وداعا حلمى جرجس
رحيل عمود كبير فى الحركة القبطية فى المهجر
فى صيف عام 1980 عاد الدكتور شوقى كراس إلى أمريكا وهو يقول
لأصدقاءه لقد تقابلت مع طبيب شاب متحمس فى لندن سيكون له دورا هاما
فى الحركة القبطية فى المهجر كما حكى لى المهندس أرميا لوندى، كان
هذا الطبيب الشاب هو الدكتور حلمى جرجس الذى رحل عن عالمنا الفانى
يوم السبت 31 يناير 2015 عن عمر يناهز 71 عاما تاركا فراغ فى
الحركة القبطية فى الخارج لا يمكن تعويضه. منذ ذلك التاريخ عمل
الدكتور حلمى جرجس مع جيل المؤسسين دكتور شوقى كراس ودكتور سليم
نجيب عن قرب،وأستمر يعمل بكل تفان وتواضع وتضحية ونشاط ودأب وإخلاص
حتى آخر أيام فى حياته،وإذا كان الدكتور شوقى كراس هو الآب الروحى
للحركة القبطية فى أمريكا والدكتور سليم نجيب هو الآب الروحى
للحركة القبطية فى كندا ، فأن الدكتور حلمى جرجس كان وبحق كما قال
نيافة الأنبا أنجيلوس بلندن فى تأبينه،كان هو الآب الروحى للحركة
القبطية فى بريطانيا وأحد أعمدة الحركة القبطية فى المهجر كله.
شارك الدكتور حلمى جرجس فى تأسيس عدد من الهيئات الحقوقية فى
بريطانيا وفى أوروبا،وفى عام 1996 أسس هيئة أقباط المملكة المتحدة
،والتى ظل يرأسها حتى أنتقاله،كما أنه كان ضمن المجموعة الصغيرة
التى خططت لتأسيس منظمة التضامن القبطى،وقد بذل الراحل جهودا كبيرة
ورحلات مكوكية بين باريس ولندن وواشنطن ومونتريال حتى خرجت المنظمة
إلى النور، وكان عضوا فى مجلس إدارتها حتى رحيله، وكان نشطا وفعالا
فى أنشطتها ومؤتمراتها مضحيا بوقته وماله،وكان لدوره فيها تأثيرا
واضحا وترك فراغا من الصعب ملئه، ونذكر أنه كان يحضر معه شخصيات
سياسية بارزة للمؤتمر السنوى فى واشنطن وعلى حسابه مثل اللورد
ديفيد التون والبارونة كوكس،وأقنعهم كذلك أن يكونا عضوين فى المجلس
الأستشارى لمنظمة التضامن القبطى وقد كان.
وكان حتى قبل رحيله بأسابيع يعطى للعمل القبطى خمس إلى ست ساعات
يوميا من وقته، بين عمل الناشط الحقوقى وإدارة موقع منظمة أقباط
المملكة المتحدة،حتى أنه وقد تخطى الستين ذهب إلى الجامعة لدراسة
إدارة المواقع الألكترونية من آجل تحسين كفاءة وفاعلية الموقع
الالكترونى للمنظمة، وكان يقضى الساعات باحثا عن المقالات التى
تتناول أوضاع الأقباط ومسيحى الشرق فى عشرات الصحف الدولية ويجمعها
يوميا ويرسلها لقائمة كبيرة من النشطاء بعد أن ينشرها على موقع
المنظمة.
على المستوى الإنسانى كان الدكتور حلمى جرجس دائم الابتسام دائم
النشاط دائم التفاؤل،رزين وحكيم وعقلانى وواقعى ومناضل صبور ومضحى
دائما، وصديق لنشطاء الخارج والداخل، وكما وصفه المهندس يوسف
سيدهم، رئيس تحرير جريدة وطنى، بالصديق والرفيق فى نفس الوقت لأنه
كان متفق معه فى هدف ووسائل العمل القبطى، ويراه عقلانيا وواقعيا
يفكر بهدوء من آجل المصلحة الخاصة بالقضية القبطية وفقا لما هو
متاح من أدوات ووسائل.
لقد كان رحيل حلمى جرجس مفاجئا وسريعا،وكان نشطا حتى فى رحيله
وكأنه مستعجل السفر. لقد عاش بقلب مزروع منذ 28 عاما،قام بنقله له
دكتور مجدى يعقوب، ولكنه للأسف مات لأتفه الأسباب، فقد عانى من فشل
كلوى فى الأسابيع الأخيرة،وبعد أقل من أسبوعين من عمليات الغسيل
انتظارا لدوره فى نقل كلى غادر إلى السماء بطريقة مفاجئة وصادمة
لنا،وقبل شهور من فرح أبنته الوحيدة،الذى أعد له كل شئ وأشترى لها
فستان الزفاف ولكن الموت لم يمهله ليفرح معها. وكان الرجل متفائل
حتى أيامه الأخيرة،وقال لى فى آخر مكالمة أنه يجهز لحفل كبير بعد
نقل الكلى وهدبح لك خروف يا ابو المجد ونعمل ندوة كبيرة فى
برمنجهام ندعو اليها كل الأصدقاء... ولكنه ابكانا برحيله بدلا من
أن نحتفل معه بشفاءه، لقد كان للسماء رأى آخر مختلف عن رأيه
ورأينا..وتلك مشيئة الله.
لقد كان سندا قويا لى وللحركة القبطية كلها منذ أن عرفته عام
1997،فقد شارك فى كل الفاعليات الهامة، وشارك معى فى كتاب أقباط
المهجر عام 1999،وشارك فى تأسيس منظمة التضامن القبطى ومنتدى الشرق
الأوسط للحريات وحضر عدة مرات إلى القاهرة على حسابه من آجل ذلك،
وشارك مع المنظمة فى مؤتمراتها بواشنطن ومؤتمر القيادات المشرقية
فى بروكسل فى نوفمبر 2013.
لقد كان الدكتور حلمى جرجس من الرجال القلائل الأشداء فى العمل
القبطى،وصنع للقضية القبطية أسما فى بريطانيا وفى الاتحاد
الأوروبى،وكان يتنقل كالفراشة بين مجلس اللوردات والبرلمان
البريطانى ومؤسسات الأتحاد الأوروبى،وكسب ثقة الكثير من السياسيين
بشخصيته المحبوبة وعقلانيته ودماثة خلقه وفصاحة لغته.
لقد كان لنا صديق وحبيب فى برمنجهام،وكلنا نزلنا فى بيته وفى
ضيافته من شوقى كراس إلى عادل جندى ومعظم النشطاء ومنهم
أنا،وبرحيله أصبحت برمنجهام مهجورة وكئيبة بالنسبة لنا.
لقد خدم القضية القبطية بتفان وإخلاص وخدم مرضاه بأمانة وخدم أسرته
بحب ورحل بهدوء وسلام.
لقد ودعنا حلمى جرجس بدموعنا لأنه ترك فراغا فى قلوبنا قبل أن يترك
فراغا فى الحركة القبطية،ولكن ماذا نفعل أمام إرادة الله.
وداعا حبيبنا الغالى حلمى.... وداعا يا صديق الكل بتواضعك وعملك
وتضحياتك وكرمك وشخصيتك الآسرة...وداعا أيها الصديق المخلص
الوفى....وداعا إلى دار الخلود والراحة والنياح والسلام
والهدوء..حيث لا تعب ولا مرض ولا مشقة.
سلاما لروحك يا رفيق حتى نلقاك |