اذا كان شارع برودوي في نيويورك
معروفا بانه شارع المسارح والفن فان شارع ك ستريت(K Street )
معروف في واشنطن بانه شارع جماعات الضغط حتي انه يشار اليهم
بالقاطنين في ك ستريت.وجماعات الضعط مشروعة وقانونية في امريكا
والغرب وتتفاوت قوتها وتاثيرها من دولة الي اخري ولكنها فاعلة في
التاثير علي صانع القرار سواء كان سلطة تشريعية او سلطة تنفيذية.
ويعرف وبستر جماعة الضعط بانها جماعة تحاول التاثير علي هيئة
تشريعية او تحاول ان تكسب التاييد لمشروع قانون.واذا كان المجتمع
المدني يملا الفراغ بين السلطة والمواطن فان جماعات الضغط احد
الآليات الرئيسية في نقل هذا الطلب فعليا الي السلطة ومن ثم هي
تشغل اقرب مكان بجوار السلطة، ولهذا اختارت ك ستريت الذي يتوسط
المسافة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.وحسب تقرير مركز
النزاهة العامة في واشنطن هناك حوالي 6500 شركة مسجلة كشركات ضغط
سياسي فى امريكا ويعمل اكثر من مائة الف شخص في وظيفة جماعة ضغط
Lobbyist ،وتوظف اكثر من 14 الف خبير وتنفق سنويا في حدود 2
ملياردولار في امريكا وحدها،ووظفت جماعات الضغط في امريكا في
الفترة ما بين 1998-2004 ما عدده 145 عضو كونجرس سابق و34
سيناتور سابق و42 رئيس وكالة فيدرالية سابق، وقدمت اكثر من 23000
تذكرة طيران لاعضاء الكونجرس والعاملين في مكاتبهم في الفترة من
1 يناير 2000 الي 30 يونية 2005،وانفقت شركات الادوية في عام
2006 فقط 182 مليون دولار علي جماعات الضغط من اجل الحفاظ علي
مصالحها.وتكسب جماعات الضغط مشروعيتها من تعريفها بانها احد
الوسائل السلمية لنقل مطالب المواطنين والشركات الي السلطة
واعداد الدراسات بمهارة اعلي في مواضيع محددة،وانها آلية لملئ
الفراغ في الفترات ما بين الانتخابات،فهي ليست كالاحزاب السياسية
تسعي للحكم وانما للتاثير عليه بدون تحمل مسئولية الوظيفة
العامة.وهناك رابطة امريكية لاعضاء جماعات الضغط مثل النقابات
المهنية تماما.ورغم ان القانون الذي وقعه الرئيس الامريكي في 14
سبتمبر 2007 لتقييد الفساد الذي نتج عن بعض ممارسات جماعات الضغط
الا انه عمليا اصبحت هذه الجماعات جزءا اساسيا من فلسفة
الديمقراطية الامريكية.وتعمل جماعات الضغط في واشنطن علي قضايا
محلية وعلي قضايا دولية ايضا،فقد ذكرت نيويورك تايمز ان تركيا
انفقت 30 مليون دولار مؤخرا علي جماعات الضغط لوقف قرار الكونجرس
الخاص بالاعتراف بابادة الارمن علي يد الاتراك وتحميلهم مسئولية
ذلك.والسعودية تنفق مئات الملايين علي جماعات الضغط من اجل كبح
نقد اوضاع حقوق الانسان والحريات الدينية المتردية في
المملكة.وبالطبع كلما كانت القضية عادلة فان اقل جهد من جماعات
الضغط يؤثر في السلطتين التشريعية والتنفيذية،فالقضايا التي
تتعلق بالعدالة ودعم حقوق الانسان والحريات تحتاج الي جهد صغير
لتوصيلها الي صناع القرار،لانك تسير فى اتجاه الريح
الطبيعى.وتتوزع جماعات الضغط الي جماعات تعمل علي القضايا
المحلية وجماعات تعمل علي قضايا دولية سواء مع الولايات المتحدة
او مع منظمات دولية، وهناك جماعات ضغط تعمل علي الاتجاهين
معا.وكلما كانت العلاقة بين الدولة الامريكية والدولة الاخري
التي يراد التاثير علي سياستها قوية واستراتيجية كلما سهل ذلك
دور جماعات الضغط كما هو الحال مع مصر،فالمسألة لا تتعلق بممارسة
الضغوط فحسب كما يتصور البعض او كما يفهم من معني لفظ جماعة
الضغط، ولكن المسالة تتعدي ذلك الي آليات اخري عبر الوساطات
التأثيرية بين مسئولي البلدين، والصداقات الشخصية، والمصالح
المشتركة، والالتزامات المتبادلة في الاتفاقيات الثنائية كما هو
الحال في اعلان برشلونة لدول حوض المتوسط،وهناك الضغوط المتبادلة
المتعارف عليها بين الدول،وهناك حوار للجان المشتركة بين
الدول،وهناك الزيارات المتبادلة بين المسئولين،وهناك ساحات
المنظمات الدولية.كل هذه الآليات تساعد علي عمل جماعات الضغط او
جماعات المصالح علي مستوي العلاقات الثنائية بين الدول.وقد سؤل
وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط في زيارته للبنان يو 25
اكتوبر عن الضغوط التي تمارسها مصر على الاطراف اللبنانية من اجل
الاستحقاق الرئاسي فاجاب "دعونا نسميها اهتمامات خارجية،وليست
ضغوطا"ونزولا علي رغبته نسميها نحن اهتمامات خارجية من اجل
الارتقاء بمستوي المواطنة وحقوق الانسان في مصر.
بقيت نقطة هامة، يمكن ان تكون جماعة الضغط مسجلة رسميا تحت هذا
المسمى كما يحدث فى امريكا، وممكن ان تقوم بمهام جماعة الضغط حسب
تعريفها السابق ولكنها مسجلة تحت اسم آخر، كاتحاد عمال مهنيين او
جمعية حقوق انسان او مركز ابحاث او مراكز للتاثير على الرأى
العام. وبناء على ذلك فان جمعيات حقوق الانسان بحكم مهامها تشكل
جماعات ضغط من آجل نشر الحريات وحقوق الانسان، ومراكز الابحاث
تمثل هى الاخرى جماعات ضغط، فهى لا تنتج دراساتها عبثا وانما
تقوم ببعض هذه الدراسات لجماعات ضغط مسجلة وجماعات مصالح ضخمة
كما انها تقوم ببعض الدراسات لتحقيق اهداف محددة خاصة بمركز
الدراسات ذاته.
اذن كل من يضغط ويعمل من آجل التغيير السلمى فى مجتمعه
والمجتمعات الاخرى بدون السعى للسلطة يشكل جماعة ضغط وفقا لتوصيف
مهامها.
جماعات الضغط اذن ممكن ان تكون كيان قانونى او مفهوم وظيفى، وفى
امريكا مثلا يوجد جماعات ضغط قانونية مسجلة كما ذكرت وجماعات ضغط
وظيفية، اى تقوم بالوظيفة فى التاثير السلمى على السلطة. ووفقا
للتعريف الوظيفى لجماعات الضغط فانه لا توجد دولة فى العالم تخلو
من وجود جماعات الضغط بها. والحقيقة ان اى طرح لا بد ان تكون
وراءه قوة ضاغطة لتنفيذه والا اصبح مجرد كلام عديم الجدوى، المهم
فى شكل هذا الطرح وهل هو يخدم المصلحة الوطنية ام لا؟، وهل له
مشروعية دستورية ام لا؟، وهل يتماشى مع المواثيق الدولية الداعمة
لحقوق وحريات الانسان ام لا؟.
وفى مصر هناك العشرات من جماعات الضغط المعروفة، ولكنها غير
مسجلة رسميا، واقواها اللوبى السعودى، ولوبى الاسلاميين، ولوبى
رجال الاعمال، واللوبى الليبى، والكويتى،والصدامى سابقا،...الخ.
ويعد الازهر اهم جماعة ضغط فى مصر تؤثر فى كل شئ من التحكم فى
سلوك الناس عبر الفتاوى الى الى الرقابة على النشر والابداع الى
وجوبية موافقته على القوانيين علاوة على تحكمه فى اكبر حزب فى
مصر وهو حزب الجمعة.
كما ان هناك مئات التصرفات التى تشكل محاولة للتأثير على السلطة
المصرية سواء من الداخل او بالتنسيق مع الخارج نذكر منها على
سبيل المثال:
●ما معني ان 70 منظمة دولية تساند مطالب الصحفيين المصريين بناء
على شكواهم للمجتمع الدولى لمنع عقوبة الحبس الا ممارسة لنوع من
الضغوط علي النظام المصري؟.
●ما معني ان تشتكي حركة كفاية الي الاعلام الدولي من انتهاك
حقوق المتظاهرين،وخاصة النساء، من قبل الشرطة المصرية الا ممارسة
لضغوط علي النظام المصري؟.
●ما معني شكاوي الاخوان المسلمين لمنظمات حقوق الانسان الدولية
والصحافة الدولية ولقاءتهم المتعددة مع مسئولين اجانب وبترتيب من
دول الا رغبة فى ممارسة ضغوط علي النظام؟.
●ما معني تقارير منظمات حقوق الانسان المصرية والتي ترسل
بانتظام الي مثيلاتها في العالم كله والتى تقتبس منها الصحافة
الدولية الا ممارسة لضغوط على النظام المصرى؟.
●ما معني ارسال اي معارض مصري شكواه لكافة المراسلين الاجانب في
القاهرة الا توصيل رسالتهم للرأي العام الدولي للضغط علي النظام
المصري؟.
●ما معني اللقاءات التي تتم بين الكثير من الشخصيات المصرية
لمعارضة الاوضاع في مصر مع اعضاء الكونجرس الامريكي واعضاء
البرلمان الاوربي وقيادات دولية علي اي مستوي في امريكا واوربا
الا لممارسة ضغوط علي النظام المصري؟.
●ما معني دعوة المنظمات الحقوقية في مصر ل"ماري روبنسون"الرئيس
السابق لمفوضية حقوق الانسان بالامم المتحدة عام 1999 اثناء
مناقشة قانون الجمعيات المدنية الا للضغط علي النظام المصري
لاخراج قانون متوازن؟.
● ما معنى بث فيلم تسجيلى عبر ال سى ان ان CNNعن ختان الاناث فى
مصر اثناء انعقاد مؤتمر الامم المتحدة للسكان الا كنوع من
الضغوط لوقف هذه العادة السيئة والمؤذية؟.
●ما معني مقالات بعض المصريين في الصحف الاجنبية الكبري وخاصة في
امريكا وبريطانيا الناقدة للاوضاع في مصر، وكذلك الاحاديث التى
يدلون بها الى هذه الصحف الا ممارسة للضغوط علي النظام المصري؟.
● ما معنى ما فعله الصحفيون المصريون عام 1995 ازاء ازمة القانون
رقم 93 ومناشدتهم للهيئات الدولية ومنظمات حقوق الانسان الدولية
الا ممارسة الضغوط على النظام المصرى من اجل حقوقهم؟.
● ما معنى دعوة الباحثين الاجانب والضيوف الاجانب في المؤتمرات
الحقوقية في القاهرة التي تتحدث عن حقوق المراة والصحافة
والاسلاميين ما هي الا نوع من ممارسة الضغوط على النظام المصرى؟.
● ما معنى النمو الهائل للمنظمات غير الحكومية حول العالم
وعقدها لمؤتمرات موازية لمؤتمرات الامم المتحدة الا كنوع من
ممارسة الضغط على الحكومات لتعزيز حقوق الانسان، حتى ان البعض
اعتبر هذه المؤتمرات الدولية بمثابة برلمان عالمى للشعوب بعيدا
عن بيروقراطية الامم المتحدة وفسادها وبعيدا عن برلمانات الدول
التى يسيطر المستبدون على الكثير منها؟.
● ثم ما معنى انشاء المحاكم الدولية الخاصة الا تقييد لسيادة
الدول فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الانسان. وقد نشط انشاء هذه
المحاكم الدولية بعد سقوط الاتحاد السوفيتى بانشاء المحكمة
الدولية ليوغسلافيا السابقة عام 1993، ثم محاكمات رواندا 1994،
ثم نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية الذى وقع فى 17 يوليو
1998، ثم انشاء المحكمة الجنائية الدولية، ثم لجنة التحقيق فى
الاغتيالات فى لبنان والتى ينتظر انشاء محمة دولية بشأنها، ثم
الاتهامات الموجهة لمرتكبى جرائم ضد الانسانية فى دارفور.
● وفي النهاية ما معني توقيع مصر علي اتفاقيات دولية الا ممارسة
لقيود علي الحكومات والانظمة من اجل تعزيز حقوق الانسان وما معني
التوقيع علي هذه المواثيق ما لم تخلق التزامات داخلية
باحترامها؟.ان اتفاقية فينا تجعل من توقيع الدول على المعاهدات
بمثابة تعهد بالتصديق ومن ثم خلق التزامات على المستوى الدولى
باحترام هذه الاتفاقيات محليا.
بعيدا عن خداع الذات وتسمية الفيل ارنب، هناك الكثير من جماعات
الضغط داخل مصر والتى تعمل على قضايا محلية واخرى دولية،فالعبرة
بالتعريف الوظيفى بالتأثير على السلطة سلميا بدون السعى الى هذه
السلطة. وفى مصر لدينا العديد من الجماعات التى تضغط بدون رغبة
فى الوصول للسلطة، والعديد من الجماعات التى تضغط لهدم السلطة بل
والدولة، ومع هذا نمارس السلوك المعتاد بنفى ان لدينا جماعات ضغط
ونفى اننا نقبل الضغوط....!!!؟؟؟
magdi.khalil@yahoo.com
إيلاف
http://www.elaph.com./ElaphWeb/ElaphWriter/2007/11/280148.htm