نجمة المجوس في قدس الشام
فهان كيراكوس* سوريا
25/
10/2006
لا قدرة لي على لملمة الجزيئات و الشذرات المبعثرة هنا و هناك، و
خاصة عندما يكون ال هنا و ال هناك أبعادا فلكية و ليس بضع مئات أو
آلاف من الأميال في اتجاهات الكون، و الأفضل أن أقول اتجاهات
الرياح، لأن في هذا التعبير إمكانية أن تقبض على أصغر بُعْدٍ
هندسيٍّ، و أن تشفط أصغر جزيئة- حتى لو كانت مجهرية- و ترميها في
مختبرك أو مرسمك كي تُقْبِلَ عليها فيما بعد كيفما كنتَ، و في أيَة
حالة كنت، و تبدأ بتركيب قطع الفسيفساء في أماكن تختارها أنتَ و في
حالتك اللحظية تلك، و أيضا تأخذ فراشيك ذات القياسات المختلفة و
الطبيعة المختلفة، لِ تحمل تلك الشذرات و تمزجها كيفما شئت و في
أيَّة حالة كنت، و تطرطشها على الخامات التي تختارها أنت دون
مداراة أو مراعاة أو كيدية، فَ الحالة التي تجرّكَ إلى صومعتك لا
تأبه لغضب الطبيعة أو رقتها، و لا لمقاييس الزمان و المكان في
توصيف الأشياء و تعريف الحدود، و تحديد أل يجوز و اللايجوز، الممكن
و غير الممكن، الحلال و الحرام، العفة و اللاعفة، الحشمة و
اللاحشمة، تلك الحالة الكونية هي المواجهة الحقيقية بين طبيعة
الأشياء و جوهرها الليلكي و بين نواميس موضوعة باصطناع أخرق، و
مخالفة لقوانين الطبيعة و العلاقات الموضوعية بين مكوناتها
الفيزيائية و الفلكية؛ فَهل يمكننا إخفاء الشراكة العضوية بين قطبي
الكرة الأرضية، هل يمكننا إلغاء حقيقة التحالف الخالد بين النور و
الظلام، بين الأسود و الأبيض، بين الخير و الشر؟؟
إنها الحقيقة التي يجب ألاّ تكون كَ الجهل، فطالما أنها مختفية،
فهي كامنة في نفسها، و لكن عندما يتم التعرف عليها فَإنها تغدو
أقوى من الجهل و تعطي الحرية، و أيضا تكون المقارنة
صحيحة بينها و بين الشر، فَطالما بقيت جذور الشر مختفية فَإنها
قوية، أما عندما يتم كشفها و التعرّف عليها، فَإنها تتفسّخ، لذلك
يتوجب على كل منا أن ينقِّب عن جذور الشر في نفسه و يقتلعها من
قلبه حتى أساساتها و ذلك عن طريق تعريتها و معرفتها، فإذا لم
نعرفها، فإنها تضرب أكثر في الأعماق و تعطي ثمارها في قلوبنا، و
مَنْ لم يعرف نفسه لم يعرف شيئا، و لكن مَن عرف نفسه حَقَّقَ معرفة
بِأعماق الكل.
*** *** ***
كم ميلاً تبعدين عن القلب يا نور العين، يا قدس المحبة و السلام،
أنتِ ملكوت الله عند الجميع، و كل الإخوة الأعداء يعترفون بكِ
مقاما لِالربِّ و الناموس، و الكل يختلف فيكِ. أنتِ المدينة التي
أنزلها الله بللوراً شفَّافا من السماء قُرْبَ بئر السبع أو أرض
جلعاد و دلمون، كنتِ مزارا و مقاما للملائكة و القديسين و النساك
دون الأنبياء جميعا، لأنه لا نبوَّة في الكون، و لأن هذه الحكاية
كلها من البداية للنهاية كلام في كلام.
لنذهب إلى قدس البداية، القدس التي غسلها نهر الأردن، قدس الحمامة
لا قدس أعمدة النار و الدخان، قدس المحبة لا قدس الجبروت و الغضب و
الانتقام، قدس الخصب و الحياة لا قدس الأوبئة و الموت و الدمار،
قدس العطاء لا قدس الطوفان و زنى سدوم و عمورة، هيَّا أيها السوري
إلى قاديشا سورايا، إلى قدس سوريا، إلى الإحداثيات التي ترسم بيت
إيل، إيليا، القدس، و ليس سواها، لندخل إلى الكنيست و نقول لهم، أو
دعني أقول لهم، للشعب اليهودي، لمواطني دولة إسرائيل: ها نحن، أو
بِالأصحّ، ها أنذا أمامكم و بينكم، أتحدَّث معكم، و أكلّمكم باسمي
و باسم الذين يريدون توجيه رسالة السلام إليكم، أقول لكم بأننا لم
نخطِّط لِإبادتكم، لا بل لم تخطر لنا على بال مثل هذه الأفكار
الهمجية، نحن بيننا مشاكل حياتية قابلة لِالحلِّ و التسوية
العادلة، لدينا حقوقا بِذمتكم، و لديكم شكوكاً تجاهنا، إننا نقف في
هذه اللحظة التاريخية أمام أحد الرموز الكونية التي تمثِّل الحياة
بِأشكال مختلفة، و نحن- كما ترون- لم نخش من المجيء إليكم و الوقوف
تحت قبة برلمانكم و نجمتكم السداسية، لأننا نحن أيضا لدينا رمزا
كونيا كَنجمتكم تماما، فَلدينا الزوبعة التي تمثِّل حركة الكون و
تجدد الحياة عبر تعاقب الفصول
الأربعة المتمثّلة في الأجنحة الأربعة للزوبعة الكونية تماما مثل
الرمز الكوني لِالجرمان، و الذي اختطفه هتلر و جعله رمزا لحزبه و
نظامه و سلطته ( الصليب المعقوف)، إنه أيضا يمثّل تعاقب الفصول
الأربعة في حركة الحياة، و نجمتكم هي الأخرى تمثّل، بشكلٍ من
الأشكال، حركة الحياة، و ذلك من خلال الرمز العشتاري للخصوبة و
الولادة، فهي تمثّل التداخل الواضح بين الذكر و الأنثى، التزاوج
بينهما، و بالتالي التوازن الكوني عبر الركائز الست للنجمة، فكل
رأسين متقابلين هما عنصر توازن للشكل، و بالتالي يكون التداخل
التزاوجي عنصرا من عناصر التوازن الكوني، تماما كما الأجنحة
الأربعة في الزوبعة السورية و الصليب الألماني المعقوف.
إننا أحفاد السوريين أصحاب الثقافة الرفيعة، و الفلسفة العميقة،
إننا نشترك بِجذرٍ ثقافيٍّ ملؤه الفلسفة و التأمل الروحي ذي الهدف
الإنساني النبيل القائم على التجدد و العطاء و التوازن، أي الحياة
و السلام، بعكس الشعوب و الجماعات التي لا تعترف بِالفلسفة و
الحُبّ و السلام، هؤلاء الذين أعلامهم و بيارقهم تحمل شعار القتل و
الموت، هؤلاء لا ثقافة لديهم، أي أنهم لا يؤمنون بِ حَقِّ الآخر في
الحياة، إنهم لا يؤمنون بِالتوازن الروحي والسلام الداخلي و
العالمي، لذلك نراهم مدمنين على لعْقِ الدماء و قَتْلِ الأرواح و
دَفْنِ الأجساد؛ إنهم يزغردون
و يوزِّعون الحلوى كلما قُتِلَ منهم، أو قَتَلوا منهم. إن هؤلاء
يكرهون خصوبة نجمة داود، لا يريدون العيش بسلام مع اليهود، لا بل،
لا يعترفون بهم كَ بشر، فهم( = اليهود) في منظور عقيدتهم و دينهم
قردة و خنازير و أولاد الأفاعي و المغضوب عليهم، و أن أعلامهم و
راياتهم تحمل شعارات و رموز القتل بِأمْرِ الله الواحد الجبَّار
القهَّار، فَإمَّا أن تحمل شعار الأمة و تحته سيف الله المسلول، أو
أن يكون الكلاشنيكوف الروسي( الكافر) فوق اسم الله في راية حزب
الله الفارسي، و الأمر المحيِّر هو أن مرجعيات تلك القوى و
المنظمات الحربجية الثوروية تتعامل و تتحاور و تتاجر مع هؤلاء
القردة و الخنازير، فَزعيم الثورة الإسلامية، آية الله روح الله
الخميني، كان قد بارك هؤلاء القردة و الخنازير، و افتتح الجسر
الجويّ بين طهران و تل أبيب إبَّان حربه ضد العراق، و الذي حصل
الفرس من خلاله على الأسلحة و العتاد الحربي المتطور من دولة
إسرائيل التي هي
( اليوم ) في مرمى القنبلة النووية الفارسية التي يهدِّد بها
السيد أحمدي نجاد رئيس الدولة الإسلامية في بلاد فارس و الذي لا
يخفي هدف نظامه في إزالة إسرائيل من الوجود، أمَّا أحدث قبول و
اعتراف بِهؤلاء القردة و دولتهم، كان في المبادرة العربية التي
قدَّمها ملك السعودية في القمة العربية في لبنان. فإذا كانت
المرجعيات الأساسية، أو بِالأحرى المرجعيتين الحصريتين( السنة و
الشيعة ) تتعاملان مع دولة إسرائيل، فما معنى أن يخرج علينا عباقرة
الجهاد و القتال من السنة و الشيعة( السيد أحمدي نجاد، و السيد حسن
نصر الله الذي فتح حربا مدمِّرة على لبنان الرهينة، و السيد هنية
و السيد خالد مشعل و السيد أسامة حمدان و غيرهم و غيرهم...) و
يعلنون صراحة بِ أنهم لا يعترفون بِإسرائيل، وأنهم سوف يزيلونها من
الوجود, و هذا الهياج الغريزي و العقيدي الذي يتم تفعيله من غزة
إلى إندونيسيا مرورا بالجزائر و الصومال و جزر القمر.
إنهم جنود الله الذي دمَّر ركائز التوازن الكوني، و استبدل السلام
الروحي بِالهَيَجان الغريزي، و الجيرة الحميمة بِالغزوات الظالمة و
الاعتداءات الغادرة على الحياة، و اعتبار كلّ متحرِّك هدفا و فريسة
و صيداً مستباحا، آمرا جنوده بالقتال حتى تدمير كل الرموز الكونية
التي تسمو فوق الغدر و الحقد و القتل؛ فَها هم مقاتلو حزب الله و
مصارعو قِلاع يثرب و مغاوير سرايا القدس يعبثون في تاريخ و تراث و
معتقدات شعوب تلك البلدان التي كانت من منارات الثقافة و الفلسفة و
الآداب، فَأسياد الأصولي الثوروي أحمدي نجاد هم الذين دمَّروا و
حرقوا ثقافة الشعب الفارسي، هم الذين استبدلوا آلهة الحُبِّ و
الجمال و الخصب بِإناث لِاللذة و الجنس المباح، و أسياد العلاّمة
العبقري زغلول النجار هم الذين قتلوا إيزيس و أوزيريس و ثمرة
زواجهما هوريس، هم الذين قضوا و بوحشية لا مثيل لها على روح شعب
بِالكامل، على انتمائه و ثقافته؛ إن السلام لن يسود العالم ما لم
نعترف بِإنسانية كلِّ البشر، فلا يمكن أن نستمر بِتحقير الشعوب
التي لا تؤمن بِعقيدتنا و شريعتنا، فَعلينا أن نعتذر منهم على
الأوصاف اللا إنسانية التي نطلقها عليهم و أن نوقف هذا التحريض
الخطير على قتل الآخر، و أن نرتقي إلى مخاطبة العقول لا الغرائز، و
أن نعترف بِكلِ البشر و بِحَقِّ كل الشعوب في الوجود و العيش تحت
سقف أيِّ قانون هم يختارونه، و بالطبع حقّنا نحن أيضا بِالعيش
الكريم الحُرّ في ظلِّ أيِّ قانون و شريعة نختارها نحن، و بشرط
ألاّ نجْبِر الآخرين بالخضوع لِتلك القوانين و الشرائع، السلام
سَيعمّ العالم عندما نحترم خيارات بعضنا و ثقافات بعضنا، عندما لا
يحتكر أيّ منّا الحقيقة المطلقة، و عندما نطلق سراح الله من
معتقلاتنا، عندما نراه فراشة بيضاء، لا ماردا جبَّارا يتوعَّدنا
بِالقتل و التعذيب، عندما نحسّه نسيما لطيفا، لا إعصارا مدمِّرا،
عندما نرى الورود في يده، لا سيوفا و سواطير مدمّاة، عندما نراه
حبّا و سلاما، لا حقدا و كراهية، و عندما و عندما و عندما......
|