من أسلمة الحداثة إلى أسلمة قيم الغرب
لعل أزمة
الكاريكاتير المسئ للإسلام فتحت نقاشا أوسع حول تفاعل المسلمين سلبا وإيجابا
مع العالم المعاصر. فشلت محاولات المصلحين المسلمين في القرن الماضي من أمثال
محمد عبده ورفاعة الطهطاوي وطه حسين وعلي عبد الرازق وغيرهم في تحديث الإسلام
وانتصرت رؤية الفريق المتطرف الذي قاده منذ عام 1928حسن البنا وأتباعه في
أسلمة الحداثة عبر نشر نمط معين باعتباره هو الإسلام الصحيح وفرضه على الناس
بالترغيب والترهيب ، وإسباغ صفة الإسلامي على هذا النمط، بما يعني أن غيره
غير إسلامي وغير شرعي. وتمثل هذا النمط في الزي الإسلامي، البنوك الإسلامية،
الاقتصاد الإسلامي، التعليم الإسلامي، أسلمة العلوم، أسلمة الإعلام، أسلمة
القضاء، القوانين الإسلامية، انتشار واسع للثقافة السلفية، الطب الإسلامي
والنبوي، التوسع الضخم في المنظمات الإسلامية، تهميش الدولة القومية لصالح
الأممية الإسلامية، أسلمة المصطلحات السياسية والمفردات اليومية (مبايعة،
ولاية، شورى ، ثوابت الأمة .. ألخ). وترتب على ذلك ضياع فرصة الحداثة على
الدول الإسلامية والاستعاضة عن ذلك بتحديث قشري مستورد من الغرب ، أي استهلاك
منتجات الحضارة بدلا من المشاركة فيها. ولكن المزايدات الدينية على من هو
أكثر سلفية لم تؤد فقط إلى تآكل المجتمعات الإسلامية من داخلها وتخلفها
واقتتالها ولكنها في النهاية أفرزت نمطا عنيفا عند قطاع منهم أخذ ينشر العنف
في كل مكان، وفي لحظة تاريخية تم تصدير هذا العنف إلى الخارج، وهنا بدأت
مشكلة المسلمين الكبرى مع العالم المعاصر وخاصة الغربي/ إذن المشكلة الأولى
جاءت من تصدير العنف إلى الخارج، أما المشكلة الثانية فكانت نتيجة تزايد دور
الهجرة إلى الغرب ووجود جاليات إسلامية كبيرة في أوروبا وأمريكا واستراليا،
وبدلا من أن تقوم هذه الجاليات بدور جسور تنقل الحداثة من الغرب إلى الشرق
،كما فعل رواد النهضة العربية ،جاء الكثير من هؤلاء وهو محمل بمفهوم الحداثة
المتأسلمة أو اكتسبهاعبر الأعلام المتأسلم القادم بكثافة من الشرق الاوسط فى
السنوات الأخيرة ،وانعزل الكثير من هؤلاء في جيتوهات بزيهم المعروف وطعامهم
الحلال وثقافتهم الخاصة. ليست هناك مشكلة في هذا، فالفكر الغربي الحديث يقوم
على قبول التعددية واحترام الخصوصيات الثقافية، ولكن المشكلة بدأت عندما حاول
البعض منهم فرض قيمهم الخاصة على المجتمعات الغربية أو التمسك بهذه القيم على
حساب القانون، وبالتالي انتقلت أزمة العالم الإسلامي العميقة في مواجهة
الحداثة من الشرق إلى الغرب .وقد لخص ذلك نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني
بقوله " إن الإرهابيين الإسلاميين إما أن ينجحوا في تغيير أسلوب حياة الغرب،
وإما أن ينجح الغرب في تغيير أسلوب حياتهم".
وعلى
الجانب الإسلامي عبر طارق رمضان الداعية الإسلامي الأوروبي بوضوح عن رؤية
المسلمين بقوله "إن على المسلم أن لا يقبل قيما تخالف العقيدة الإسلامية
وقيمها"، وقال "المسلمون غير ملزمين بالإرث العلماني الفرنسي، أنهم لم
يساهموا تاريخيا في هذا الإرث". ولكن ماذا لو تعارضت هذه القيم مع القانون،
مثل بث الكراهية باسم الدين، ضرب المرأة كما دعا إلى ذلك إمام مسجد في
إسبانيا، ختان الأناث ،وانتهاك حقوق الأطفال، وتكفير غير المسلمين، وتعدد
الزوجات، والدعوة لعدم شرعية التجنيد العسكري للمسلمين فى الغرب، والتحايل
للعيش على الإعانات ،بل وصل الامرلتمجيد والدعوة للإرهاب والقتل والأنخراط فى
منظمات إرهابية. أحد هذه القيم الخلافية الشديدة بين المسلمين والغرب هي فكرة
الفصل بين الدين والدولة، بما في ذلك الحق في انتقاد الأديان، وحق الإيمان
وحق الإلحاد، وهذا الفصل التام والحاد هو الذي جعل أعضاء الاتحاد الأوروبي
يصرون على عدم مجرد الإشارة إلى المسيحية في الدستور الأوروبى الموحد على
الرغم من أنها دين الأغلبية الكاسح فى اوروبا، وهناك عدد لا يمكن إحصاءه من
الكتب التي تهاجم الأديان والله والأنبياء في الغرب وخاصة المسيحية، بل
والإجهار بالإلحاد، فلسفة ماركس قائمة على الإلحاد وأن الدين أفيون الشعوب،
وصل الامر بنيتشه الفيلسوف الألماني الشهير لأن يقول "لا يوجد إله لأن الإله
قد مات"، وهناك تمرد سارتر ومذهبه الوجودى الالحادى، بل والعشرات من الفلسفات
والمذاهب الإلحادية على تنوعاتها المختلفة تنتشر في أوروبا على نطاق واسع.
وكلنا نتذكر رواية وفيلم "الإغراء الأخير للسيد المسيح"، ورواية كود دافنشي
عن الميسح، وكتاب عن شذوذ بولس الرسول The
Abnormality of Paul
بل وصل الأمر إلى نشر كتاب بعنوان غباء الله
Foolishness of God
، ومع هذا لم نسمع عن قتل أحد لأنه انتقد المسيحية ولم يحدث أن أثرت هذه
الفلسفات والكتابات على بقاء المسيحية أو اليهودية، بل أن دول المعسكر الشرقي
عادت إلى إيمانها بعد سقوط الاتحاد
السوفيتي وكأن
شيئا لم يكن.
قيمة
الحرية هذه إحدى القيم المهددة من قبل التطرف الإسلامي، من مطاردة سلمان رشدي
إلى قتل فرج فودة واغتيال تيوفان جوخ إلى الفتاوى التي صدرت بقتل رسام
الكاريكاتير الدنماركي وحوادث العنف والغوغائية التي صاحبت هذا الحدث ،مرورا
بعشرات الحوادث ضد كتاب ومثقفين وفنانين ومبدعين. بل أن الفتاوى التي صدرت
عقب نشر هذه الرسوم من استحلال دم الرسام، وبيان كتائب شهداء الأقصى بفلسطين
بإهدار دم رعايا الدنمارك والنرويج وفرنسا، وقول حسن نصر الله لو تم تنفيذ
فتوى إعدام سلمان رشدي ما تجرأ أحد على النيل من الرسول، وهي تشبه فتوى عمر
عبد الرحمن ضد نجيب محفوظ والتي قال فيها لو تم قتل نجيب محفوظ ما تجرأ سلمان
رشدي، وقد أدت هذه الفتوى إلى محاولة آثمة لاغتيال نجيب محفوظ، بل وصل الأمر
أن مظاهرة أسلامية خرجت في لندن تحمل شعارات إرهابية وتحرض على الكراهية
والقتل بما يقوض القيم الأساسية التي قامت عليها الحضارة الغربية مثل "إلى
الجحيم أيتها الحرية"، "اذبحوا من يسئ إلى النبي"، "استأصلوا هؤلاء الذي
يسخرون من الإسلام"، "أوروبا ستدفعين الثمن: كارثة 11سبتمبرفي الطريق إليكم".
يحدث ذلك
في الوقت الذي يزخر الأعلام العربي يوميا بهجوم وشتائم على المسيحية
واليهودية، انظر مثلا عناوين مؤلفات أبو إسلام أحمد التى عرضت في معرض
القاهرة الدولي للكتاب يناير 2006، "الكنيسة والانحراف الجنسي"، "العقائد
الوثنية في الديانة المسيحية"، "الكتاب غير المقدس"، "أمة بلا صليب"، "آه يا
غجر: رسالة إلى نصارى المهجر"، بل وصلت بذاءاته بأن يكتب عن فرج فودة كتاب
بعنوان "من قتل الكلب".
انظر
مثلا ما يكتبه زغلول النجار أسبوعيا فى صفحة كاملة في أكبر صحيفة عربية وهي
الأهرام ،"الديانة اليهودية ليست دينا من الأديان بقدر ما هي حالة مرضية
تعتري الفطرة السوية فتخرجها من إطارها الإنسانى إلى دائرة الشياطين"
(الأهرام 22 يوليو 2002)، "الكفار والمشركين المنافقين ، خاصة من كان منهم من
أهل الكتاب الذين حرفوا دينهم، أمثال اليهود المجرمين الذين كانوا ركازة
الكفر عبر التاريخ ولا يزالون هكذا إلى اليوم وإلى أن يرث الله تعالى الأرض
ومن عليها .. هم يمثلون أبشع صور الكفر" (الأهرام، 15 يوليو 2002). وما حدث
فى كنيسة المهد وقت أختباء عدد من الفلسطينيين فيها ، وقد ذكر محرر لوس
انجلوس تايمز الذى كان داخل الكنيسة بأنهم كانوا يستعملون أوراق الكتاب
المقدس كأوراق توليت، ومع هذا لم تخرج مظاهرة فى الغرب ضد ذلك ولم يعتد أحد
على المسلمين من جراء هذه الأفعال، في حين فقدان الأعصاب الأسلامية المتزايد
وأرهاب الآخر وقتله إذا اقترب من الأسلام.
إن مشروع
القرار الذى تقدمت به مجموعة الدول الأسلامية باعتبار "الإساءة الى ديانات أو
انبياء يهدد حقوق الأنسان والحريات الأساسية ويتعارض مع حرية التعبير"،
لإدراجه فى مشروع القرار، الذى ينص على إقامة مجلس حقوق الأنسان ليحل محل
مفوضية حقوق الأنسان التابعة للأمم المتحدة،هو أنتصار للمتطرفين والغوغاء
وتكميم للافواه ومطاردة للحريات وفرض قيم الفاشية الأسلامية على العالم،لان
الدول الأسلامية لن تلتزم بهذا القرار كما أنها لم تلتزم بغيره من قرارات
ومواثيق الأمم المتحدة، ولانها ثانيا لا تعترف بأديان الاخرين(الدنمارك مثلا
تعترف ب12 دينا فى حين أن معظم الدول الأسلامية تعترف فقط بثلاثة أديان
وبعضها لا يعترف الإ بالإسلام ، وعمليا كل الدول الأسلامية لا توفر الحرية
الدينية التى أقرتها الأمم المتحدة الا للمسلمين فقط)، وثالثا اكثر دول فى
العالم تضطهد أصحاب الأديان المختلفة عن الأسلام هى الدول الأسلامية، ورابعا
فى حين تدين الدول الأسلامية الأرهاب على استحياء فأنها تدافع فى الواقع عن
الأرهابيين ومنهجهم وتزايد على غوغاءيتهم، وفى النهاية سيصب الموضوع فى تحصين
الأرهاب الأسلامى من النقد لان هذا الأرهاب يستخدم نصوصا دينية لتجنيد وتحفيز
الأرهابيين.
إن
الدعوة إلى فرض قوانين دولية تحد من الحريات الفردية هي دعوة لتعميم قيم
الفاشية، والتي كانت سببا رئيسيا في تخلف المجتمعات الأسلامية،أي فرض قيم
متخلفة إجباريا على دول دفعت ملايين الضحايا من أجل مقاومة الفاشية والنازية
والسلطة الدينية.
الصمت
المزري للمعتدلين في الدول الإسلامية يجعل قيادة هذه الدول فعليا في أيدي
المتطرفين والمزايدين على التطرف من الفسدة والمستبدين، ويعظم من احتمالات
الصدام مع المجتمع الإنساني، وفي النهاية ستنتصر قيم الحرية، ولكن يبدو أن
البشرية في طريقها لأن تدفع ثمنا جديدا باهظا من أجل المحافظة على هذه القيم
،وهذه المرة في مواجهة التطرف الإسلامي.
magdikh@hotmail.com |