الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

باحث وكاتب سوري نبيل فياضمقالات سابقة للكاتب

باحث وكاتب سوري نبيل فياض

 


رسالتي إلى السوريين واللبنانيين

في أيلول عام 1993، اكتشفت في معرض كتاب مكتبة الأسد، التي كان يديرها الوزير السوري الحالي غسّان اللحام، كتاباً اسمه ضوابط التكفير في دار نشر ممتلكة لسوري أخواني لاجيء في عمّان – عاصمة الإرهاب الديني الحالي – من آل دعبول. الكتاب لمؤلف من حثالة الوهابيّة الإجراميّة اسمه محمود القرني ومنشور في عمّان. ورغم أن هذه الوثيقة الإجراميّة سعوديّة الأصل أردنيّة – باستثناء ظاهرة ديانا كرزون، فالأردن، الذي هو أقل بلد في المنطقة طعماً ولوناً، أحب أن يتميّز بشيء فاختار الإرهاب وربما العمالة – التسويق فإنها موجهة أصلاً لسوريّا ولبنان. في تلك الوثيقة الإجراميّة ورد ما مفاده أن العلويين والإسماعيليين والدروز " أشدّ كفراً ونفاقاً من النصارى واليهود "، مسطرة التكفير الأشهر عند أهل السنّة والجماعة. من هنا، فإن واجب المسلمين – يعني السنّة – برأي الكتاب التحفة، قتل رجال تلك الطوائف واستعباد أطفالهم وسبي نسائهم واستحلال أموالهم. ورغم أن ما من كتاب يمرّ، كما يفترض، دون علم الجهة الأمنيّة المسيطرة على المعرض، فقد كان هذا الكتاب معروضاً في دار النشر الأخوانيّة تلك دون أية كشوفات رسميّة بطريقة استفزازيّة للغاية. أثرت زوبعة هائلة ضد الكتاب والذين سمحوا به، انتهت بطرد القائم على المعرض، حسن أبو رشيد ومصادرة الكتاب. لكن الجهات الأصوليّة وعملاءها في الأجهزة لم تغفر لي مافعلت: وما زلت أدفع حتى الآن ثمن دفاعي عن مواطني البلد من مسيحيين واسماعيليين وعلويين ودروز ومرشديين ويهود: وسأظل أدفع ما دامت اليد العليا الخفيّة في سوريّا هي للأصوليين -  وهاكم الأدلّة:

 

(1) ـ في رمضان الماضي عرض التلفزيون السوري مسلسلاً كوميدياً اسمه بقعة ضوء: وفي ثلاث من حلقاته تناول ظواهر التعهير المشايخي للشعب السوري، خاصة الظاهرة الاستعهاريّة لبنات سوريّا المسمّاة منيرة القبيسي: وهي كما قيل لي لصّة من النوعيّة غير العاديّة تجر نساء سنة المدن السوريّة إلى مستنقع التخلّف والإرهاب والأصوليّة من أنوفهن بمعرفة – وربما بمباركة – جهات رسميّة عليا. ولأن منيرة القبيسي أهم من الله بما لا يقارن عند السحاقيّات الشاميّات ومرشدهن الروحي البوطي، فقد قامت القيامة ضدّ المسلسل، وأجبر وزير الإعلام على منع إذاعة أية حلقة أخرى منه يمكن أن تمس رجل دين سني حتى وإن كان الشيخ سلتة.

(2) ـ في رمضان الماضي أيضاً تمّ سوق أحد الدروز السوريين من رقبته إلى سجن عدرة القريب من دمشق لأنه كان يدخن في مكتبته في بلدة جرمانا ذات الغالبية المطلقة المسيحيّة الدرزيّة؛ وقد اعتبر ذلك خرقاً لقانون عثماني من أيام السفر برلك: رغم أن كلّ السوريين – وربما غير السوريين – يعرفون حال القضاء السوري وكيفيّة تنفيذ الأحكام فيه، وذلك كلّه بموافقة وزير العدل السوري نزار العسسي، الذي لجأت إليه مرّة حين هاجم الأصوليّون مكان عملي فرفض أن يقبل مني حتى الشكوى.

(3) ـ قبل مدّة أصدر وزير الدفاع السوري مصطفى طلاس كتاباً تناول فيه بالنقد الجارح المسيحيين والمراشدة السوريين: فاعتبر الأولين عملاء لوكالة المخابرات المركزيّة والمراشدة حركة أنشئت بدعم من الاحتلال الفرنسي، وتناول، كأحمد منصور ممثل الإرهاب الأخواني في الجزيرة، بالاستهزاء غير العادي ولا المقبول جوانب لاهوتيّة عند المراشدة.

(4) ـ وقبل مدّة أيضاً أصدر مفتي السنّة السوري أحمد كفتارو بياناً أدان فيه موقف فرنسا شيراك من مسألة الحجاب؛ مع ملاحظة أن المحجّبات في فرنسا هن من تيارات أصوليّة إرهابيّة شمال إفريقيّة عموماً لا علاقة لهن، لا من قريب ولا من بعيد، بفرنسا العلمانيّة الحضارية، وقد قدمن أصلاً إلى الغرب الكافر للإفادة من غناه لإشباع جوعهن الذي كان ضاريّاً في بلدانهن الأصليّة؛ من ناحية أخرى فالقاصي والداني يعرف أن الحجاب مسألة غير متفق عليها من قبل المسلمين جميعاً: فهل يعتبر هذا المفتي أن الطوائف التي تدعي الإسلام – التي كفّرها أئمته – والتي هجرت بناتها الحجاب كاذبة في ادعائها؟ خاصّة وأن المفتي، حين سعى إلى حوار معي، أقفل الباب على الحوار نهائيّاً، حين سألته، بحضور شيخ من جماعته اسمه زاهر أبو داود: " بما أنك من كبار دعاة التسامح والمحبّة بين الناس، فهل توافق على زواج أي من بناتك من شيعي أو علوي أو درزي أو اسماعيلي، خاصة وأن هؤلاء لا يدّعون غير الإسلام؟" بالمناسبة، فقد سبق لسرايا الدفاع أن قامت، في حادث شهير للغاية، بإجبار بعض النساء الدمشقيّات المحجّبات على خلع حجاباتهن ولم نسمع صوتاً للمفتي ؛ كما أن تطبيق منع الحجاب في المدارس سبق وعمل به في سوريّا قبل فرنسا ولم نسمع صوتاً للمفتي؛ فلماذا سكت عمّا اعتبره انتهاكاً للشرائع الدينيّة على يد رفعت الأسد، ونطق ببلاغة لا يحسد عليها حين أراد شيراك تطبيق منظوره لعلمانيّة الدولة؟ أم أن السوريّات أدنى من أن يهتم بهن سماحته؟

إن هذه التصرفات الغريبة الصادرة عن أشخاص من الطائفة السنيّة في قمة هرم السلطة تعني، كما نفهمها في هذه المرحلة تحديداً، أن التيار الأصولي ما يزال متحكّماً بالقرار الرسمي السوري رغم ما يقال في دوائر الأخوان ومن على شاكلتهم في الغرب من أن العلويين والإسماعيليين والدروز والمسيحيين وأشباههم من العلمانيين يتحكّمون بعنق البلد. وهذه رسالة خارجيّة مكمّلة للصورة الداخليّة حيث نشاط الجماعات الإرهابيّة، خاصة بين النساء، على قدم وساق، تحت نظر الجميع: وربما برعاية عالية المستوى. وإلا ما معنى حماس هذا المسؤول أو ذاك لشيخة السحاق السوري منيرة القبيسي؟

إمّا.. أو:

في الثالث عشر من آب الماضي هوجم مكان عملي من قبل جماعة ادعت أنها أمنيّة؛ وانتهى بي الأمر في غرفة العناية المشدّدة في بلدة دير عطيّة المجاورة لمكان إقامتي. وحتى الآن لم أعلم ما إذا كان سبب الهجوم سياسي أم دوائي أم أمني: يبدو أن هذا أيضاً من الأسرار الأمنيّة.

ولأن جسدي متعب لا يحتمل مزيداً من الصدمات أو التوقيفات أو الاعتقالات؛

ولأن سنّي والاسم الذي حفرته بالإزميل في صخر التطرّف لا يسمحان لي بأن أكتب بأسماء مستعارة كما يفعل آلاف السوريين في مواقع الانترنت؛

ولأن الروم الأرثوذكس في سوريّا – للأسف – أجبن من أن يقفوا معي في دفاعي المستميت عنهم ضد قوى التكفير مهما كانت كبيرة؛

ولأن العلويين أكثر تردّداً من أن يوافقوا على ما أكتب دفاعاً عن حقهم في أن يكونوا مواطنين من الدرجة الأولى كي لا يتهمهم التيار الأصولي بالطائفيّة ومساندة العلمانيّة الإستصاليّة؛

ولأن الموارنة، أسود هذا الشرق، يتعرضّون، مثلي تماماً، لكل أنواع المضايقات كي يتحوّلوا إلى أغنام أو أن يتركوا البلد لعصابات الحريري المتسعدن؛

ولأن الدروز ملاحقين منذ الأزل بسيوف التكفير والتخوين ولا استطاعة لديهم لمساندة أنفسهم فكيف يساندون الغير حتى وإن كان يرفع رايات الدفاع عن حقوقهم الأقل من طبيعيّة؛

ولأن السريان والكلدان والآشور، أصحاب الوطن الأصليين، صار همهم الأوحد الحصول على فيزا إلى السويد أو الولايات المتحدة في وطن احتكرته منيرة القبيسي ورفيق الحريري؛

ولأن الإسماعيليين منشغلون بالكامل في الدفاع عن آخر معاقلهم في السلمية ومصياف اللتين تتعرضان لهجوم بذيء، تحت مرأى ومسمع الجميع، من الوهابيين والخمينيين على الترتيب؛

ولأن العلمانيين والليبراليين وقوى اليسار والديمقراطيّة في البلدين لم يعد همها في الزمن القبيسي الأسوأ سوى أن لا تسقط مرّة وإلى الأبد؛

ولأني أعرف أن مقالاتي، حيث أكتبها، تشكّل هاجساً مزعجاً لقوى الظلام الأصولية ذات الأصابع الأخطبوطيّة؛

ولأني أعرف أيضاً أن كثيرين من المحسوبين على حزب البعث، سواء أكانوا في الواجهة أم لم يكونوا، هم من الوهابيين قلباً وقالباً الذين لا همّ لهم سوى إسكاتي بأية طريقة: وإلا ما معنى أن لا تزعج سوى مقالاتي من بين ملايين المقالات المنشورة بالعربيّة في كافّة أرجاء العالم؛

أعلن عبر صفحات الناقد، هذه المجلة الالكترونيّة الفقيرة البسيطة، أني سأتوقف عن الكتابة حتى إشعار آخر؛ وأعلن عبر صفحات الناقد أيضاً أنني للمرّة الأولى آمل بوطن، كالسريان المقتلعين من ترابهم تحت وطأة الاضطهاد، أستطيع الكتابة والعمل فيه دون تهديد من منيرة القبيسي والبوطي ورجالاتهم من المسؤولين.

نبيل فياض 24|2  

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها