دمشق بين مخالب الفارسي و أنياب الأموي
فهان كيراكوس
سوريا*
20/01/2006
عندما هبَّتْ
عاصفة الصحراء الأولى، راحت بلاد الشام في مهبِّها، حيث اجتاح الغبار
المُشْبَع بِ السُّلاء
( شوك النخل،
المفرد سلاءة ) منازل الشام و غوطتها الغنَّاء، و راحت حوافر الخيل تدنِّس
مقدَّسات الدمشقيين، و سيوف الصحراء تضرب الرقاب فوق الأعناق، و تضرب منهم كل
بنان، و كان سيف الله المسلول يقتلهم، و كان الله هو الذي يرميهم بِ الموت، و
يفرض عليهم بِ الحديد و النار ولاء جديدا غير الولاء السوري، لقد قضى فرسان
الصحراء على آلهة الشام و انتمائها، و لم تنجهم الأذن التي كانت تصغي لِ كلِّ
نأمةٍ في الرمل، و كلِّ تفجُّر أخضرٍ في الشجر القاهر لِ كلِّ عداوات الرمال
و الريح الهوجاء و عويل الكهوف.
نعم. لم يشفع
لهم حبّهم للحياة و عناصرها الدافئة، و لم يعينهم استقرارهم المديني و
رعايتهم لِ الأرز و سنابل القمح و شقائق النعمان و تسلُّق اللبلاب و إطلالة
الياسمين على فضاء دمشق الخالدة، دمشق التي أحَبَّها أهلها أكثر من حياتهم،
هؤلاء الذين أبَوأ أن تُمَسَّ ورودها بسوء، و أن تُكَسَّرَ أبوابها
المقدَّسة، كانوا يعرفون البدائي مِن غيره، و يميِّزون الغزاة الغلاظ الهمج
عن غيرهم، و لذلك سلَّموا مفاتيح البلاد لِ جنود الله و أصحابه كي يحافظوا
على سلامتها و رقيها و معالمها و جمالها و معابدها، لكنهم لوَّثوا دمشق، و
حَقَنوا هواءها بِ سموم الخُماسين، و حطَّموا بابها المقدَّس ليبقى جنوبها
جرحا نازفا مشرعا لِ زوابع الصحراء التي كَبَّلَت روح الشام، و قلَّبَت
سماءها و جَرْجَرَتْها إلى الكهوف المعْتمة الموبوءة، تلك الزوابع، هي بِ
التحديد التي مَنَعَت و تمنع دخول أشعة الشمس إلى بلادنا، هي التي قطعت و
تقطع الهواء النقيَّ عن بلادنا، هي التي أغلقت أبوابنا و نوافذنا و سماءنا عن
الآخرين، هي التي ربطت اسم كل شخص و حجر بِ سيِّد الصحراء، هي التي حرقت
تاريخنا و كتبنا و معتقداتنا و أبطالنا و أساطيرنا و رموز بلادنا، هي التي
أفرغت بلاد الشام من جوهرها، هي التي فرضت حجارة الصحراء و رمالها و عقالها و
سيوفها و نكاحها و قَتْلها و قتالها و الوتر الوحيد الأوحد من ربابتها على
أبناء و بنات الشام، أصحاب الغوطة الخضراء و حقول القمح و كروم العنب، و
بساتين الزيتون و غابات الأرز و الصنوبر و البلوط؛ عاصفة الصحراء تلك، هي
التي حقَنَتْ روح شبابنا و شاباتنا بجرثومة الظلام و الحقد و الانعزال، هي
التي قَصَفَت أجنحة بلابلنا و فراشاتنا، هي التي حَجَبَت نور النهار و ندى
الربيع عن أبنائنا و بناتنا، هي التي اختزلت الجميع في أعضاء تناسلية ليس
إلاَّ، هي التي جعلت الرجل لا يرى المرأة إلاَّ عضوا تناسليا يسير في
الطرقات، لذلك أوجبت حجبها عن عيون الذكور، أو بِ الأصحّ، عن أعضاء الذكور،
كي لا تكون فتنة النكاح في كلِّ مكان تظهر فيه هذه الروح المبدعة الخلاَّقة
الجميلة، و هكذا راحت ثقافة الصحراء، ثقافة القتل و النكاح تسدل الوشاح
الأسود على دماغ الشام، و تملأ كتبنا و مناهجنا بِ مفردات و مصطلحات و عبارات
قمعية، زجرية، إرهابية، غرائزية، غيبية، عنصرية...إلخ.
هذه الزوابع
الرملية أسَرَت الشام و جعلتها رهينة الفارسي و ابن أبي سفيان، الفارسي الذي
خَنْدَقَ العقل البشري، و أهال عليه كثبان الرمال و تركه هناك موؤدا في وحشة
الصحراء و غدْرها قُرْبَ اللات و هُبَل؛ فَ إمَّا أن تبقى جارية لأحفاد فيروز
شاه ابن الملك ضاراب، أو أن تبقى جارية لأحفاد عثمان و عمر و معاوية و كل
حجَّابهم و رعاتهم الجهلة الأميين.
بالأمس غادر
الأموي الشريك إحدى قصور الشام قاصدا عاصمة النور و الحرية، لِ إكمال طاقمه
استعدادا لتحكيم ابن العاص بينه و بين رئيسه في أرض الشام، فهو لم ينس مخزون
الغدر في تراث فرسان الرمال، و لم ينس كلَّ المهرِّجين الذين كان له الدور
الكبير في إعطائهم أدوار مختلفة في السيرك السوري، بالطبع منهم مَن سُمِّي
وزيرا و مَن سُمِّي رئيسا لِ الوزراء، و آخرون سُمُّوا نوابا في مجلس البعث
الثوري، و كان آخر ظهور لهذا المجلس المسلّي هو يوم النواح و الشتائم و
السباب على الرفيق المحترم نائب رئيس الجمهورية، و المشهد لم يكن غريبا على
الأحرار أصحاب الكلمة الحرَّة و الرأي المستقل، فَ نحن لم نفاجأ بِ ذاك
التهريج الذي تم في صالة التمثيل، لأننا نعرف المنشقَّ و نعرف رفاقه أو
بالأحرى شركاءه، و نعرف التجاوزات التي ارتكبوها، وحجم الإفساد الذي أحدثوه،
و المليارات التي نهبوها من قوت الشعب المغلوب على أمره، إنهم أفسدوا البلاد
و العِباد، جوَّعوا الشعب، و سَمَّموا هواء و تراب الوطن، إنهم دفعوا البلاد
إلى كهوف و مغاور الأصولية، إنهم يحوّلون الشام إلى تورا بورا الملاّ عمر و
طهران الملالي أحفاد الفارسي صاحب أسد الصحراء، العارف بِ أسرار كتب اليهود و
توراتهم و إلههم، و التي انزلقت إلى متن كتاب الصحراء، حيث ثبَّتَ أنْ لا إله
إلاَّ الذي آمنت به بنو إسرائيل، و أكَّد على تفضيل الله لِ بني إسرائيل على
سواهم من شعوب الأرض، ممهِّدا الطريق لاعتبار، أو استحصال الإقرار من الله
على أفضلية أبناء الصحراء على غيرهم من الشعوب، و هكذا فَ الفارسي حفيد
الفارسي، لم يقطع التواصل و الاتصال مع الإسرائيلي، حتى أن الفارسي نفسه
أعادهم ( مشكورا ) من بابل إلى ديارهم أورشليم، إبَّان احتلال كورش لبلاد ما
بين النهرين، و الفارسي نفسه استنجد بِ زعماء إسرائيل في أواسط الثمانينات من
القرن المنصرم، إبَّان الحرب العراقية الفارسية، حيث تم إنشاء جسر جوِّي بين
تل أبيب هرتزل و طهران الخميني، لِ نَقْل أسلحة و تكنولوجيا و خبراء و جواسيس
من إسرائيل إلى إيران دعما و دفاعا عن نظام الملالي في طهران، و عُرِفَت
الفضيحة وقتذاك بِ ( إيران غيت ).
السؤال
الأساس و الأهم اليوم هو:
لماذا تسمح
الشام لِ هؤلاء الفرس أعزاء بنغوريون و حلفاء تل أبيب بِ توريطنا في مسائل
عالمية، و إيصالنا إلى الهاوية / و ليس حافتها / بدعوى الصراع الأبدي و
الوجودي مع إسرائيل، حلفاء كورش و قمبيز و الشاه و الملالي؟
لماذا تسمح
الشام لِ هؤلاء بِ إنشاء ميليشيا شيعية صرفة بدعوى مقاومة إسرائيل، و ربطها
بنا، في الوقت الذي تُبارك إسرائيل الاحتلال الفارسي لِ الأراضي العربية؟
إني أطالب
الدولة الفارسية بِ الكفِّ عن التدخل في شؤوننا الداخلية، و أقول للزعماء
الفرس التالي:
إذا كان هناك
ثمة مؤامرة على العرب، فَ أنتم الطرف الرئيس في هذا التآمر، أنتم ركن أساس في
هيكل التآمر، و لديكم مخطط لتفتيت الدول العربية واحدة بعد أخرى، و مخطط
للقضاء على ما تحقق من سلطة لِ الفلسطينيين على أرضهم، و ذلك من خلال دعمكم و
تحريضكم لِ الأصوليين الفلسطينيين بِ عدم الموافقة على الحل السلمي، و الطريق
السلمي، و إذا كان هناك ثمة مخطط أمريكي لِ ضَرْبِ بلادي بعد العراق، فَ إنكم
اليوم تقومون بدور الدركي الأول، و رأس الحربة لِ المخطط المزعوم، و هذا
الدور واضح كلَّ الوضوح من خلال نجاحكم في استمالة بلادي إلى جانبكم في حربكم
مع العراق، و دعمكم للفصائل الفلسطينية الرافضة للحل السلمي مع إسرائيل، لِ
يُصار في النهاية إلى تبديد الحلم الفلسطيني، حتى في الحفاظ على السلطة
الحالية، و ذلك من خلال جعلهم إرهابيين في نظر العالم أجمع، عبْر
الانتحاريين الإرهابيين الذين يقتلون دون تمييز بين طفل و شيخ و رضيع، و أيضا
من خلال إنشائكم و رعايتكم و دعمكم لِ ميليشيا حزب الله، و إصراركم على إنشاء
دولة دينية على صورتكم و مثالكم، و في النهاية، رَبْطِ كل هذا المخطط بنا نحن
السوريون، و وَضْعنا في مواجهة الشرعية الدولية، و إظهارنا بِ الخارجين على
القانون الدولي، و عَزْلنا دوليا، و بالتالي الإتيان بِ أحفاد ابن أبي سفيان
لِ يُصار إلى تأجيج الصراعات الخامدة، و إخراج مشاريع الدويلات السورية إلى
السطح.
لِ صالح مَنْ
هذا السيناريو يا سيد نجاد، و ليكن واضحا لديكم، بِ أننا نرفض ثقافة الحقد و
الكراهية و الموت، و أننا لا نقول الموت لأمريكا، و لا الموت لإسرائيل، بل
نقول الحوار مع أمريكا، و مع إسرائيل، و استطرادا، ماذا يصيبكم من كلِّ هذا
المخطط في الشرق الأوسط الكبير إذا تم فرضه بِ القوة، و كما أنتم تعرفونه؟
أقولها
بصراحة: إن الغرب و أمريكا يعملون لِ شرق أوسط جديد، لا بل، لِ عالمٍ جديد، و
أنا أرى مصلحة بلادي في التعاون معهم لبناء هذا العالم الجديد، و الابتعاد عن
المشاريع و المخططات المشبوهة التي يحاول الفرس فرضها علينا، بدءا من الفكر
الأصولي، و الثقافة الأصولية المليئة بِ الحقد و الكراهية و العنصرية البغيضة
الرافضة لِ الآخر، و الرافضة لِ القِيَم المدنية و مبادىء حقوق الإنسان، و
الرافضة لِ مساواة الأنثى بِ الذكر من حيث أنها إنسان، و انتهاءا بِ تأجيج
الأحقاد بيننا و بين جيراننا الذين سوف نبقى جيرانا إلى يوم الدين، الذين سوف
نتعايش معهم في هذا الشرق الساحر بِ سلمٍ و سلام و أمان و محبة، نحن و هم
معاً تحت راية المحبة و السلام إلى يوم الدين. |