عندما
يساوي المليون واحداً
5/6/2007
نشر على
الإنترنت خبر بعنوان: «فضيحة
القراءة في العالم العربي»، جاء فيه: «تكشف أحدث الاحصاءات... أن
الأوربي يقرأ بمعدل 35 كتاباً في السنة، والإسرائيلي 40 كتاباً في السنة،
أما
العربي فإنّ 80 شخصاً يقرءون كتاباً [واحداً] في السنة».
بعبارة
أخرى، وحسب لغة الأرقام:
ـ 80
عربياً يقرءون كتاباً واحداً
ـ أوربي
واحد يقرأ 35 كتاباً
ـ
إسرائيلي واحد يقرأ 40 كتاباً
إذاً، لكي
يتم قراءة 35 كتاباً باللغة العربية، فإننا نحتاج (2800 عربي) وهو رقم 80
عربي × 35 كتاباً.
ولكي يتم
قراءة 40 كتاباً، فإننا نحتاج إلى (3200 عربي) وهو رقم 80 عربي × 40
كتاباً
الحصيلة:
ـ ثقافة
أوروبي واحد = ثقافة 2800 عربي
ـ ثقافة
إسرائيلي واحد = ثقافة 3200 عربي
على أي
حال، لو كانت هذه الإحصائية صحيحة، لكنا بخير، لا بل بألف خير، لأن
الأرقام التي تصدر عن دور النشر تشير إلى واقع أسوأ من ذلك بكثير. وحسب
إحصائية اليونسكو فإن الدول العربية أنتجت 6.500 كتاب عام 1991،
بالمقارنة مع 102.000 كتاب في أمريكا الشمالية، و42.000 كتاب في أمريكا
اللاتينية والكاريبي (تقرير التنمية البشرية لعام 2003، النسخة
الإنجليزية، ص77).
وإذا كانت
بيانات اتجاهات القراءة غير متوفرة في العالم العربي لغياب الإحصائيات
الدقيقة، فإن الكتب الأكثر مبيعاً حسب معرض القاهرة الدولي للكتاب هي
الكتب الدينية، تليها الكتب المصنفة بأنها تعليمية (م.س.، ص 78). ومن
خلال متابعتنا لأخبار معارض الكتاب في الدول العربية، فإن ترتيب الكتب
الأكثر مبيعاً هي التالي: الكتب الدينية، كتب الطبخ، كتب الأبراج.
الترجمة
وعندما
نعود إلى التقرير التنمية المذكور، فإن المعطيات التي يوردها حول الترجمة
إلى اللغة العربية تبين بأن الدول العربية ككل هي أدنى القائمة، إذْ قال
التقرير إن اليابان تترجم حوالي 30 مليون صفحة سنوياً. في حين أن ما
يُترجم سنوياً في العالم العربي، هو حوالي خُمس ما يترجم في اليونان.
والحصيلة الكلية لما ترجم إلى العربية منذ عصر المأمون إلى العصر الحالي
10.000 كتاب؛ وهي تساوي ما تترجمه أسبانيا في سنة واحدة (م.س.، ص 67).
وتبين
مقارنة أعداد الكتب المترجمة إلى اللغة العربية مع لغات أخرى سِعةَ الهوة
بين العالم والعربي بمجمله وبين أية دولة في العالم، ففي النصف الأول من
ثمانينات القرن العشرين، كان متوسط الكتب المترجمة لكل مليون، على مدى
خمس سنوات هو 4.4 كتاب (أقل من كتاب لكل مليون عربي في السنة) بينما في
هنغاريا كان الرقم 519، وفي أسبانيا 920.
إضافة
لذلك، فحتى المقارنة العددية بين العناوين لا توضح بشكل كافٍ مدى بؤس
الثقافة في العالم العربي، فعدد النسخ المطبوعة للعنوان هي ألف نسخة، وفي
حالات خاصة، وعندما يكون المؤلف ذائع الصيت، فقد يبلغ عدد النسخ رقم
5.000؛ وبالتالي، فإن المقارنة لا تكون صحيحة على أساس عدد العناوين التي
تصدر بالعربية، طالما طبعة الكتاب في الغرب تتجاوز الخمسين ألف نسخة.
ولهذا فنسبة كتاب واحد لكل ثمانين عربياً رقم يتجاوز الواقع، ونجد أنفسنا
مرغمين على قبول ما جاء في المعطى
التالي:
«إن كل
300 ألف عربي يقرءون كتاباً واحداً، ونصيب كل مليون عربي هو 30 كتاباً».
هذا الرقم
الأدق يترجم إلى المعادلة التالية:
ثقافة
غربي واحد أو إسرائيلي واحد = ثقافة مليون عربي.
ظلام
الجهل الذي يعم العالم العربي لا يشمل ميدان عالم الكتاب فحسب (تأليفاً
وترجمةً وقراءةً)، بل يشمل حتى القدرة على القراءة والكتابة، ففي الوقت
الذي صار فيه تعلم اللغات الأجنبية واتقان التعامل مع الحواسيب معياراً
جديــداً للتعليم، فإن عدد الأميين في العالــم العربي، وحسب ما صدر عن
اليونسكو يبلغ
(60) مليون من أصل (300) مليون. وقد لاحظ هذا الإعلان عن الأمية في
العالم العربي أن التعليم الأساسي يحتاج إلى ست مليارات سنوياً، وهذا رقم
صغير بالمقارنة مع 1.100 مليار تذهب إلى الإنفاق العسكري، و300 مليار إلى
الإعلانات، و500 مليار ينفقها العرب على التبغ كل عامٍ.
هذه
الأرقام، تُظهِرُ وضعاً مؤلماً تعاني منه الشعوب العربية، لا نفيه حقّه
حتى إن وصفناه بالتخلّف الحضاري، والسؤال الذي ينتظر الإجابة:
هذه
الشعوب التي لا تقرأ ـ وحتى لا تعرف القراءة ـ، هل تستحق فعلاً أن تحلم
بأن يكون لها دور في المستقبل، بينما لم تبلغ سن الطفولة الحضارية بعد؟
هل تحتاج
هذه الشعوب حقاً إلى مؤامرة لتكون متخلفةً؟ وأي تخلف أكثر من أن تعادلَ
ثقافةُ مليون فردٍ في أمّةٍ ثقافةَ فردٍ واحدٍ في أمةٍ أخرى؟
بعد كل
هذا، ألا يجدرُ بأولئك الذين لا يفتأون يتحدثون عن الأخطار والمؤامرات
التي تهدد كيان «الأمة»، أن يتساءلوا: مَنْ يُشَكِّلُ خطراً على مَنْ؟ |