رحلة السوريّ إلى بني صهيون
080829
أنا السوريّ
ابن آرام و فينيق و كنعان بِ التوارث و التواتر و التناسخ، مررتُ بِ
القلمون و الجولان و جبل الشيخ، كنا نتسلق جبال العلويين و جبل صهيون منذ
بدايات تشكّل الأمم في أصقاع الأرض، أنا السوريّ الذي امتصّ كلّ رميات
الغزاة، و احتفظ بِ كلِّ الآثار التي أحدثوها في جسدي، و كلّ القيَم التي
فرضوها على أبنائي، و كلّ العادات و الأعراف و التقاليد و العقائد التي
حقنوها عنوة في روحي، و أنا هو الذي يتأمل الشقائق التي أنبتها دمي في
بيادري و حقولي، و دروب شقائي و آلامي، و إنِّي أتخيَّل معسكراتهم و أقرأ
أسماء ملوكهم و قادتهم، و أوامر غزواتهم و إعداماتهم. إنهم مرّوا من هنا
على جسدي، رأيتهم، و رأيت سيوفهم و رماحهم و وجوههم المكفهرة. أنجبونا من
سوريَّاتنا، و حاولوا تشكيل سوريّتي كما يرغبون، قاموا بِ صنْع عجينة جديدة
لِ سورية جديدة. كنتُ أحسُّ بِ خشونة و نعومة آياديهم، و التعويذات التي
كانوا يتلونها عليَّ و هم يصنعونني، و ها أنا ذا بقيتُ في مكاني مع أبنائي،
و هم رحلوا ورحلتْ معهم الأعاصير و حمحمات الجياد و صليل السيوف.
بحثتُ عنكم في
أزمان كنتم تذوبون فيها كَ الرصاص، قلَّبْتُ قمامات الأنهار بعد تحويل
مجاريها من أعاليها المستعْمَرة، لم أجد سوى فوارغ الطلقات و منعكسات
وجوهكم على صفحة مياه المجارير. فعلتُ مثل جلجامش في الفرات و الدجلة،
غطستُ في الخلجان المستباحة ذوات الأسماء المتغيرة، و تمدَّدتُ فوق مفارش
الشطوط المتغيرة أسماؤها؛ كلكم أتيتم إليَّ، و كلكم رحلتم مع ذواتكم و
أرواحكم، إلاَّ الغزاة البدون، لا هم رحلوا و لا أرواحهم رحلت، كلُّ
الأسماء التي تعمَّدت في أنهاري اغتيلت و تعرَّضت لِ إبادة وحشية، و صارت
في أعراف و عقائد و أخلاق هؤلاء البدون أبناء الرمال، صارت كذبة، أو في
أفضل الأحوال، ذكرى مشوَّهة، أمَّا الاسم الذي ملأ الآبار ترابا، و رمى
الأوساخ في أنهاري المقدَّسة، و حرق روح الفرات و بردى و دمَّر قمم صنّين و
صهيون، هو الاسم الذي بقي حارسا، لا بل، جلادا مجرَّدا من الأحاسيس و
العواطف الإنسانية، إنه الإرهاب الشامل الذي لا وطن له، إنه الأمة التي لا
تعترف بِ سواها، فَ هي التي اخترعت العداوة الأزلية مع بني صهيون، هي التي
ترفض التعايش مع اليهود، ليس فقط على أرض واحدة، أو وطن واحد، إنَّما على
هذه البسيطة، فَ اليهود في عقيدة تلك الأمة ليسوا بشرا و إنّما خنازير و
قردة.
اذهب إليهم
أيها السوري المختلف، إنهم يقبعون تحت خيامهم الرثة بين مستنقعات النفط و
غمام الغاز الباعث لِ رائحة الأهل (ريحة هَلي )، إنهم ورثوا بني صهيون في
رجال ألمع و السراة و جيزان، و تراهم منغمسون حتى قمة شعرهم في ملذات الجسد
هناك في أرض التوراة ( غرب شبه الجزيرة العربية )، أرض شريعة و ناموس يهوه
التي سلمها إلى أنبيائه من بني إسرائيل، إليك بِ الراهب بحيرى ابن بصرى
الشآم و جنوب سوريا الحبيبة، و القس ورقة بن نوفل و خديجة بنت خويلد، أحفاد
قصيِّ اليهوديّ الجد الواحد الأوحد، سيد الجزيرة قبل آل سعود و الوهابيين و
البنلادنيين بِ عشرات القرون، هؤلاء هم، لا بل الذين استمروا من بعد
رحيلهم، هم الذين قسَّموا العالم إلى فسطاتين، عالم الخير المتمثّل في
سلالة الراهب و القس و بنت خويلد، و عالم الشر المتمثّل في أحفاد ابراهيم و
اسحق و يعقوب و موسى و هارون و يشوع؛ إنَّ إله السلف أسَّسَ لِ شريعة
القتل، و إله الخلف أضاف إليها شريعة الحقد و الكراهية و العنصرية، قائلا
لهم: بِ أنَّهم أفضل بني البشر، و أنَّ دينهم هو دين الحقّ، دين الله، و
كلّ ما عداه هو كفر مبين يجب القضاء عليه بكلِّ الوسائل و الأساليب و
الأدوات الممكنة و المتاحة. إنَّ بني صهيون هم أولئك الذين ورثوا اليهود
الذين تبعثروا و اندثروا من غرب الجزيرة العربية، موطنهم الأصلي، على حَدِّ
قول الدكتور كمال الصليبي، لأن التوراة بكلِّ أحداثها و شرائعها و قوانينها
و أنبيائها قد جاءت من غرب الجزيرة العربية، و هذا يعني أنَّ الموطن الأصلي
و الأول لِ يهود يهوه، هو شبه الجزيرة، و ليس إسرائيل، أو فلستي ( نزولا
عند رغبة العروبيين ).
فَ ها أنت ترى
يا أيها السوري كيف أنَّ التاريخ قد زلزله الدكتور كمال الصليبي حين طرح
نظريته العابرة لِ القارات و الأزمان (التوراة جاءت من الجزيرة العربية )،
و كيف أنَّ دراسة و قراءة الأحداث و الاكتشافات الأركيولوجية التي تمَّ
العثور عليها، هي الأخرى زلزلت النظرية العروبية؛ فَ كلّ الذين كانوا في
أورشليم و الناصرة و غزَّة و.... كانوا يهودا و فينيقيين و كنعانيين و
آراميين و شعوب البحر (= الفلستيين )، و لم يكن بينهم عربا، أو أعرابا، و
أيضا لا ذكْر لهم في كلِّ الأحداث التي جرت على أرض أورشليم من حروب و
غزوات و سبي، و حتى الميثولوجيا السورية تذكر من بين الآلهة و أنصاف
الآلهة و الأميرات بنات الآلهة و البشر، تذكر اسم أوروب ابنة الملك السوري،
و ليس عروب، كما يحلو لِ الدكتور سهيل زكار المحترم بِ تحوير اسمها في
كتاباته و محاضراته من أوروب إلى عروب، و الأجدى بِ الدكتور العزيز أن يعيد
الشعوب و الأنساب و الأسماء إلى أصولها، و أن يتمعَّن في أصل و معنى الكلمة
السريانية ( عرب )، فَ اليهود وفْقَ نظرية الصليبي، قُتِلوا، تبعثروا و
اندثروا، و أيضا مصيرهم هو نفس هذا المصير، بِ حسب نظرية العزيز فراس
السواح، فَ هو يرى بِ أنَّ اليهود أبناء المملكتين ( مملكة إسرائيل و مملكة
يهوذا ) أبيدوا و نفوا دون رجعة على يد الآشوريين عام 720 ق.م و البابليين
( نبوخذ نصر ) عام 587 ق.م، و الإفناء النهائي التام لِ القلّة اليهودية
المتبقية كان على يد الرومان عام 70 ميلادي. إذن فَ اليهود قد سحبهم الله
عن بكرة أبيهم بِ إحدى آلاته السحرية و لم يبق يهوديا على وجه الأرض، لأن
الثقب الأسود قد شفَطهم شفطا محكما؛ و لمّا كان الأمر هكذا في نظر و رأي و
عقيدة هذا الشرق، فَ لا بدَّ لنا من التفاوض مع الوريث، و الوريث قد انطلق
غازيا من الجزيرة العربية إلى معظم أصقاع الأرض، علينا التفاوض، إذن، مع
شبكة بني صهيون التي تكاد تلفّ الكرة الأرضية، هؤلاء الذين حملوا راية
الإله يهوه من شبه الجزيرة، و تحت تلك الراية راحوا يقاتلون العالم الآخر
كله، لأنهم فوق شعب الله المختار أيضا، إنهم خير أمة أُخرجت لِ الناس، إنهم
أصحاب الحلال و الحرام في المأكل و المشرب و النكاح، إنهم أبناء يهوه و
صهيون الحقيقيون، و لذلك لا يجنحون لِ الصلح و السلم مع الفينيقيين و
الكنعانيين الذين يعيشون منذ آلاف السنين على أرضهم الأم، أرض سوريا
العزيزة و المسمَّى فلستي، أو إسرائيل. إنهم صَهْيَنوا الأمة من إندونيسيا
إلى مانهاتن، لا يعترفون بِ الدولة التي أُنشأت كَ كلِّ الدول، بدءا من
السعودية مرورا بِ العراق و تركيا و سوريا و الأردن و لبنان، لا يعترفون
بها ( = إسرائيل ) لأنها دولة شاذة في هذه الساحة الصفراء، دولة مختلفة عن
هذا المحيط الموبوء، جسم غريب بين قبائل بدائية، ثقافتها الحقد و القتل و
الكراهية و الاستعلاء العنصري تجاه الآخر، و لهذا لا يعقدون صلحا و سلاما
شاملا دائما مع اخوتنا الفينيقيين و الفلستيين، إنهم يجاهدون و لو بعد ألف
عام آخر لِ القضاء النهائي عليهم كما فعل آشور و نبوخذ نصر و تيطس، إنهم
يخططون لِ خنقهم و إبادتهم عن طريق التكاثر السرطاني، و هم يعلنوها صراحة
في معسكراتهم العقائدية و خطبهم الجمعاوية المساوية المقدسة.
إن هذه الثقافة
و هذه العقيدة متأصِّلة في أرض الصهيونية التاريخي، في الجزيرة العربية، بِ
حسب نظرية الصليبي، و هم يؤدون دورهم العقائدي في تحريض أبناء صهيون من
ماليزيا إلى استشهاديي مورّو و انتحاريي مدريد و باريس و لندن و انتحاريي
حافلات نقل التلاميذ في تل أبيب، و لهذا يجب الذهاب إليهم لِ التفاوض و
التفاهم، الذهاب إلى مكة و قُمْ و النجف و الأزهر و تاج محل و آيا صوفيا،
الذهاب إلى معسكراتهم الإرهابية في أوروبا و أمريكا، تلك المعسكرات التي
تجيِّش و تحرِّض و تصنع الإرهابيين و ترضعهم حليب الفاشية و العنصرية بِ
مباركة الإله يهوه، و ترسلهم في مهمات إرهابية إلى الأركان الأربعة، الذهاب
إلى المنظمات و الميليشيات الإرهابية التي تضع العقيدة شعارا مقدسا في
مقدمة نظامها الداخلي، و تنصِّب الآلهة و الأنبياء أمناء عامين و رؤساء لِ
أحزابهم و منظماتهم التي ترهب بنات و أبناء شعبها قبل أن ترهب العدو ( وفق
عقيدتهم )، الذهاب إلى حماس و حزب الله و التفاوض معهما، أو مع أسيادهم لِ
إطفاء هذه الحرائق التي يشعلونها في منازلنا و بين أهلينا.
إنكَ يا أيها
السوري تستطيع و بكلِّ سهولة و بساطة أن تحسم هذه المسألة، إمَّا الصلح و
السلام و التطبيع التام مع أولاد عمومتنا بنو إسرائيل، أو حرب إلغاء و وجود
ضدهم، و لأنكَ سوريّ أولا، فَ بإمكانك أن تختار الغفران و الودّ و المحبة و
السلام تجاه أنسبائنا و جيراننا و أولاد عمومتنا و أخوال أجدادنا. سبق و
ذكرت بِ أننا كلنا
( نحن و هُم /
اليهود/ ) سوريون، و أننا تعايشنا و تثاقفنا معا، حزننا و فرحنا و تألمنا
معا، فَ الذي يجمعنا أكثر من الذي يفرِّقنا، لأننا أبناء الثقافة السورية
ذاتها، أمَّا هؤلاء، وَرَثَة العنصرية الصهيونية، فَ هم غزاة و مستعمرون لِ
أوطاننا و أرواحنا، إنهم اغتالوا الإله السوري و أتوا بِ إله الصحراء إلى
غاباتنا و جبالنا و أنهارنا، حرقوا الثقافة السورية و أتوا بِ ثقافة الرمال
و العجاج لِ يحلَّ مكان الأرز و السنديان و الياسمين، ألغوا ثقافة السلام و
المحبة و أتوا بِ ثقافة الحقد و القتل و الكراهية؛ فَ نحن أقرب إلى اليهود
من هؤلاء أحفاد و ورثة عقيدة و شريعة إله الصحراء ( = الإله يهوه )، اليهود
بنوا مجتمعا مدنيا علمانيا لا علاقة له بِ كلِّ الخزعبلات و الأوهام و
الخرافات التي أتى بها الإله يهوه، و التي تشبَّث بها رعاة الصحراء،
وجعلوها آيات مُرْسَلة من السماء يحاربون و يغزون تحت ظلالها و ظلال سيوفهم
و رماحهم، فَ الرزق و المتاع و اللذائذ كلها تحت ظلال الأنصال البرَّاقة و
الآيات الخلاّبة، فَ هي تضرب قلب أورشليم الضائعة من بلاد المسلمين، فَ لا
بدَّ من رمْي هؤلاء اليهود في البحر، و سلب و سبي الشقراوات الحسناوات و
توزيعهن على فرسان و جنود الله، و بحسب شرعه تعالى!!!!!!
و لِ تمزيق هذا
السيناريو المرعب، يجب الإسراع إلى بني صهيون لِ وَضْعِ النقاط على الأحرف،
فَ السلام هو ثقافة السوري، و لا نرضى عنه بديلا، و لن نسمح لِ هؤلاء
الرعاة من بني صهيون لِ تخريب حياتنا، و لن نسمح بِ أن يغيّروا النمط
المدني العلماني لِ حياتنا و حياة أولادنا، فَ المجتمع البدائي بِ كلِّ
آثاره العنيفة الهمجية المتخلفة مكانه هو في الصحارى و بين كثبان الرمال، و
ليس في سوريا الغالية على قلوبنا، سوريا الوطن و الهوية و الثقافة، سوريا
المحبة و السلام و الازدهار. |