عليك يا سوريا السلام، و نِعْمَ البلد هذا
لِلعدو
06/ أيلول/2013
لا أعتقد بِ أنّ هناك سوريّ واحد سَيكرّر تلك الكلمات أعلاه، و التي قالها
هرقل بعد إقراره بِالهزيمة أمام الغزو الإسلامي الذي كانت طلائعه في سنة (
633) حيث وجهت إلى سوريا ثلاث سرايا، قاد الأول عمرو بن العاص و تولّى
الثانية يزيد ابن أبي سفيان و ترأس الثالثة شرحبيل بن حسَنَة، و كان حامل
اللواء في سرية يزيد أخوه معاوية المؤسس العتيد لِالدولة الأموية في دمشق،
و تم إخضاع سوريا كلها من الجنوب إلى الشمال خلال سبع سنوات ( 633- 640)، و
تم إخضاع مصر بين ( 640- 646).
إن الفتوحات الاسلامية التي تمت في القرن الأول تعتبر من حيث الخطورة
التاريخية- كما يقول الدكتور فيليب حتّي- في منزلة فتوحات الاسكندر، و هذان
هما الحدثان البارزان في تاريخ الشرق الأدنى السياسي و الحضاري قديما، فَفي
غضون ألف سنة التي تلت فتوحات الاسكندر، كانت الحياة الحضرية في سوريا و
البلدان المجاورة تتحول نحو الغرب عبر البحر و تتسم بِطابعه؛ أمّا بعد
الفتوحات الاسلامية، فَقد اتجه هذا التحول شرقا عبر الصحراء، و لم تلبث آخر
الصلات بِروما و بيزنطة أن انفصمت، و أنشئت مكانها صلات جديدة بِمكة و
المدينة، لكن هذه الصلات الجديدة و تلك الطريق الصحراوي كانت قد انقطعت و
انسدت إبّان سقوط الامبراطورية العثمانية، حيث تدحرجت دمشق و بيروت إلى حضن
سوريا الأم، و منذ ذاك التاريخ / بداية 1920/ راحت الحياة الحضرية في سوريا
تتحول مجددا نحو البحر هاربة من شواظ رمال الصحراء. إن هذا التحول لم يكمل
سنته المائة. إننا نشهد غزاة الصحراء ينقضون- كما الضواري- على روح الشام و
وردها و ياسمينها، لِتحويل الحياة الحضرية في سوريا مرة أخرى إلى الشرق و
عبر سراب الصحراء.
هرقل غادر سوريا تاركا إياها لِعدوّه، فعل ذلك لأنه لم يكن سوريّا، فَهو
الآخر غازٍ و مستعمر مثل الغزاة و المستعمرين الجدد الذين ألحقوا به هزيمة
ناجزة. فَالطرفين غزاة تصارعوا على سوريا لِاستعمارها و إذلال شعبها
الملوّن بِأطياف قوس قزح المتحضر. هرقل ألقى السلام على سوريا و غادرها
لأنه غريب لا يهمه أمر سوريا و لا حضارتها و لا ثقافتها، لذا سلّمها للغزاة
البدو. أمّا اليوم، فَالغزاة كُثر و هم يشحذون سكاكينهم و يسنّون أنيابهم
لِتمزيق سوريا كيانا و روحا و ثقافة.
إن غزوات اليوم ليست كَالأمس. اليوم يبحث الغازي، أو يذهب مباشرة لِنتيجة
غزوته، و نتائج الغزوات هي دائما بِالمحصلة واحدة؛ فقط العمليات الاجرائية
هي التي تختلف بين غازٍ و آخر، و من بين الغزاة هناك الأصيل و البديل،
المعلم و الأجير، الموجّه و العميل. فَالكل يعمل من أجل مصلحة دولته، أي
أنّ نتيجة الغزوات هي رزمة من المصالح، و التي تشمل المادية بِكلّ
تجلياتها، و الروحية. و لِكي يبقى المستعمر منتصرا، يتوجّب عليه تدمير
مؤسسات الدولة المستعْمَرَة و نظمها الثقافية و القيمية و أن يحيلها إلى
دولة فاشلة، أو بِالأحرى إلى لا دولة، و أن يزرع فيها ألغاما مجتمعية كفيلة
بِأن تجعلها في حالة أللااستقرار، أو في حالة الاحتراب الداخلي كلما
اقتربت من التصالح و الاستقرار.
في حالة سوريا، الوضع استثنائي، فَسوريا يُراد منها اقتلاع ياسمينها و
وردها الجوري، و زرْع أشواك السِلاء في حدائقها العامة و متنزهاتها، يُراد
منها التصحّر و الركوع تحت عباءة شيوخ الرمال. إن جوهر القضية ليس في شكل و
طبيعة النظام، و إنما في الثقافة الاستراتيجة لِلنظام؛ فَهذا النظام فاسد،
ديكتاتوري، قمعي، مخابراتي و تسلّطي، نظام همّه الأول و الأخير الاستحواذ
على خيرات البلاد، نظام قيمه الأخلاقية و الإنسانية فاسدة و منحطة، إنه
يقمعك، يعتقلك، يغيّبك في ظلمة زنزاناته، و يعدمك حياتك، يفعل كل ذلك وفقا
لِ قانون الثورة (الإنقلاب العسكري) و ليس وفْق شرع الله و كتابه الفضائي؛
فَالثقافة الاستراتيجية لِهذه الأنظمة الشمولية الاستبدادية ليست رجعية
ظلامية، إنها ثقافة علمانية، إنها لا تتدخّل في تفاصيل حياتك الخاصة و
الشخصية/ إلاّ ما كان لها علاقة بِ السلطة و النظام الحاكم/ إنها لا تفرض
عليك أنواع المأكولات و المشروبات الأرضية و الروحية و الفلكية، و لا كيف
تأكل و تشرب و كيف تمارس الحبّ مع زوجتك، و بِأيّ رجْلٍ تدخل الحمّام، و
نوع اللباس و العقال التي عليك ارتداءها. إنّ ثقافة الأنظمة الشمولية ثقافة
علمانية غير مدنية، أيْ لا حرية لِلكلمة و الصحافة و الأحزاب و التظاهر و
الإضراب...إلخ، فَهذه الأنظمة سقوطها حتمي، و إنْ طال الزمن قليلا، لأنها-
و بِكلّ بساطة- لم تعد تصلح لِهذا العصر المؤتمت علميا، لذا يُفضّل التعامل
معها من قِبَل شعوبها بِتعقّل و مسؤولية مرهفة تجاه الوطن/ الدولة/، و أن
يكون العمل( النضال) مدنيا سلميا ديمقراطيا لِلحصول على مكاسب تهمّ الشعب
كله. الخطأ، لا بل الكارثة، هو أن تصفع النظام، لأنك تكون بِفعلتك تلك قد
دخلت في ملعبه هو، و وقتها لا ملامة، فَالأقوى سَيقضي على الأضعف، و لن
يقبل بِوجود حَكَم لِلنزال، و لن يعترف بِالنظام العالمي، لأن توائمه (
النظام السوري في حالتنا) يسرحون و يمرحون في الجوار القريب و البعيد و لم
يتم وضعهم تحت المجهر، لماذا هي غير مدرجة في قائمة دول الربيع – أو ربما
الخريف- العربي؟!
و مجدَّدَا، المسألة السورية و المطلوب منها هو: ضرورة و وجوب تغيير وجهها
إلى الشرق. لذا نرى الوكلاء ينفقون دون حدود، و يصدّرون شيكات بيضاء ممهورة
بِ الخاتم الأميري و الملكي ذي اللون البترولي إلى معلميهم و مشغّليهم
أصحاب الأساطيل و البوارج و الغواصات النووية التي سَ تطلق الورود و
الرياحين على بلاد الشام، و نراهم يتململون في عباءاتهم و يتلمسون رؤؤسهم
كلما طال زمن التدخل، يتكئون على الوسادات المزركشة تحت الخيم المصنوعة من
جلود البعير و الضباع و الأفاعي، يتبادلون أطراف الأحاديث، و يعيدون تقييم
طبيعة بلاد الشام، و يؤكدون على صحة رؤيتهم و هدفهم لِجزئين من بلاد الشام
( سوريا و لبنان)، و يعيدون حكاية انتصار غزوة خالد بن الوليد، و الكلمات
الأخيرة التي قالها هرقل و هو يغادر سوريا، و يتساءلون فيما بينهم، إذا ما
كان هناك أحدا في سوريا( أو بِالأحرى) إذا كان هناك سوريّا واحدا يمكنه أن
يتنازل عن بلده و يسلّمها لنا و يقول ما قاله هرقل؟؟
" عليكِ يا سورية السلام، و نِعْمَ البلد هذا لِعدو "
ربما يخيب أمل الصحراء في الامتداد إلى مدائن و فيافي و حدائق الشام.
|