|
 مقالات
سابقة للكاتب
باحث وكاتب سوري
نبيل
فياض
لماذا تصادر أحلامنا؟
نبيل فياض، 7
إبريل 2004
قد لا يعرف
الناس عموماً أن لا علاقة لي سياسيّة أو طائفيّة بأي منظمّة أو حزب سياسي أو
طائفة أو جماعة دينيّة، لا في الداخل ولا في الخارج، لا ضمن الدولة ولا في
صفوف المعارضة! وموقفي النقدي من البعثيين أو الناصريين أو الإسلاميين على
اختلاف مشاربهم لا يخرج عن إطار الشعور بأن هذه التيّارات غير الليبراليّة
أعادت سوريّا سنوات إلى الوراء لأنها أقصت كافة أشكال المعارضة التي لا يمكن
خارجها دفع الوطن في صيرورة التحضّر الهامّة عبر دياليكتيك نقدي بناء!
ابتعادي عن
العمل السياسي وإصراري على العيش في قرية شبه بدويّة تفتقد أدنى متطلّبات
الحضارة ـ مع ذلك، فأنا أعيش فيها علاقات إنسانيّة بلغت من روعتها أنني أندم
بالفعل على هذا الانغماس الذاتي في مسائل إشكاليّة كنت بغنى عنها، لأن هذا
الشعب المتخلّف الأبعد عن الحضارة، مثقفون وغير مثقفين، لا يمكن إعادته إلى
الزمان الذي خرج منه مرّة وإلى الأبد، فهو محمّي منه بصدفة الإسلام والعقليّة
القوميّة المتأسلمة ـ سببه إمكانيّة ابتعادي فيها عن التماس المباشر مع مراكز
القوى التي لا تساعدني أوضاعي الصحيّة غير الجيّدة على تحمّلها.
ذات يوم، قبل
خمسة عشر عاماً، كان ثمّة حديث ثقافي جمعني بباحث زائيري، اسمه كافيتا كاميس؛
سألته: هل لديك أدنى أمل بتحضّر هذه الشعوب الناطقة بالعربيّة التي تتخذ من
الإسلام ديانة لها وعقيدة، مقارنة بشعوب القارّة السوداء؟ قال الإفريقي
المعتّق، الذي أمضى سنوات ست في سوريّا: من الصعب جدّاً تخيّل مشاركة
المسلمين الناطقين بالعربيّة في أية مسيرة حضاريّة على المستوى العالمي؛
فهؤلاء محميين بعقيدتهم اليابسة ضد كافة أشكال الحداثة والتطوير! هؤلاء
يعتقدون أنهم يمتلكون العقيدة الأهم في العالم: ليس هذا فقط، بل هم ينظرون
إلى عقائد الآخرين وتصوراتهم للحياة والكون باعتبارها الخطأ النهائي! من هنا
فإمكانيّة تأثر هؤلاء بغيرهم، أو قبولهم لأي تصوّرات لا تتناسب مع منظومتهم
المعرفيّة التي تمّ نقل مركز جاذبيتها خارج هذا العالم نحو عالم الماوراء،
تبدو شبه مستحيلة! الأفارقة عموماً، باستثناء الذين تأسلموا منهم، ليسوا
نهايات مقفلة في مواجهة العصر! إنهم يعتقدون إجمالاً أن ثقافتهم بدائيّة،
وحضارتهم بدائيّة، لذلك فهم بحاجة للآخر كي يدخلوا الزمان من الباب الواسع!
من هنا لا نستغرب أن تتسلّل إليهم القيم الإنسانيّة المعولمة من حقوق الإنسان
إلى الديمقراطيّة حتى التعدّديّة!
كان هذا، كما
أشرت، قبل خمسة عشر عاماً! فهل صدقت نبوءة هذا الإفريقي المعتّق وتحليلاته؟
بنظرة سريعة إلى الخارطة الإفريقيّة نكتشف دون صعوبات أن الديكتاتوريّات
الشهيرة بين السود تسقط واحدة بعد الأخرى، ليحلّ مكانها أحد أشكال
الديمقراطيّة الفعليّة، بين شعوب كانت قبل أقل من قرن تشوي البريطاني الأشقر
دون ميكرويف! بالمقابل، فلو راجعنا واقع المسلمين الناطقين بالعربيّة لوجدنا
الحالة تجاوزت الفاجعة بمسافة طويلة. عراق الوحدة والحريّة والاشتراكيّة صار
مندبة شيعيّة أصوليّة يحكمها مراهق متعة وعميل كردي ومتطرّف فارسي؛ في الكويت
المفتونة بالتأمرك القشوري ما تزال النساء تعامل كنوعيّة غبيّة من ماعز
الجبال؛ السعوديّة تحاول الخروج ـ عبثاً ـ من الإرث الوهابي القذر الذي فرّخ
قتلة من وزيرستان إلى برجي التجارة والبنتاغون: وأزمة قيادة المرأة للسيّارة
الأهم عندهم من كل مشاكل العالم ما تزال مستفحلة؛ مصر الناصريّة والاتحاد
الاشتراكي العربي؛ مصر حفلات أم كلثوم الجميلة قبل نحو ربع قرن حيث لا نساء
محجّبات ولا رجال كالتيوس بلحاهم ولا فنانات تائبات يبحثن عن مجد في الآخرة
بعد أن يئسن ـ كلهن في سن اليأس ـ من استعادة مجد الدنيا؛ مصر التنوير والفن
والجمال أضحت، بعد الرئيس المؤمن الراحل، موطن القبح والنقاب والرجال التيوس
والفن الساقط ـ التائب؛ لبنان، سويسرا الشرق، صار دكّاناً فارسيّاً أصوليّاً
بإدارة حزب الله العربي الإشتراكي، مع احتكار اقتصادي للبناني المتسعدن، رفيق
الحريري؛ وسوريّا التقدّم والاشتراكيّة أضحت قلعة الأصوليّة الجديدة مع
انهيار البنى الثقافيّة التي اشتهرت بها سوريّا بعد الاستقلال، ليحلّ محلّها
ركامات حاخاميّة يتمّ تسويقها على كافة المستويات، بما في ذلك الإعلام
الرسمي؛ أمّا المغرب العربي، باستثناء تونس، فلا أعتقد أننا بحاجة لأن نشير
إلى ما يحدث فيه لأنه أشهر من أن يعرف.
سوريّا:
لماذا؟
نحن على
الأرجح لا نعيش في اليمن؛ ولا تعنينا اليمن أو السعوديّة في شيء، ففيروس
العروبة القاتل لم يتسلّل إلى أوردتنا حتى الآن! نحن نعيش بين أم الشرائع،
بيروت، وأقدم عواصم الحضارة في العالم، دمشق! فما هي الحال في هذين الوطنين
اللذين يفترض أن يكونا حاملي شعلة حضارة الشرق؟ المثقفون السوريّون إمّا
ماتوا كمداً أو هاجروا إلى وطن يضمن لهم الحدّ الأدنى من الكرامة: هل نذكّركم
بالصديق الراحل سعد الله ونوّس الذي عرفت شيئاً من معاناته وقهره في أعوامه
الأخيرة؛ بهاني الراهب؛ بنزار قبّاني؛ بأدونيس؛ بعزيز العظمة؛ بصادق العظم؛
ببرهان غليون، بمطاع الصفدي؟ لقد انتهت الثقافة من وطن الحرف؛ واحترف الوطن
الأصوليّة! إذا كان ثمة من لا يصدّق حتى الآن، فليلق نظرة سريعة سواء على ما
يسمّى بأحياء دمشق الراقية [ليست راقية ولا من يحزنون؛ فخلف سيارات المرسيدس
الفارهة، يجلس أحقد نوع بدوي على الحضارة] أو الشعبيّة، حيث يبدو من شبه
المستحيل رؤية امرأة لم تحجبها الشيخة منيرة أو ينقبها البوطي: بإشراف رسمي؛
من النادر التقاء رجل لم يستلبه شيخ من مومياءات العصور الوسطى ما أبقت فيه
الدولة من عقل؛ من الطبيعي أن تكون الأحاديث التي تدور في كلّ الأرصفة
والمحلات والطرق حول عذاب القبر، نجاسة دم البرغشة، إمكانيّة الاستنجاء
بالكلينكس، ودور شيطان الصلاة خنزب: إن كنت حنفيّاً! ومن احتل الساحة
"الثقافيّة" الآن، بعد رحيل وهروب آخر مفكّري سوريّا؟ تلاميذ الأستاذ أبي
هريرة وحاخامه كعب الأحبار! كلّ هذا بإشراف رسمي منقطع النظير! هل تعرفون
بلداً اسمه تونس؟ هذا الوطن الجميل، الذي قاده العلمانيّون نحو برّ الأمان في
مغرب عربي يغرق، يفتقد تماماً التعدّديّة السوريّة اللبنانيّة التي في
اعتقادنا الورقة الأهم التي أغفلها الجميع من أجل الوصول إلى وطن علماني
ديمقراطي حر! تونس، رغم الغالبية المطلقة السنيّة المالكيّة، استطاعت بحكمة
نظامها أن تتجاوز الأزمة الأصوليّة في حين كانت الجزائر تدفع ثمناً غالياً!
من المسؤول عن
هذا الانهيار السوري؟ من المسؤول عن تلميع شيوخ الاستجمار وإقحامهم على غرف
نوم السوريين ليل نهار عبر الإعلام الرسمي؟ من المسؤول عن هذا الكم من
السلطات ـ والحصانة ـ المعطاة لشيوخ التطرف وشيخات الإجرام؟ من المسؤول عن
تهميش الطوائف الصغيرة التي تنتهي الآن إمّا كغيتوهات معزولة لمن لا يستطيع
الهجرة، أو الهجرة لمن استطاع إلى ذلك سبيلا: وأخص بالذكر المسيحيين والدروز
والمرشديين والإسماعيليين؟ كيف يمكن أن نفهم السكوت الرسمي عن هذا الكمّ من
الشتائم التي تكال من على منبر الإرهاب المسمّى كليّة الشريعة لكلّ من هو غير
سنّي أصولي، في حين تقوم القيامة على عرض مسلسل كوميدي تجرّأ على الإشارة إلى
الإلهة الصغيرة الآنسة منيرة القبيسي جلّ جلالها!؟ كيف نفسّر تحوّل وزارة
التعليم العالي ـ راجعوا موقعها على الانترنت ـ إلى تكيّة عثمانيّة؟ كيف
نفسّر أن تتحوّل وزارة العدل السوريّة إلى محكمة تفتيش تسحب غير السنّي من
أنفه إلى سجن عدرة إذا تجرّأ على شهر رمضان، الذي ورثه المسلمون عن صوم
الحاخاميم الشهير؟ أمنيتنا أن يترجم اليهود تراثهم وطقوسهم إلى العربيّة حتى
ينكشف مستور أبي هريرة وحاخامه مرّة وإلى الأبد!
لماذا نكتب؟
لسنا الآن
بحاجة لموافقة أحد كي نكتب! العالم صار أوسع من أن يعتقله بعثي أو أصولي. ـ
مع ذلك، وتجربتنا في الكتابة في لبنان وسوريّا لا تبشّر إلا بالشر، فاعتقادنا
أن تضييع عشرين عاماً في الكتابة في هذين البلدين، بهدف إخراج الناس من
مواخير الطائفيّة والأصوليّة، ليس أقل عبثيّة من نهايات قصص كافكا! الكتابة
في زمن البوطي وآنسته القبيسيّة نوع من المتاجرة بالهواء! إن من يرى كمّ
الأغنام البيض على أبواب المساجد في دمشق يوم الجمعة؛ من يرى قطعان الماعز
تتراكض نحو شيخاتها في المهاجرين والمالكي والميدان، يدرك أن هذا الشعب لا
يستأهل أن تبكي على أطلاله! إن من يرى المتعلميّن يتمسّحون بثياب البوطي
الداخليّة يستوعب تماماً أن مجرّد الاعتقاد بخلق عقليّة نقديّة عند هذه
الكائنات المستلبة لا يمكن تصنيفه أبداً ضمن نطاق العقل! الكتابة في زمن
البوطي وآنسته القبيسيّة، اللذين يتسابقان على دفع الكم الأكبر من رجال
سوريّا ونسائها إلى جحيم النقل، نوع من الانتحار البطيء الغبي!
الكتابة في
وطن كسوريّا اليوم، رقص باليه في حقل ألغام. الكتابة في سوريّا، بغير النفَس
البعثي أو الأصولي، ليس أقل غباء من وشم اسم الوطن على الرقبة بساطور!
الكتابة النقديّة في سوريّا اليوم أحد أشكال المتاجرة بممنوعات ترفضها ـ
وتعاقب عليها ـ الدولة والشعب!
لقد أرادوا
إقصاء المفكّرين والمثقفين خوفاً على السلطة: وكالسادات تماماً، جيء بالقوى
الأصوليّة لملء الفراغ الاجتماعي الثقافي ـ فماذا كانت النتيجة؟ أغبى كائنات
الوطن تريد الآن مدّ أيديها إلى السلطة تحت رايات الأغلبيّة الساحقة! أغبى
كائنات الوطن التي تمتلك المال والعلاقات تريد إقفال كلّ الأفواه الناقدة أو
المعارضة تحت اسم وأد الفتن أو مقاومة مؤامرات الخارج! أغبى كائنات الوطن
تدفع بالوطن كلّه إلى الهاوية عبر النفخ اليومي الدائم في كير الطائفيّة
والإرهاب الكامن!
المفكّر
الفعلي، المثقف الفعلي، مشروعه تنويري لا سلطوي؛ وبالتالي لا مجال للتنافس
بين السلطويين ورجال الفكر ـ في حين أن التنافس قائم، بأحدّ صوره، بين
السلطويين والطبقة الغبيّة المسمّاة بالمشايخ التي تعتقد أن إلهها أوكل لها
سلطاناً دنيوياً لا يقلّ شأناً عن مثيله الديني! والاعتماد على المشايخ كبديل
يملأ الساحة بعد تهجير المثقفين أو إماتتهم كيداً أو قهراً أو منعاً عن
الكتابة هو مشروع انتحار للسلطة قبل المثقفين.
بعد هذا العرض
المأساوي للواقع الثقافي ـ المعرفي السوري؛ لا بدّ أن كثيرين يتساءلون: لماذا
نكتب؟ خاصّة وأن الشعب السوري محصّن بحقن البوطي وقبيسيته ضد العقل والنقد:
إلا من رحم ربّك! ببساطة شديدة؛ نقول: لأننا اعتدنا العزلة منذ أيام معيشتنا
في الأديرة المارونيّة التي أعطتنا الثقافة وحب الآخر دون تمييز، فحياتنا
مقفلة على أقانيم ثلاثة لا رابع لها: عدوّن والبحر والثقافة؛ ولأن البحر غير
موجود حيث نعيش الآن، ولأنهم لوّثوا الساحل السوري بما يستحيل ترميمه؛ ولأن
عدوّن يغادرنا ثلاثة أيام في الأسبوع، فنحن بحاجة للكتابة التي تقتل الوقت في
انتظار الأيام الأربعة الأجمل الباقية! وسواء أتحضّر السوريّون أم عادوا
للسكن في الخيام؛ سواء صاروا من أتباع بن لادن أم من أتباع ابن زيدون: الأمر
لا يعنينا، ما دام لا يقارب عزلتنا الجميلة وثالوثها الأقدس!
أزماتنا
المتلاحقة مع الأمن السوري:
قناعتنا مطلقة
الآن أنّ الدولة تريدنا أن نغادر حتى إلى جهنم: وإلاّ ما معنى أن نستدعى بشكل
دوري منذ عامين إلى الأفرع الأمنيّة كلّها تقريباً، مع العلم ـ كما أشرت ـ أن
لا علاقة لي بأية منظومة سلطويّة أو حزبيّة، لا في الحكم ولا في المعارضة؟
الدولة تعرف
تماماً، عبر مخبريها الذين يملأون كلّ الطرقات، أننا نعيش عزلة غير عاديّة ـ
ونحن سعداء للغاية بها، شريطة أن لا يعكّر مزاجها أحد ـ نحاول عبرها الوصول
إلى أقصى درجات السلام الذاتي واكتشاف الأنا في الآخر الذي نحب!
حتى الآن لا
نعرف لماذا نستدعى: وهم لا يعرفون ـ إلاّ إذا كان الهدف غير المعلن الإبعاد
أو التوقيف عن الكتابة في الناقد!! لماذا نحن، وعشرات ألوف السوريين، يكتبون
بأسماء مستعارة، يشتمون من خلالها الجميع [لمن لا يصدّق، ليقرأ ما كتبه
السوريون في موقع نادي الفكر العربي عن وزير دفاعهم]، بألفاظ غير موجودة
غالباً في أي من القواميس المعروفة؟ ـ لماذا، نحن تحديداً، تقضّ كتاباتنا
مضاجع أصحاب المعالي؟ هل كلّ السوريين ينسّقون مع القوى الأمنيّة حين يكتبون؟
وهل تعرف القوى الأمنيّة ذاك الذي يكتب باسم الشوك الدمشقي أو أولئك الذين
يقفون خلف موقع الاتحاد الإسلامي لطلبة سوريّا؟
ملاحظة:
في ظل العته
الديني السائد، الذي وضع أسسه البوطي ليس دون موافقة مبطّنة، أتوقع أن نشهد
بعد الاتحاد الإسلامي لطلبة سوريّا اتحادات أخرى مسيحية وعلويّة ودرزية
ويزيديّة ومرشديّة وإسماعيليّة، وبعدها اتحادات بعثيّة وسورية قوميّة
وشيوعيّة وناصريّة ومجتمع-مدنيّة، وبعدها اتحادات شمّرية وروليّة وفواعريّة
وعقيداتيّة.. إلخ! ومن يعش ير!
في السنتين
الأخيرتين فقط زرت الأجهزة الأمنيّة التالية: الأمن السياسي؛ الأمن الجوّي؛
والأمن العسكري بأفرعهم الكثيرة! ولا أعرف حتى الآن الجهة الخارجيّة التي
يمكن أن أتهم بالتخاطب معها أو العمل لأجلها! قبل أكثر من شهرين، زرت الأمن
السياسي بسبب مقالات الناقد: وكانوا أكثر من لطفاء، خاصّة أحد الضباط الذي
أكنّ له حبّاً واحتراماً كبيرين ـ ولا أنافق هنا لأني لست بحاجتهم، لا هم ولا
غيرهم! بعدها بفترة قصيرة، زارني مندوبان لفرع فلسطين في الأمن العسكري وطلبا
بأدب أن أحدّد موعداً لزيارة الفرع؛ فرفضت لأسباب صحيّة، ولأني لا أقوم بأي
شيء مما يمكن تسميته العمل ضد مصلحة الوطن: إلا إذا كان الدفاع عن المضطهدين
ومحاربة الطائفيّة و شيوخ الإرهاب والتطرف اعتداء على المصلحة الوطنيّة
العليا! ولأني أعرف وضعي الصحي أكثر منهم، اتصلت بالصديق بسّام درويش وببعض
الأصدقاء من الإعلاميين خارج سوريّا كي يعلموا إذا ما تمّت إضافتي إلى قائمة
سعد الله ونوّس وهاني الراهب ونزار قبّاني: فقط للعلم بالشيء! ولمّا تناول
كثيرون الأمر إعلاميّاً، وبعضهم من منطلق تهويلي، استدعيت من جديد؛ وكان
العتب بأني أعطيت المغرضين وأعداء الأمّة مضغة يلوكونها ضد الوطن! لكن الحق
يقال، كان الجميع في غاية الودّ والتعامل الحضاري. مع ذلك، فالضجّة التي قيل
إني كنت وراءها لم تكن لتحدث لو لم يأتني طلب حضور إلى هذا الطرف أو ذاك؛
وأنا، بحياتي المغلقة على ثالوثي الأقدس، لا أرى ثمة مبرراً لأن أحضر حتى
جنازة جدتي!
على أيّة حال،
بعد أن تلاحقت عليّ الطلبات، اتصلت ببعض من يهمهم أمري الصحّي والثقافي،
وأخبرتهم أن وضعي الصحي الحالي لا يتحمّل أن ألتقي الأم تريزا: فكيف بغيرها؟
وكان الردّ الأخوي بأني أنا الذي أرفض مغادرة الجنّة السوريّة المحرقة؛
وطُرحت أستراليا كحلّ سلمي غير مقلق! أعرف أن ثالوثي هناك سينقص أقنوماً؛
الأمر الذي قد يقضي على الألوهة الرائعة في داخلي: لكني إذا خيّرت، في نهاية
الأمر، بين الله وذاتي ـ لن أختار.. ذاتي!
|
