جلاء ( رحيل ) مؤسسي سوريا الحديثة
080416
إننا نحتفل في
السابع عشر من نيسان من كل عام بِ عيد الجلاء، جلاء المستعمر الفرنسي عن
وطننا الحالي
/ سوريا /، و
في كل عام في مثل هذا اليوم نعود إلى ثقافتنا المهزومة، و نبدأ بِ التعبئة
و التحريض و السب و الشتم و ما شاء ربك من الدعاوى و الأدعية الساحقة
الماحقة، طالبين من المولى القدير الرحيم بِ إخصاء ذكورهم و تعقير إناثهم،
و جَعْل سماءهم من صفيح و أرضهم من نحاس، اللهم لبّي لنا هذا المطلب البسيط
المتواضع ضد أعدائك و أعدائنا، هذا المستعمر الغاشم البغيض المسؤول عن
خيباتنا و ويلاتنا، إنه السبب في حروبنا المقدسة ضد إسرائيل، و سبب فقداننا
اللواء الحبيب و النصيبين و طور عابدين، و الجولان العزيز، هو السبب في
إمساك السماء مطر الزرع و الأرض العطشى و حوادث السير المروّعة التي تودي
بِ حياة الآلف من بنات و أبناء الشعب السوري، هو السبب في جفاف الأنهار و
تحولها إلى سواقٍ و مكبَّات للنفايات / و ليست تركيا الشقيقة/، هو السبب في
خسارة منتخباتنا أمام جزر القمر و البروناي و سومطرة. إنَّ الاستعمار بِ
عينه مسؤول عن تزايد البطالة الحقيقية و المقنَّعة، و تراجع مستوى التعليم
و غياب البحث العلمي، و هو المسؤول عن ظاهرة الفساد في مؤسسات و أجهزة و
دوائر الدولة، و هو المسؤول عن الارتجالية و المزاجية في قيادتنا الحكيمة،
هو المسؤول عن رسوب المناضلين أولاد المناضلين الأشاوس المرعبين في
امتحاناتهم.
إنَّ
الاستعمار و الصهيونية مسؤولان عن الحروب الأهلية، الاستعمار و الصهيونية و
الامبريالية الأمريكية هم المسؤولون عن حرب البسوس، و هم أشعلوا الحرب بين
فتح و حماس، و هم الذين سَ يشعلون الحرب بين حزب الله و المجتمع اللبناني
المدني. إنَّ الامبريالية و الصهيونية و الاستعمار و البنك الدولي و
الاتحاد الأوروبي هم المسؤولون عن عدم تمتع شعوبنا بِ كراماتهم و
إنسانيتهم، إنهم مسؤولون عن خلافاتنا مع زوجاتنا، عن الانحرافات و الجرائم
و التخريب و السرقات المنظمة و المدارة بِ دقّة فائقة، مسؤولون عن هبوب
العواصف و الزوابع الرملية القادمة من صحارى الجزيرة المباركة، مسؤولون عن
النزاع و القتال بين الضواري و المفترسين من كل صنف و نوع و جنس.
هكذا نحن؛ دول
و أنظمة و قيادات فاشلة، نحمِّل كلّ مساوئنا و خيباتنا و فشلنا الذريع إلى
الآخرين، و نحن في سوريا ( مثلنا كَ مثل الفاشلين في كلِّ العالم ) نفعل
مثل الأعمى الذي التقى حائطا، علما بِ أننا نخطئ في تسمية و تعريف هذا
الحائط الذي لم و لن نتركه لَ طالما نفشل في بناء دولتنا على أسس حضارية،
مدنية، عادلة؛ فَ الحائط، أو المشجب ليس فرنسا إنما هو تركيا الحنونة
الشقيقة، فَ تركيا هي التي حكمتنا، أو بِ الأصح استعمرتنا، لا بل استباحت
أرضنا و عرضنا و هواءنا و روحنا، لِ مدة أربعمائة سنة مظلمة ظالمة، نشرت
الموت و الدمار و الرعب بين الناس، أسدلت على سمائنا و هوائنا وشاحا أسود
من الجهل و التجهيل و التخلف.
الفرنسي لم يكن
مستعمرا، إنما كان منتدبا لِ بناء دولة سوريا التي تم تشكيلها على أوراق
سايكس و بيكو بعد هزيمة ألمانيا و تركيا في الحرب العالمية الأولى، و دولة
سوريا وافقت ( وافقنا ) عليها كما وافق، أو شارك في تشكيلها الشريف حسين،
ربما من خلال مراسلاته مع مكماهون، فَ الشريف حسين هو الذي أطلق رصاصة
البدء لِ الثورة العربية ضد الخلافة العثمانية، و العرب حين يوافقون على
نتائج الحرب العالمية، و بخاصة، تلك التي تتعلق بِ تشكيل الكيانات العربية،
من العراق و لبنان و سورية و الأردن و السعودية، فَ هذا يعني أنهم موافقون
على التشبث بِ كتاب غورو في بناء دولة سوريا بدءا من البرلمان و الفرنك
السوري و الكهرباء و الترنفاي و المدارس و المعاهد و المشافي التي انتشرت
في ربوع سوريا الحبيبة، فرنسا أخذت بيد السوري و علَّمته احترام نفسه و
احترام الآخر، و ذلك من خلال تعليمه الحياة الديمقراطية، سماع الآخر و
احترام رأيه، و ليس منعه من الكلام، فرنسا هي سبب ارتقاء السوريين درجات
عالية من الرقي و التمدّن من خلال نجاحهم في تشكيل البرلمان و انتخاب أعضاء
هذه الندوة البرلمانية المحترمة، و التي كانت ظاهرة فريدة و راقية، في مجال
تعامل الناس بعضهم مع بعضهم الآخر، فرنسا هي التي ساعدت الشعب السوري في
الحوار و تداول أسماء الحكومة العتيدة، و الاتفاق على الوزارات دون عنف أو
قتل أو انقلاب، فرنسا هي التي علَّمت السوريين تأليف أحزاب وطنية بعيدة عن
العصبيات و الغيبيات، و هي التي علَّمتهم قبول الحوار و النقاش في الساحات
و المنتديات دون عنف، أو ترهيب و إرهاب الآخر المختلف، فرنسا هي التي نشرت
المبادئ الإنسانية، العلمانية، و هي التي ساوت بين الناس أمام القانون، بِ
صرف النظر عن الدين و اللون و القومية و الجنس، فرنسا هي التي خططت المدن و
الشوارع و الساحات و الحدائق العامة، فرنسا هي صاحبة بقايا ثانوية اللاييك
في قلب دمشق الحبيب، و التي تُخَرِّج المتفوقين في سوريا، و التي كل
المسؤولين بدءا من رئيس البلاد يفضِّلون إرسال أبنائهم و بناتهم إلى ذلك
المعهد المحترم ( معهد اللاييك / الحرية )، و في هذه المناسبة أرجو من
الدولة، و من السيد الرئيس مباشرة، أن يعملوا على إعادة المدارس و
الممتلكات الوقفية التابعة لِ تلك المراكز التربوية التعليمية إلى طوائفها،
لِ يتابعوا في نشر المعرفة و الأدب و التربية في ربوع وطننا الحبيب.
مَن كان
المستعمر، و كيف ظهر الفرنسي و التركي في التاريخ العربي؟؟
ظهر التركي في التاريخ العربي في العصر العباسي الثاني إبَّان خلافة
المعتصم، و كان رقيقا ( التركي ) جلب للخدمة و الحراسة، ثم تمكن عنصره و
قويت شوكته و كثر عدده كثرة هائلة، و اعتلى سدنة الحكم، و اشتهر الأتراك
آنذاك بِ الغدر و التآمر و القتل و الوحشية، فَ هم الذين قتلوا الخليفة
العباسي المتوكل، و الخليفة المعتز، و كذلك الخليفة المهتدي، الذي كان
مقتله أكثر وحشية من كل الضحايا الآخرين، فَ يروي المسعودي: أنهم هجموا على
المهتدي بِ الخناجر، و كان أول مَن جرحه ابن عمٍ لِ بايكبال التركي، جرحه
في أوداجه، و انكبَّ عليه، فَ التقم الجرح و الدم يفور منه، و أقبل بِ
مَصِّ الدم حتى روي منه، و التركي سكران، فلما روي من دم المهتدي قام قائما
و قد مات المهتدي فقال: يا أصحابنا قد رويت من دم المهتدي كما رويت في هذا
اليوم من الخمر.
إن مسألة
استيلائهم على الخلافة مسألة واضحة و جليَّة، و يعرفها كل مضطلع على
التاريخ العربي الإسلامي، و كل مضطلع على عطاءات الأدباء و الشعراء و
المفكرين العرب، بل سَ يقف القارئ على حقيقة أخلاق و ثقافة التركي، فَ
يقول الرصافي عنهم:
هم من الناس
حيث لو غربل الناس لَ كانوا نفاية و حثالة
حملونا من
عيشهم كل عبْ ثم زادوا أصهارهم و الكلالة
أمَّا الشاعر
عبد المحسن الكاظمي، فما أكثر تلك الصفات المشينة التي يكشفها في طبيعة
الأتراك، و كلها تدور حول معنى واحد تقريبا، و هو السفالة، و إن تعدّدَت
الأوصاف من دناءة أو حثالة أو حطّة... يقول:
ما خطوب الزمان
إلاَّ أناس ظلمونا دهرا و ما أنصفونا
أعجبتهم نفوسهم
فتعالوا و التعالي سجية السافلينا
و من يطالع
التاريخ يكتشف بجلاء لا يشوبه شك أنْ ليس ثمة ما يفتخر به الترك، فَ
تاريخهم داحس مظلم، ليس لهم أية مشاركة في صرح الحضارة الإنسانية، بل على
العكس يشهد التاريخ لهم و لِ أجدادهم تدميرهم لِ حضارات إنسانية بِ وحشية
بالغة، فَ إنْ وصفوا بِ السافلين، ذلك صفة ناقصة و هناك ما يكملها و يؤكد
المعنى السابق عبد المحسن الكاظمي في قصيدة أخرى فيقول:
ويل قوم
تشدَّقوا بِ المعالي و على هدم صرحها يعملونا
هم أحطُّ الورى
شعورا و لكن حسبونا لسنا بهم شاعرينا
لستم يا حثالة
الناس إلاَّ نفرا من دناءة مثرينا
فَ إذا كان في
الثراء غناء عن علاء فَ أنتم الأعلونا
كما راح
الشعراء العرب يردون على الأتراك الاتحاديين و يذكِّرونهم بِ هوان أعراضهم
التي يتاجرون بها، و من هؤلاء، الشاعر يوسف حيدر بعلبكي الذي يقول:
فَ هل أمة
الأتراك أضحت غيورة عليهم و كل الأرض من فعلهم غبرا.
يتوجه الشاعر
جميل الزهاوي إلى الإنسان العربي ليقدم له النصح بِ تَرْكِ ولاء الأنراك
لأنهم قوم لئام أوغاد ظالمون هضَّامون لِ الحقوق... يقول:
تبصَّر أيها
العربي و اترك ولاء البعض من قوم لئام
و يقول الكاظمي
عنهم و عن خداعهم:
ارجعوا و
اخدعوا سوانا فَ إنَّا قد قضينا الزمان مخدوعينا
لقد رثا
الزهاوي شهداء السادس من أيَّار متوجها إلى أمته قائلا:
قبور بيروت و
أخرى بجلّق تجر عليها و للرياح ذيول
بني يعرب لا
تأمنوا الترك بعدها بني يعرب إنَّ الذئاب تصول.
أمَّا بخصوص الجلاء، فَ أنا أقترح على الدولة التالي.
أولا أن تعيد تسمية البلاد بِ الجمهورية السورية، أو دولة سوريا، و ثانيا
أن تشكِّل لجنة من كافة الاختصاصات الأكاديمية النزيهة و الحيادية، و
الأهم أن يكونوا منفتحين متحررين من سطوة العصبيات الدينية و القوموية،
مهمتها تقييم مرحلة الانتداب بِ التعاون مع الجانب الفرنسي، و من ثم، أي
ثالثا، تصفية المسألة بيننا تصفية نهائية بشكل و أسلوب حضاري، مدني، و
رابعا تغيير جوهر و طابع هذه المناسبة، من مناسبة لِ الهجوم و التعبئة و
التحريض على الجانب الفرنسي إلى ما يتم الاتفاق عليه بين الطرفين
المتحاورين / السوري و الفرنسي/
و خامسا أن تعتمد الدولة تاريخ خروج السفاح جمال من سوريا و لبنان تاريخا
لِ الاستقلال، و سادسا، و لكي لا نبقى على عداء أبديّ مع أيّ أحد، يتم
تشكيل لجنة مشابهة تماما لِ تلك التي تم ذكرها آنفا، مهمتها هي تصفية
المسألة مع الجانب التركي أيضا بِ أسلوب حضاري، مدني، و أرجو بعده أن
نتصالح مع الداخل و الخارج، و أيضا بِ أسلوب حضاري و مدني، كي نجنِّب
بلادنا و شعبنا مخاطر الهلاك . |