حزام أمني عربي فرضته الحروب حول إسرائيل... متى يُستكمل؟
قراءة واقعية لمعطيات سياسية
090321
إذا ما انتأينا بعقلنا عن العواطف الوطنية والمزايدات القومية ونَظَرنا
إلى الأمور والأحداث بعقلانية، وتجرد يتعيّن علينا أن نطرح على أنفسنا
السؤال التالي: هل نحن مستعدون كدول عربية للذهاب إلى الحرب من أجل تحرير
فلسطين وإعادة مهجريها إليها أم علينا استئناف عملية السلام على أساس
مبادرة خادم الحرمين الشريفين، عاهل المملكة العربية السعودية القائلة
بمقايضة الأرض بالسلام والتي تبنّتها جميع الدول العربية ؟
قبل الاجابة على السؤال المطروح، علينا التوقف قليلاً أمام تسلسل الأحداث
التي حصلت في منطقتنا العربية منذ ما قبل بداية الثلث الأخير من القرن
الماضي وسوف نتبيّن بوضوح أن نتائجها كانت إلى الآن فرض حزام أمني كامل
لدولة إسرائيل حيث قد يتبادر إلى الأذهان أن كل ذلك كان صناعةً إسرائيلية
صرفة في حين أن الواقع يثبت أن عنجهية بعض الدول العربية وبعض الفصائل
الفلسطينية المشتركة كانت المساهم الأكبر في تأمين فرض هذا الحزام..
وقائع هامة أدت إلى أمر واقع جديد في المنطقة،
الأولى: حرب الأيام الستة في حزيران 1967 والتي تعارفنا على تسميتها
بالنكسة،
الثانية : حرب اكتوبر والتي تعارفنا على تسميتها بحرب العبور..
الثالثة : أجتياح لبنان
الرابعة: ما عرفَ بحرب تموز أو " حرب لو كنت
أعلم "!
في الأولى التي قادها زعيم الأمة العربية آنذاك، جمال عبد الناصر، الذي
تكتل العالم كله ضده فيما يُشبه المؤامرة والتي ساهمت سوريا البعثية بشكل
أساسي في إعدادها وتنفيذها..( يراجع كتاب ضابط المخابرات خليل مصطفى:
سقوط الجولان) وكان وقيدها، بالإضافة إلى ألاف المصريين والأردنيين
والسوريين، الجيش الفلسطيني الأول بقيادة المدني وإشراف ملقي اسرائيلي في
البحر الشقيري.. وجاءت خسائرها فوق تصور الشعب العربي المغدور بمناظرات
أحمد سعيد..
في الثانية التي قادها الرئيس أنور السادات والتي أفلح الجيش المصري
باسترجاع الأرض والكرامة والتي أدت إلى عقد اتفاقية السلام بين مصر
وإسرائيل في كمب دافيد الأمريكي الذي شجع الأردن لعقد اتفاقية وادي عرفة
ثم إلى اتفاق فك الاشتباك الوهمي مع سوريا في الجولان.. هاتان الحربان
أخرجتا مصر وسوريا والأردن من جبهة الحرب مع إسرائيل..
أما آخر الحروب التي يمكن تسميتها عربية فكان اجتياح لبنان وإخراج
المقاومة الفلسطينية منه بعد خسائر بشرية ومادية فادحة تكبدها الشعبين
الفلسطيني واللبناني ولم تحاول سوريا البعثية كعادتها تقديم أية مساعدة
بل شمرّت عن ساقيها فارةً أمام الجيش الإسرائيلي مكتفية برفع شارات النصر
التي استهزء الشعب السوري برافعيها من أفراد جيشه الذي أثبت للمرة
الثانية أنه أبرع الأرانب في الهروب.. بناءً على قيادته الحكيمة!
جميع دول العرب باتت على يقين أن النظام السوري الذي تخلى عن عبد الناصر
عام 67 وحافظ على هدوء جولانه بعد العام 73 كان وراء مؤامرة اجتياح لبنان
وإخراج المقاومة الفلسطينية التي خرج قائدها ياسر عرفات عن طوعها، سيما
بعد أن تولى الجيش السوري بالذات تنطيف لبنان من بقايا المقاومة على يد،
أبو موسى، عميله المنشق عن قيادة ياسر عرفات الذي لم يسمح لهذا النظام
بالسيطرة الكلية على قضيته وإدارتها..
هكذا استُكْمِلَ طوق الحزام الأمني حول إسرائيل مبدئياً، ولم يبقى سوى
همٌ وحيد هو تحديد نتائج الربح والخسارة للاستراتيجية السورية بعيدة
المدى والاعتراف بموقعها الزعائمي في المنطقة.. موقع سعى إليه رئيس
النظام السوري السابق حافظ أسد منذ أن استولى على الحكم في سوريا بتخطيط
استراتيجي طائفي ليس الآن مجال شرحه..
وكان على إسرائيل، في هذا الظرف أن تبادر إلى دعوة النظام السوري إلى
طاولة مفاوضات سلامية، كمبادرة شكر على تعاونها في إخراج المقاومة
الفلسطينية من لبنان، إلاّ أنها فضّلت التوجه إلى فرض سلام ثنائي مع
لبنان وتجاهلت تماماً ما سيسببه غضبُ النظام السوري من عراقيل..
هنا علينا التنبُّه إلى أن إسرائيل هذه لها استراتيجيتها السرية والخاصة
التي ترتبط إرتباطاً وثيقاً أولاً بمصلحة وجودها في المنطقة كدولة
وبمصالح الغرب وتأكيد نفوذه عن طريق الرعب العسكري الاسرائيلي ثانياً،
وهذا لن يتأمّن بوجود دولة توازيها قوة، مثل سوريا، قد تخلّ بالتوازن
العسكري الذي فرضته مصر وأوصلته إلى السلام..
هذا التجاهل الاسرائيلي لمصالح سوريا الاستراتيجية أثار هذه غضب هذه
الأخيرة وجعلها تسترجع موقعها في لبنان وتفرض عليه نقض ما توصلت إليه
مفاوضات السلام من أتفاق برعاية الولايات المتحدة.. كان ذلك في رفض حافظ
أسد التخلي عن بضع أمتار عن حافة الجولان المشرفة على بحيرة طبريّا..
لهذا، بعد تنظيف لبنان من المقاومة الفلسطينية وخروج جيش إسرائيل منه، لم
يلبث هذا النظام أن انقلب عائداً إلى لبنان متخذاً شتى الحجج والتبريرات
لاستكمال سيطرته نهائياً على السلطة فيه لاسيما بعد اغتيال رئيس جمهوريته
المنتخب، المرحوم بشير الجميل، واعتلاء شقيقه أمين الجميل سدة الرئاسة..
هذا الذي عانى من معوّقات هذا النظام ما أعجزه عن انتخاب سلفاً له الأمر
الذي فرض تسليم عهدة الدولة إلى "المجلس العسكري " برئاسة قائد الجيش
اللبناني آنذاك الجنرال ميشال عون كحكومة انتقالية، وإن بوزيرين فقط،
وإيلائه مهمة تأمين انتخاب رئيس جديد للجمهورية..
هذا الجنرال، بسبب شبقه الغريب إلى السلطة والتسلّط، أعاد خلط كافة
الأوراق السياسية ليس في لبنان وحسب في المنطقة بأسرها مُتيحاً للنظام
السوري إعادة انتشار شبكة هيمنته عليها وبالتالي فرض عقد اتفاق الطائف
الذي أوقف الحروب العبثية والكارثية التي أوقدها هذا الجنرال والتي فاقَ
ضررُها كل الحروب السابقة وبالتالي أكّد هيمنة النظام السوري..
إذن، هذا الحزام كان تأمّنَ نوعياً في وجود بقايا الجيش اللبناني في
منطقة الشريط الحدودي ومعه عدد غير قليل من أبناء المنطقة الحدودية
للدفاع عن أرضهم وعرضهم، ليس من هجمات المقاومة الفلسطينية التي طردت منه
بل هذه المرة من هجمات المقاومة الاسلامية، حزب الله، التي زرعتها سوريا
في الجنوب وأوكلت إليها إبقاء شعلة الحرب قائمة إبقاءً لسلطتها غير
المباشرة وللتذكير بوجودها على الساحة..
وبعد انسحاب الجيش الاسرائيلي من منطقة الشريط الحدودي سامِحةً لهذه
المقاومة الاسلامية ادعاء بالنصر ما جعل الشعب اللبناني بأسره يخشاها
خاصة بعد تهديدها سكان الشريط الحدودي بالذبح في أسرّتهم ما لم يستسلموا
لها.. وهكذا أبقت سوريا وإسرائيل معاً نطاق الحزام الامني ناقصاً..
ترى هل كانت الخطة الموضوعة سورياً وإسرائيلياً لاستكمال نفخ أوداج هذه
المقاومة الاسلامية كي تكشف كامل جهوزيتها استعداداً لضربها لاحقاً،
تماماً كما كان حال المقاومة الفلسطينية التي استفحل أمرها قبل ضربها؟
سؤال طرح نفسه أثناء حرب العام 2006 أو ما سُمِّي بحرب " لو كنت أعلم "..
هذه الحرب التي ، كما خرجت المقاومة الفلسطينية من لبنان أثناء الاجتياح
عام 1982، أخرجت المقاومة الاسلامية من الجنوب وفرضت العودة إلى خطوط
الهدنة القديمة.. لذا رأينا النظام السوري الذي، كالعادة تخلى عن واجب
الدفاع عن هذه المقاومة وبادر للامساك بالنصر الإلهي وفي الوقت نفسه كان
هرع إلى إجراء مفاوضات مع إسرائيل موحِياً وأياها أن ذاك النصر دفع بهما
إليها..
لكن، حتى مع وجود القوات الدولية المنتدبة من قبل مجلس الأمن الدولي
لحماية الجنوب اللبناني بقي في استطالة هذه المقاومة الوصول إلى عبر
الحدود مع إسرائيل، إن بواسطة عناصر "غير منضبطة" أو عناصر فلسطينية
محمية بالنظام السوري داخل الأراضي اللبنانية.. يبدوا أن تلك هي
استراتيجية إسرائيل والنظام السوري المشتركة للإنتهاء من حزب الله..
لكن مع تشابك المصالح الغربية الاسرائيلية في استغلال الشبق الايراني
المتجدد للسيطرة على الشرق الأوسط والشبق السوري لزعامة الدول العربية،
ظهرت العصبية العنصرية مجدداً لدى كلا المحورين، الاسرائيلي/الغربي
الراغبٌ في السيطرة على منابع النفط العربي واستغلاله والمحور الايراني/
السوري، (المعتمد للأصولية الدينية) والراغب في ضرب وحدة العرب في إنهاء
النزاع المدمر للإقتصاد العربي والتي لم يجد هذا الحمور سبيله إليه إلاّ
عبر خلخلة الدين الاسلامي ذاته ونشر الفتنة المذهبية والأصولية القاتلة
بين أبناء بلدانه.. وهذا أجلَّ، في طبيعة الحال، موضوع استكمال الطوق
الأمني الذي لم يعد مُلِحّاً كما في السابق بسبب اقتصار وجوده على الداخل
الفلسطيني وفرض وجوب تأديبه عند الحاجة..
وهذا ما حدث في مدينة غزة الفلسطينية التي استقطعها التعنُّث الأصولي
لحليف المحور السوري الايراني، حركة حماس، في محاولةٍ هادفة ضرب المبادرة
العربية التي طرحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز،
وكذلك في محاولة دفع دولة عربية نصيرة السلام مثل مصر للتخلي عن عهودها
السلامية والعودة بها إلى جحيم الحروب التي أعاقت نمو وتطور الشعوب
العربية أجيالاً طويلة..
نقول أن الحزام الأمني لدولة إسرائيل بلغ أشواطه النهائية.. فحزب الله
متهالك في عملية خراب لبنان عن طريق الاحتفاظ بسلاحه ريثما تُحقق
المفاوضات الاسرائيلية السورية نتائج مقبولة [
إضافةً إلى أسباب أخرى لبنانية محلية عالجناها في دراسة خاصة حول
استراتيجية حزب الله الدفاعية ] وهذا ما سمح لاسرائيل بالتطلع
إلى معالجة الداخل ومحاول فرط وحدة الشعب الفلسطيني التي باشرتها حماس
بدفعٍ معلن من سوريا وايران اولهما بالدعم المناظراتي الخبيرة فيه
والثانية بالأموال والسلاح.. وكانت غزة ذروة الهزال في العقل الأصولي
العربي الذي بات الآن مشتتاً بين ولاءٍ وطني فقدَ أثارَه وبين انتماءٍ
ديني عقيدي يؤخذ الصالح بجريرة الطالح..
السؤال الآن هل تستكين ايران بعد تحجيم دور حماس على يد إسرائيل أم تحوّل
كل جهدها الى دفع المقاومة اللإسلامية، حزب الله، لخلق فتنة جديدة في
لبنان أواستدراج إسرائيل إلى حرب " لو كنت
أعلم" جديدة تجعل من المستحيل على الشعب اللبناني البقاء في جحر
الأصولية المذهبية لحزب الله؟
إن جميع الأشائر تدل على حزم حزب الله أمره نهائياً وهو بات بانتظار أمر
الولي الذي، على ما يبدو، بات على بُعدٍ شاسع لإصداره خاصة بعد أن فَقَد
هذا الحزب حشدَه البشري إثرَ إقصائه عن حصونه في جنوب لبنان وحصره
مطوّقاً في ضاحية بيروت الجنوبية.. فالمُقبل من الأسابيع المتبقية على
إجراء العملية الانتخابية في لبنان تحفل بالكثير من المواقف التي يتبناها
مباشرة أو تلك التي يباشرها حليفه الأكثر رعباً من خسارة مواقعهما
الداخلية والاثنان راهنا ويراهنان على استعادة النظام السوري وحليفه
الايراني صلات وصلٍ مع الادارة الأمريكية الجديدة واكتساب شروطاً تخفيفية
أو حتى إفراغية لأحكام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في مقابل تخليهما
عن التدخل في الشأنين اللبناني والفلسطيني استكمالاً لطوق الحزام الأمني
حول إسرائيل..
من البديهي الظن هنا أن همروجات حزب الله وأولياء أمره السوريين
والايرانيين وتهديداتهم المتكررة بإنهاء وجود إسرائيل ما هي سوى شعوذات
شعوبية لا ترقى إلى درجات السياسة سيما وأن التاريخ لم يخلو قط من
مثيلاتها ففي حين كان صدام حسين يحارب الايرانيين كان هؤلاء، الذين طردوا
أو قضوا على قيادات جيشهم الشاهاني القوي كان ضباط الجيش الاسرائيلي
يشاركون في إدارة معاركهم الحربية[ راجع روبرت فيسك – ويلات وطن] ،
تماماً كما أفرغ النظام السوري جيشه من كبار ضباطه قبيل اندلاع حرب
الأيام الستة وترك جيشه يتشتت في القفار ويتقلّب في حرائق قنابل
النابالم..
ترى ألم يفهم حزب الله وحليفه بعد مغبة ما هم إليه سائرون أم أن العنفوان
العقيدي سيدفع بهذا الحزب إلى الانتحار، وألم يفهم ذلك الحليف ذو
العنفوان الذي، رغم ما ابتُليَ لبنان بسببه، لم يُصقَل بعد ويصرّ على
إجراء تجارب استراتيجيته الدفاعية في شحذ همَم بعض مَن لا زال له عليهم
بعض سطوة فيضحي بهم وبمستقبلهم إشباعاً لغرور غير محدود يتملّكه..
تساؤل،،
ترى هل كل ذلك يؤدي استكمال الحزام الأمني المطلوب إسرائيلياً ويدفع
بالأصولية العقائدية إلى القبول بحق جميع الشعوب بالعيش الكريم حتى متى
استَكمَلَ هذا الحزام طوقَه تتخلى إسرائيل عن تحقيق حلم استراتيجيتها
الدينية التاريخية علناً فترضخ إلى مبادئ وقواعد المبادرة العربية
الملكية، وتنزع عن شعبها ما زرعه مؤسسو حركتها الصهيونية من نواقص
البغضاء والحقد فيتلاقى الشعبان العربي والعبري في واحة سلام على أرض
سلام؟
للبحث صلة،
لاحظ س. حداد |