مقالات
سابقة للكاتب
باحث وكاتب سوري
نبيل
فياض
عن عدّون والأصوليين وآخر أيام العمر:
من يحمينا في بلادنا؟
نبيل
فياض، 1 أغسطس 2004
ظواهر كثيرة
استدعت انتباهي في المدّة الأخيرة،
كان أهمّها الأمور التالية:
دخول الأخوان
المسلمين بقوّة، خاصّة بعدما أشير إلى أنّ النظام السوري في طريقه إلى صفقة
تاريخيّة معهم، إلى دائرة الحوار التي نخوضها إن عبر الناقد أو الجزيرة أو
السياسة؛ وقد أرسل لي باحث أخواني، هو الأستاذ علي الأحمد، الذي سبق وردّ على
بعض أطروحاتي في الناقد عبر صحيفة السياسة الكويتيّة، رسالة تضمّنت ما قاله
في السياسة، مع إضافات طائفيّة تعامل فيها معي وفق قاعدة "من سنّي إلى سنّي"
المرفوضة عندي بالكامل، وكفّر فيها العلويين حصراً منذ أيام ابن تيميّة حتى
ظهر المهدي؛ وكانت المحصّلة أن رددت عليه عبر السياسة ذاتها بمقالة كشفت عن
نفاقيّة الخطاب الأخواني، وركزّت تماماً على مسألة التقيّة السياسيّة
الأخوانيّة، داعياً الدولة إلى قطع الحوار مع هؤلاء الطائفيين! وقديماً قيل:
من جرّب المجرّب، كان عقله مخرّباً.
نشر الجريدة
اليوميّة السوريّة، كلّنا شركاء، بعض مقالات عن موقع الناقد – دون إذن منّي
ولا رغبة - أحدثت ضجّة هائلة بين التيار الأخواني الأصولي السوري، الأمر الذي
أوصله إلى تهديد الأستاذ أيمن عبد النور، صاحب الجريدة، إلى الاعتذار من
الإرهاب الإسلامي عمّا تمّ نشره، فأبدى الندم، وباس القدم، على غلطته، بحق
الغنم، كما تقول كوكب الشرق؛ فرضي عنه الطالبانيّون الجدد في سوريّا، وما
أكثرهم، وعادوا للتربع في قلب مذبحه اليعقوبي! وكان التعليق الأجمل الذي
سمعته حول تلك الفضيحة الثقافيّة الإرهابيّة: حرام! أيمن عبد النور مسيحي؛
يريد سلّته بلا عنب!
نشر أيمن عبد
النور، وبشكل متواصل، مقالات لشخص نكرة، لم يسمع به أحد – قيل لي إنه ربما
يكون الأستاذ عبد النور ذاته – تناول فيها كاتبها بعض ما كتبت بطريقة أقرب
إلى الاستنماء المعرفي؛ وزعم فيها هذا النكرة أنه مسيحي علماني، ودعا إلى
التوقف عن قراءة ما أكتب بحق الإسلام، خاصّة وأن صديقاً له مسلم يحبّ
فيروز(!!!) [كلّ أصدقائي المسلمين يحبّون روبي]، ونشر هذا الهراء، ببهرجة
بابوية، في الجريدة الذميّة إياها؛ وهنا لا أستطيع سوى القول:
إنّ أغبى غبيّ
في كوكب المريّخ يعرف أن المسيحيين في سوريّا مواطنون من الدرجة العاشرة: هل
يمكننا الإشارة إلى أن المسيحي محرّم عليه التبشير بدينه للمسلم، في حين أن
العكس مرحّب به؟ هل يعرف هذا النكرة أن المسيحي، إذا أراد الزواج من مسلمة،
عليه إشهار إسلامه في بلده، حتى وإن كان من مواطني الفاتيكان؟ هل نحن بحاجة
إلى الإشارة إلى الاستبعاد الهائل للمسيحيين من كلّ ما هو رسمي في سوريّا،
مقارنة بالعلويين مثلاً، رغم القدرات الثقافيّة والعلميّة والمعرفيّة
المسيحيّة التي تفوق كثيراً نسبتهم الديموغرافيّة؟ وقديماً قال عمر بن
الخطّاب لكعب الأحبار: أتعلّمنا ديننا يا ابن اليهوديّة؟
مقابل
بطريركيّة الروم الأرثوذكس توجد بقايا مئذنة قام الإثنا عشريّون الدمشقيون
بوصل شريط كهربائي إليها، وجهاز تسجيل موجّه إلى غرفة البطريرك، يبثّ آيات
ذكر الحكيم ليل نهار، لا لشيء، إلاّ لإشعار الآخر المخالف أننا فوق رأسه وإن
كان في عقر داره؛ وأفتخر إلى أنني أوّل من أشار إلى هذا الإرهاب المعرفي في
كتابي: مقالة في القمع!
وبسبب رغبتي
العارمة في محاربة "الطورقة" بأصنافها في مجتمع يثور اليوم، بكلّ طوائفه،
للوصول إلى برّ أمان حر، فقد أرسلت مقالة "لا نريد لأحد أن يطورق" إلى
الأستاذ أيمن عبد النور، آملاً أن يخيّب أملي بنشرها، مثلما نشر الاستنماء
المعرفي لتلك النكرة، ويشعرني بالتالي غصباً عني بأن هنالك، خارج الموارنة،
من يجرؤ من مسيحيي الشرق على المطالبة بحق المواطنيّة الكامل؛ لكن أملي لم
يخب: وكلّه مطورق!
أكثر ما لفت
نظري في الأيام الأخيرة، ذلك الإسهال الكتابي للتيار الإرهابي السوري، الذي
لم يستطع يوماً الردّ على ما في كتبي الموثّقة بدقّة يعرفونها جيّداً،
واختياره، عوض الردّ على "أم المؤمنين" أو "الجمل" بوثائقيّة علميّة، اللجوء
إلى استعداء الأمن علي، وهم الذين يكفّرونه صباح مساء، عبر الإشارة إلى حوادث
واجهتني في حياتي الثقافيّة، ولعب فيها هؤلاء الإرهابيّون الدور الأهم:
وأبرزها معركتي مع أحمد ضرغام وصديقه [أسأل الدولة هنا: متى نخلص من القيادة
القطريّة، قشّة لفّة؟]، التي يعتبرونها مختلقة للإساءة إلى دولتنا الحكيمة؛
وهذا ما يؤكّد صحّة ما أذكره باستمرار، حول التحالف القمعي بين البعثيين
والأصوليين!
من هنا، كان
علي أن أتوقع من هذا التيّار كلّ شيء؛ وهو الذي لم يرفّ له جفن – مع اعتذارنا
من محامي الإرهاب إياه، حيث وصلت سمعة القضاء السوري "العطرة" إلى عالم
الملائكة - في مباركته شقّ أم قرفة نصفين لأنها جرأت على انتقاد بطريقة
بدويّة بسيطة لشيء لم تستطع الإيمان به! وفي اعتقادنا أنّ تخريب بريدي
الإلكتروني، قبل أشهر، كان الإشارة الأولى إلى أنهم على استعداد لفعل أي شيء
في سبيل إقفال أي فم لا يروق لهم كلامه! ثم جاء بعدها استنماء الذي يقول إنه
مسيحي علماني، فاحتجاج المحامي "النظيف"، صاحب الخطوط الحمراء إياه، وأخيراً
لا آخراً المقالات الأصوليّة التي تدعو الأمن – وهو لا يقصّر بهم أو دونهم –
لأخذ حذره من هذا التخريب للوطن!
قبل أيام نشرت
في صحيفة السياسة الكويتيّة مقالة بعنوان: البعثيّون والأصوليّون: مشلول
يقوده أعمى؛ وفيها تعرّضت بالنقد الشديد لهذا التحالف الأصولي البعثي الذي لن
يكون إلا على حساب المزيد من القمع والاستبداد من طرفين لا يفقهان معنى
الحريّة! واليوم تفاجأت تماماً بمقالة في الناقد، بالمعنى ذاته، لكنها مكتوبة
بلغة طائفيّة هي الأبعد عن ذاتي، نفسيّاً وفكريّاً، خاصّة هذا التجريح
بالعلويين ككلّ؛ ولا أعتقد أن إرسال هذه المقالة إلى الناقد إلاّ جزء من
الحملة إياها لإيذائي بكلّ السبل الممكنة، والإيقاع بيني وبين العلويين،
الذين هم على الدوام خندقي الأخير في مواجهة القمع والإرهاب والاستبداد
الفكري؛ وهنا يمكنني التذكير بما يلي:
رغم مواقفي
المغرقة في النقديّة والسلبيّة من بعض المسئولين العلويين، خاصة بعض الضباط
من الذين اغتنوا من نقود الشعب، فإن تعاطفي مع عموم العلويين، من المقموعين
أكثر من أية طائفة أخرى، لا حصر له؛
ليست مهمتي
إرشاد الدولة إلى من يجب أن يكون رئيس هذا الفرع الأمني أو ذاك، خاصّة وأن
بعض الضباط العلويين من الأمن – كنت أتمنى أن يتاح لي ذكر أسماءهم – هم أكثر
ديمقراطيّة وثقافة وتحرّراً من كل رجالات المعارضة السوريّة: رغم عددهم
القليل!
لست بحاجة
لذكر أسماء عبد الحليم خدّام أو علي زيّود أو عزّ الدين ناصر، لأنه لا يوجد
سوري لا يعرف هذه الحقائق المستورة التي أشير إليها باستمرار؛ وذكر أسمائهم
بهذه الصراحة غير المسبوقة ليس أقل من دعوة واضحة لفتح معركة لا أعتقد أني
سأكسبها، خاصّة الآن؛
أخيراً، وأنا
أحاول تلمّس باب للسفر خارج سوريّا، إلى أميركا أوّلاً وبعدها إلى مكان آخر
أكثر أماناً من الوطن، خاصّة وأن ما بقي من العمر أقل كثيراً مما مضى، لا
أستطيع سوى القول، إنّ وجود قديس علوي اسمه عدّون، قتل الإرهاب الأصولي أباه
ذات ليل في إحدى حارات إدلب، كاف وحده لإعادتي إلى هذا الوطن الذي يرفض
الموت! عدوّن، بصباحه السكّري، يمسح إساءات كلّ ديكتاتوري العالم؛ أفلا يعقل
أن يغسل الذاكرة من مشاهد الاستلاب في بانياس، خاصّة من أولئك الذين يحملون
اسم علي؟
لا أستطيع سوى تقديم اعتذاري لكلّ العلويين "الشرفاء"، الذين يمكن أن يكونوا
قرأوا المقالة؛ من عدّون الذي أفتقده أكثر في لحظات التعب؛ من لمى، ابنة عمتي
العلويّة الأقرب إلى نفسي! تكسّر الاعتذار يشعرنا أننا نعود إلى دفء الآخر
وحبّه، وقت يحاصرنا القيظ بالملل وأحاسيس التجافي.
|