه المملّة دون أن يكون مجرماً! شخصيّاً: أفضّل
بن لادن على القرضاوي ونسخه الباهتة! بن لادن مجرم لا يخجل من إجرامه؛
القرضاوي، بالمقابل، يضيف إلى الإجرام الكامن، الذي فقط ينتظر الظرف المناسب
للتعبير عن ذاته، نفاق الاعتدال!
النسخ السوريّة الأغبى:
ولأني أعرف كثيرين منهم، وكانت لي معهم التجارب الأسوأ، فإن الحديث عن اعتدال
هؤلاء يشكّل نوعاً من الاستغباء الذاتي، الذي لا يمكن لأحد أن يحسدنا عليه!
هؤلاء قتلة مخصيّون: وإذا ما حصل وعادت إليهم، لظرف ما لا نرجو حدوثه،
ذكورتهم الضائعة، فسوف يقتلون بأشنع مما فعل الطالبانيّون في كابول قبل
التحرير الأمريكي: يدفعهم حقد مضاعف
ـ
حقد غريزة القتل المكتسبة بالتقليد، وحقد كبت سنوات الإخصاء الطويلة! هل
تريدون أسماء؟ لا! لم يستطع الاعتقال
خصيَ
إرادتنا وجرأتنا، ونحن ما نزال مستعدّين لذكر الأشياء بأسمائها! البوطي؟ نعم!
هذا الرجل الذي عمّمه أحد ألوية الأمن الداخلي في "خطيئة" استراتيجيّة ستدفع
سوريّا كلها ثمنها يوماً، هو أسوأ ذئب طالباني والذي استطاع إقناع الدولة
بأنه حمل الاعتدال الوديع! الحقيقة هي أن الدولة تعرف أنّه يكذب عليها، وهو
يعرف أن الدولة تعرف أنه يكذب عليها، والدولة تعرف أنه يعرف أن الدولة تعرف
أنه يكذب عليها! ما همّ! كلنا نعرف أن الباطنيّة هي الموضة الأكثر تداولاً
هذه الأيّام! هذا البوطي، كما ذكر لي شخصيّاً، وصل تحكّمه بالدولة إلى درجة
أن رئيس جهاز الرقابة في الإعلام السوري المدعو محمّد حذيفة [الأدهى أن هذا
الكائن الغلط درزي]، كان يتصّل ببوطينا وقتها لأخذ موافقته على كتابي "حوارات".
الجميل أن البوطي وافق على نشر الكتاب ليس لأنه ديمقراطي-حضاري، بل لاعتقاده
أن ليس باستطاعة أحد الردّ عليه
ـ
ينظر إلى نفسه كعشرة أثمان إله
ـ
خاصة حين يكون من عمر أولاده! وجاء كتابي " الجمل" ليكشف عن إجرام هذا
الكائن وإرهابه الكامن! فقد راح يقفز، كما أشرنا أكثر من مرّة، كالكنغارو
المصاب بالحرقص، من هذا الضابط إلى ذاك؛ من هذا الفرع الاستخباراتي إلى ذاك:
وكانت النتيجة منع الكتاب واختفائي في شقّة صديق عراقي-إيراني اسمه ظافر
الساعاتي أكثر من ثلاثة أشهر! أمّا آل كفتارو، أشهر مسوّقي الله-البيزنس، فقد
كان لي معهم، وهم المعتدلون الذين يتراقص إليهم نيافة المطارنة من أجل الحوار
[كذا]، أكثر من قصّة: كثيرون يعرفون موقف المفتي الراحل الذي طاردني طويلاً
من أجل حوار معه، وكانت النتيجة إنهاء الحوار مباشرة حين سألته ما إذا كان
يوافق على زواج ابنته من مسلم غير سنّي؟ وكثيرون أيضاً يعرفون ما قاله ابنه
محمود في الأمن الداخلي [أيضاً] من إني ماروني أرسلني الكسليك لخلق فتنة بين
المسلمين: يالطيف!!! وكانت النتيجة "نطوطة" جبانة من قبلي– كنت أخافهم وقتها:
والله!!! – بين جادة الخطيب وساحة الميسات: اسمك واسما أبيك وأمك ومن من
أقاربك اعتقل أو هرب من سوريّا.. إلخ!!! وأنا أجزم أن هؤلاء، لو كان
باستطاعتهم قتلي، لما تردّدوا ثانية! والكاتب حين يمنع عن الكتابة في ما
يفترض أنه وطنه، فتلك فعلة لا تختلف كثيراً عن القتل: إنها أسوأ منه! إنها
نوع من حضور المرء لجنازته الخاصّة!
العلويّون... أزمتنا!
كما أشرنا أكثر من مرّة، فالعلويّون، كمسئولين، هم الوجه الآخر للكارثة
الأصوليّة الإرهابيّة السنيّة! وبعض ضباط المخابرات من العلويين، على سبيل
المثال لا الحصر، كانوا يمسكون مع الأصوليين بيد الوطن الأخرى لإيصاله إلى
الحائط المسدود! يعض ضباط المخابرات من العلويين، وهم الذين طعن في دينهم على
الدوام، كانوا يسابقون الأصوليين في الرالي الأسرع نحو هاوية الإرهاب فقط
ليدفعوا عن أنفسهم تهم الكفر؛ من ناحية أخرى، فقد كان العلمانيون المستضعفون
الهدف الأسهل لإثبات تأسلم هؤلاء الضباط عبر تكسير أقلام العلمانيين وكتم
أنفاسهم – مع ذلك، ما تزال شهادة حسن السلوك الأصوليّة عصيّة عليهم! وكي
يكتمل النقل بالزعرور، تمت إناطة الشأن الرقابي الفكري بمجموعة من العلويين
المتأسلمين، برئاسة أحمد درغام، متلهفة أكثر للحصول على شهادة حسن السلوك
تلك! وكانت النتيجة كارثيّة على كلّ ما هو حضاري في سوريّا: هل تصدّقون أن
البوطي استطاع منع تصوير مسلسل عن يزيد بن معاوية "ما غيره" تحت عنوان الفتنة
الأشهر؟
المنطقة كلّها اليوم فوق برميل من الديناميت! والولايات المتحدة تريد فرض
ديمقراطيتها السياسيّة على كل المنطقة، شاء من شاء وأبى من أبى: كما كان يقول
الختيار! الديمقراطيّة السياسيّة في سوريّا، باعتراف الجميع، لا تعني غير
ارتداء البرلمان السوري للجبّة والعمّة، واقتصار المعارف على نجاسة دم
البعوضة، ووقوف سقف العلم عند مسألة الشيطان خنزب، الذي يدخل بين المؤمن
وصلاته فيسهو عنها؛ الديمقراطيّة السياسيّة في سوريّا لا تعني غير أنه إذا
وضعنا أوكسجين مع هيدروجين ينتج لدينا ماء "بإذن الله تعالى"، وانتشار جماعة
الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف في الشوارع، تحت راية "حكم الغالبيّة"، لفرض
حجاب الله أو أهورا مازدا أو رع [اختر، أنت وذوقك] على كل من هو سافر عاهر
فاجر، وانقسام المجتمع ثقافيّاً بين من يسبل يديه في الصلاة ومن يشبكهما فوق
بطنه..
وما إلى ذلك من الأمور فائقة الأهميّة!!!
الديمقراطيّة المعرفيّة أهم بما لا يقارن من الديمقراطيّة السياسيّة، التي لا
تعني غير حكم الرعاع وكبرائهم من النوع المشائخي! القرود في غابات الكونغو –
زائير موبوتو سيسيسيكو سابقاً – تعرف أن النظام السوري قوي اليوم، ويستطيع
فرض هذه الديمقراطيّة "بالبسطار" تمهيداً لأي انتقال قد تفرضه الظروف إلى
الديمقراطيّة السياسيّة: وإذا ظلّ التردّد سيّد الموقف، كما حصل مع منع مسلسل
يزيد – بالمناسبة، حين أوردت بعض أخبار تهكميّة حول هذا الخليفة أمير
"المؤمنين" [نحمد الله على تصنيفنا بين الكفرة]، ومن ذلك خبر حول قرده
المسمّى أبو قيس، احتج أحد الرقباء من قيادتنا القطريّة المغرقة في حكمتها،
لأن أبا قيس هو لقب لرئيس مجلس شعبنا الموقّر السابق – كما أمر الحاكم بأمره
بوطينا، فسوف نصل حتماً إلى مرحلة يحكمنا فيها أحد السيستانيين من مسوقّي
المتعة وثارات كربلاء! الديمقراطيّة المعرفيّة، وقاطنو العصفوريّة يعرفون
بالمطلق أن المشايخ يقفون على أرض مغرقة في رمليّتها، تعني تكريس انتماء
المواطن لوطنه لا لعشيرته أو طائفته، كما هي الحال في عراق ما بعد صدّام،
القومي الاشتراكي؛ تعني تكنيس التراث المشائخي الذي يسود الآن فقط لأن البديل
مفقود: هل يعقل أن يظل مواطننا، مهما كانت قدراته الذهنيّة متواضعة، يؤمن في
ظل فكر نقدي بأبينا آدم والسيّدة حرمه، وعمّنا نوح وسفينته التي تنافس
الأساطيل السادس والسابع والثامن والتاسع، ويونان باشا الذي ابتلعته بلطيّة
متوحشة قذرة، وصوفيا لورين اليمن، مدام بلقيس، صاحبة الساقين إياهما، ومسيو
سليمان، صاحب الموبايل العجيب، الذي كانت يتلقى المسجات من عصيّات كوخ وأنواع
البرغش المختلفة وفيروسات الإيدز العصيّة على التشخيص.. حتى آخر تلك الخرافات
الحاخاميّة، التي لو أخبرت بها سكّان دير الصليب لطاردوك بالأحذية حتى
الناقورة لاعتقادهم أنّك تستخف بعقولهم؟!
سوريّا الآن على مفرق طرق: وحين ستهوي سوريّا في جهنم الخرافة على الطريقة
السيستانيّة المريعة، فسوف لن يلام غير البسطار العلوي، الذي حمى العفن
العمائمي الذي سيلف، كالمشنقة،
عنق الوطن بالطائفيّة والدجل التلمودي. |