أقباط مقهورون
2006
الإثنين 30 يناير
"أقباط
مقهورون" هذا هو عنوان المقالة التي كتبها د. سعد الدين إبراهيم في صحيفة وول
ستريت جورنال بتاريخ 18/11/2005، وهذا الوصف يعبر بصدق عن الوضع المحزن الذي
وصل إليه الأقباط في مصر، حالة من القهر والقمع الإنساني، غليان من الداخل
وجحافل من الأشرار تمنعهم حتى من التعبير عن آلامهم. وأجهزة أمنية تتصرف وكأن
الأقباط أعداء للوطن وتسخر قدراتها بشكل شيطاني يزيد قهرهم ومعاناتهم
واضطهادهم.
حادثة قرية العديسات
قادتني إلى تحليل دور الأمن في أربعة حوادث تعرض لها الأقباط في الشهور
الأربعة الأخيرة منذ أحداث الإسكندرية في أكتوبر 2005 إلى أحداث قرية
العديسات 18 يناير 2006، والأمر يحتاج إلى إسهاب مستقبلا في بحث مطول عن هذا
الدور الأمني العدائى للأقباط فى العقود الثلاثة الأخيرة.
أولا: حوادث محرم بيك بالإسكندرية
سأعتمد
هنا على شهادة رجل مسلم وطني هو الأستاذ حسني عبد الرحيم السنكري، مرشح
الفئات عن دائرة كرموز في الانتخابات الماضية حيث كتب مقالة في جريدة الأهالي
بتاريخ 26 أكتوبر 2005 كبلاغ من شاهد عيان عن أحداث الإسكندرية لمن يهمه أمر
هذا البلد. وقد حمل الكاتب أسماء بعينها مسئولية التحريض على أحداث العنف ضد
الأقباط فى الأسكندرية منهم، الشيخ أحمد السيسي أمام مسجد التوحيد بكرموز.
وأسهب في دور الأمن في هذه الأحداث المؤسفة. وأيضا في تحالف الأمن والسلفيين
المتطرفين في هذه الأحداث. رجح الأستاذ حسني دور الأمن من خلال شواهد لا
تخطئها العين. - الجريدة التي نشرت موضوع ال CD
يعرف الجميع صلاتها بالدوائر الأمنية وصلة مؤسسها الراحل بالجهاز
الأمني.- البلطجية و المسجلين خطر ومعتادي الأجرام الذين شاهدهم أمام
الكنيسة، واعتدوا عليها وعلى ممتلكات الأقباط، الغالبية منهم يرتبط بصلات
مريبة مع أجهزة الأمن.- السلفيون من رواد مسجدي غيط العنب وكرموز الذين
عسكروا أمام الكنيسة وقادوا التخريب هم في الحقيقة ذو صلات ملتبسة بمباحث أمن
الدولة.- قادة الأمن تعاملوا دون حزم بل بالعكس برحابة صدر مع المخربين ولم
يتدخلوا بحزم إلا عندما أدركوا أن الأمور قد تفلت من بين أيديهم.
وختم الأستاذ
السنكري شهادة بالقول "أعلن للجميع أن وراء هذه الفتنة أصابع لجهاز أمني يخطط
لتخريب الانتخابات حتى عن طريق تقسيم الشعب إلى طوائف ولتمرير مرشحي الحزب
الوطني، وهذا بلاغ للرأي العام ولجهات التحقيق، وهي أمانة أؤديها كمواطن
يساري يعمل على كسب تأييد المواطنين لبرنامج يدعو للعدل والمساواة".
الحادثة الثانية: قضية ماريان وكريستين
صبيتان
يذهبان إلى مدرستهما ،استدرجا أو اختطفاأو حتى أقتنعا بالإسلام لا يلغي تكامل
أركان الجريمة وفضيحة التواطئ الأمني.- الفتاتان قاصرتان وفقا للقانون المصري
واحدهما كانت أقل من خمسة عشر عاما وقت اختفاءها.- أهلهما يقدمان بلاغ للشرطة
في 2 ديسمبر 2003 وبعد حوالي سنتين، حفت أقدامهم خلالها على أقسام الشرطة مع
بلاغات لكل مسئول عن استقرار هذا البلد ولا مجيب، وخلال أربعة وعشرين ساعة
فقط بعد تدخل
الرئيس وأوامره
للشرطة بالبحث عن الفتاتين، تعلن الشرطة في بيان فضيحة في حد ذاته، أنهم
عثروا على الفتاتين وأنهم متزوجتان ،وهذ نص البيان الفضيحة ،"أن الطفلتين
فتاتان بالغتان وانهما غير مخططفتين، ودخلتا الإسلام ويعيشان مع زوجيهما
توفيق وعمار وانجبا منهماولدا وبنتا، ويناشدان والدتهما أن تعيش حياتها
وتتركهما يعيشان حياتهما دون مشاكل".
ولم يقل لنا أحد
لماذا تقاعست أو الأصح تواطئت الشرطة خلال عامين، ولماذا لم تقبض على المأذون
الذي عقد هذا الزواج غير القانوني، ولماذا لم تعاقب هذين الشابين بتهمة خطف
واغتصاب فتاة قاصر وتقديمهما لمحاكمة
عاجلة.
وإذا كان الأمر كذلك بأن تدخل التلميذات المسيحيات الصغيرات مع من غرر بهن
إلى أقسام الشرطة ، ويخرجون وهن حوامل منقبات، وكل ذلك يتم تحت أعين ومراقبة
هذا الجهاز المنوط به حماية أمن المجتمع والقانون ،عند هذا الحد من الأفضل
تغيير شعار الشرطة، من "الشرطة في خدمة الشعب" إلى "الشرطة في خدمة التطرف
الإسلامى".
الحادثة الثالثة: حادثة قرية كفر سلامة بالشرقية
وأعتمد
هنا على رواية محرر صحيفة العربي العدد 991 ، تتلخص القصة فى مشاجرة بين
مسيحي ومسلم مات خلالها المسلم من ضربة أودت بحياته. هل في هذا شيء غريب أو
عجيب، في كل دول العالم المحترمة وحتى المستبدة يقدم الجاني للقضاء ويأخذ
عقابه وفقا لقواعد القانون وملابسات الحالة، ويتاح له كل الدفوع القانونية
عبر محاميه، يحدث ذلك مع عتاة الإرهابيين في العالم ولا ننسي المحاكمة
الطويلة لعمر عبد الرحمن وزكريا الموسوي في أمريكا، وأبو حمزة المصري في
لندن، وصدام حسين فى بغداد وغيرهم الكثير، وهم متهمون بأعتي الجرائم. ولكن في
دولة تشجع العنصرية مثل مصر وحكومتها تتصرف بطريقة عنصرية فجة واضحة يحدث
سيناريو مختلف.
المساجد
تنادي ألحقوا أخوانكم المسلمين، وجحافل من البشر تتوافد لنصرة الأسلام،
ويحدث السيناريو المكرر والمألوف، حرق ونهب وسلب لأموال الأقباط وتتدخل
الشرطة بعد تأديب الأقباط على طريقة
البربر،
أما ما حدث بعد ذلك فهو أغرب جلسة صلح تمت في تاريخ مصر الحديث.
إذا اجتمع سكرتير
عام المحافظة ومأمور مركز منيا القمح وأمين عام الحزب الوطني بالشرقية
وأصدروا الفرمان التالي:
أولا:دفع دية
لأهل القتيل المسلم نصف مليون جنيه، تفرض على كل مسيحيين القرية.
ثانيا: يخرج
الجاني وأبناؤه من القرية إلى أي مكان في مصر.
لا تعليق وأترك
القارئ ليتأمل هذا الحكم القراقوشي.
الحادثة الرابعة: حادثة قرية العديسات
كنيسة تم
هدمها عام 1968 بتحريض من والد عضو مجلس الشورى الحالى ويجاهد الأقباط لأربعة
عقود من أجل الحصول على ترخيص لافتتاح هذه الكنيسة التى أعيد بناءها على
مساحة 350 متر كما قال القمص صرابامون الشايب قسيس الكنيسة وتخدم 420 أسرة
من الأقباط فى هذه القرية. في 18 يناير 2006 وفي ليلة عيد الغطاس تكرر
السيناريو الغوغائي، المئات تجمعوا و انقضوا على الكنيسة ومنازل المسيحيين
وعاثوا فيها سلبا ونهبا. وقد أدي ذلك إلى وفاة كمال شاكر مجلع وطفل أخرعمره
9 سنوات من واقع الصدمة أسمه جرجس أسعد وإصابة 14 شخص نقلوا إلى المستشفي.
الخطير هو ما صرح به القمص صرابامون الشايب بأن مدير الأمن محمد نور قال له
"الأمن
الموجود مش لحراستك وإنما لمنعك من الصلاة".
وهذا يوضح دور
الأمن في كل الحوادث والظاهر جدا من أحداث الكشح إلى حادث العديسات، ولا ننسي
دور النبوي إسماعيل في أحداث الزاوية الحمراء والذي أدانه بشكل واضح الراحل
اللواء حسن أبو باشا.والأكثر غرابة بيان وزارة الداخلية عن الحادث والذى جاء
فيه عن أسباب
الحادث "إنهم
يصلون فى الكنيسة بغير ترخيص الأمر الذى أدى إلى أستثارة الأهالى"!!!.
وقد وصف ماجد
عطية الحادث فى صحيفة الأهالى "تجمع الامن بظباطه وجنوده مع عضو مجلس الشورى
الحالى وعضو مجلس الشعب السابق وخلفهم جمع من أهل القرية تم شحنه بالفتنة...
فذهبوا يحرقون ويدمرون ويقتلون ... فما منعتهم صرخة
طفل ولا
استغاثة فتاة" ( جريدة الأهالى 25 يناير2006).
فى التقرير
المفصل التى كتبته صحيفة الاهالى تحت عنوان " فضيحة فى الأقصر" تقرأ العجب "
عضو مجلس الشعب السابق وفقا لشهادة شاهد عيان كان يشعل النيران بنفسه فى
منازل المسيحيين. هذا الشخص نفسه كان يعقد أجتماعات يومية مع الشباب ويحثهم
على منع أقامة الكنيسة.الأقباط طلبوا من الأمن تامين وحماية الكنيسة خلال
صلوات عيد الغطاس ، وبدلا من ذلك توجه وفد من مديرية الأمن وطلب إزالة الصليب
ومنع إقامة شعائر الصلاة بدعوى أنه لا توجد قوة كافية لحفظ الامن. سيارات
الأطفاء قامت بدور المتفرج بعد قطع المياه والكهرباء عمدا"،( جريدة الاهالى
25 يناير 2006).
وهنا أترك إقبال بركة
تتسائل "لا أفهم لماذا تنشال الدنيا وتنهد لأن بعض المصريين رغبوا فى بناء
كنيسة فى قريتهم التى تقطنها خمسون عائلة ولا توجد كنائس اخرى لمسافة 30
كيلومترا ولا يتحرك احد عندما يبنى بين كل جامع وجامع,جامع ثالث؟ لماذا تقوم
معركة ضارية فى قرية صغيرة أسمها العديسات لان الأقباط قرروا تحويل بيت بها
إلى معبد؟ ولماذا لم تقم قائمة الناس عندما تحولت الجراجات والبوتيكات إلى
زوايا على بعد أمتار قليلة
من جوامع
ضخمة كما هو حادث فى منطقة المهندسين على سبيل المثال؟ ما هذا الهراء الذى
يتردد فى بعض الصحف حول أحقية المسلمين وعدم أحقية الأقباط فى بناء معابدهم؟"
( جريدة الاهرام 25 يناير 2006).
فى كل مرة يشير
الأقباط ومعهم شهود عيان وجمعيات حقوقية على أسماء بعينها متورطة ولكن لا
عقاب ولا حساب ولا قانون ولا عدالة والسيناريو واحد وسيستمر فى غياب مفهوم
الدولة الحقيقى.
هذا
الدور الأمني العدائي والتحريضي ضد الأقباط هو ضد القانون، وضد الوطنية وضد
العدالة، وضد الإنسانية وضد العدل الذي يوصي به الله خليقته. من ضمن ردود
الفعل التي أثيرت بعد أحداث قرية العديسات، أختار ردين مهمين
الأول:
هو البيان الصادر عن حركة كفاية والذي طالبت فيه الحركة بتحقيق عادل ونزيه
وفوري في وقائع هذه المأساة الأخيرة، وبمحاسبة سريعة لكل المتسببين فيما نتج
عنها من نتائج بالغة الخطورة. وتعلن الحركة مجددا، النضال من أجل تحويل مصر
إلى وطن لكل المصريين، بلا تمييز أو انحياز وعلى أساس مبدأ المواطنة، في ظل
نظام ديموقراطي حقيقي".
وهذا موقف وطني
واضح يقرب حركة كفاية أكثر ليس من الأقباط فحسب وإنما من التعبير عن الضمير
الوطني للمصريين.
الثاني:
هو تصريحات النائب الأول لمرشد الأخوان المسلمين محمد حبيب والذي قال:" أن
الجماعة ليس لديها مانع من إصدار قانون موحد ينظم بناء وترميم وصيانة دور
العبادة في مصر، على أن يراعي الكثافة السكانية ونوعيتها والتوزيع الجغرافي".
وأضاف "أن مثل هذه البيانات من الممكن أن تؤكد أن الكنائس الموجودة في مصر
كافية أو زائدة عن الحاجة!!!". ولم نسمع أي تصريحات إدانة أو مطالبة بتحقيق
فوري صادر عن الجماعة، وإنما كشف عن شكل القانون المزمع طرحه بواسطة الأخوان
المسلمين والذي قد يكون أداة لمنع لبناء الكنائس وليس تسهيل البناء ، وهو
كلام عجيب يحتاج أن لا يمر بسهولة ويحتاج إلى تفصيلات واضحة.
بقي أن نقول أن
الخيارات أمام الأقباط لكي يكونوا قوة يعتد بها أن يسعوا لبناء قوة سياسية في
الداخل ويسعون للتركيز على المطلب الرئيسي في التمثيل النسبي بنسبة 15-20% في
كل المناصب في مصر والمجالس المنتخبة، وهذا هو السبيل الذي يحقق لهم الفاعلية
السياسية والحماية.
فلا
يمكن أن تحاك المؤامرات ضدهم إذا كان هناك 20% منهم في أمن الدولة أو
المخابرات.
ولا يمكن
أن تؤخذ سياسات ضدهم في اجتماع المحافظين إذا كان هناك أربعة أو خمسة محافظين
منهم.
ولا يمكن أن يحدث
هذا الهجوم والتواطئ الأمني ضدهم إذا كان 20% من رجال الشرطة أقباط.
ولا يمكن أن يستهين
أحد بهم إذا تحولوا إلى قوة سياسية تصويتية انتخابية، وواقع سياسي معاش من
خلال تواجدهم في كافة درجات الهيكل السياسي في مصر.
على
الأقباط أن يكفوا عن الطلبات الصغيرة ويركزوا على هذا الطلب وهو في حد ذاته
يحتوي العديد من المطالب الصغيرة التى ينادون بها. أما أقباط الخارج فوسيلتهم
الوحيدة الأساسية هي دفع قضية الأقباط نحو التدويل الفاعل والواسع، ومساعدة
مصر كلها نحو الأخذ بالديموقراطية الحقيقة، ودفع مطالب الأقباط بالتمثيل
النسبي المشار إليه ليكون مطلبا رئيسا لأقباط الداخل وأقباط الخارج.
تذكروا ماذا كان
اللبنانيون يقولون عن المخابرات السورية، وكانوا يكلمون أنفسهم ليلا نهارا
ويقدمون كل أنواع الدلائل على العربدة السورية فى لبنان، ولم يسمعهم أحد فى
المنطقة إلا عندما تدخلت الأرادة الدولية وأرغمت المخربين على الفرار ،والآن
يدافع المسئولون السوريون عن أنفسهم وهم فى حالة هلع على كراسيهم.سيظل
الأقباط يكلمون أنفسهم بلا طائل طالما أنهم لم يلتحموا بعد بالأرادة
الدولية
القادرة على
تحقيق
العدالة.
magdikh@hotmail.com |