الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

 القوات اللبنانية

اقرأ المزيد...

 


 

20110914

كلمة رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع في ذكرى شهداء القوات

 

حيث لا يجرؤ الآخرون، شهداءنا الأبرار، كونوا مطمئنّين، كما كنتم حيث لا يجرؤ الآخرون، هكذا نحن، دائماً أبداً، على خطاكم، حيث لا يجرؤ الآخرون. المسيحيون في هذا الشرق هم بالفعل دائماً حيث لا ولم ولن يجرؤ الآخرون. لا نخاف أحداً، لن نخاف من أحدٍ، لا نريد ضماناتٍ من أحدٍ.

لا نقبل ابتزازاً، لا نقبل تهويلاً، لن نقبل تهديداً. وستبقى أجراس كنائسنا تدقّ وأصواتنا تصدح، ولكن دائماً بالحق والحقيقة، مهما كانت صعبةً ومهما كان الثمن.

لن نساير، لن نتلوّن، لن نستجدي لا أمناً ولا أماناً. لا نخاف أحداً، ونعرف كيف نتدبّر أمرنا. إمّا أن نعيش قيمنا ومبادئنا وقناعاتنا، وإمّا على الدنيا ألف سلام. لن نقبل بتزوير تاريخنا وهويّتنا. تاريخنا حقّ وحقيقة، وقيم ومبادىء وأخلاق وقناعات. هويّتنا، رسالة حضارية إنسانية لا محدودة، من يوحنا مارون والبطريرك الدويهي، الى شارل مالك وجبران خليل جبران.

شهداءنا الأبرار... وأنتم الأنقى والأصفى والأدرى، وأنتم شهداء القضية، وشهودٌ على حقيقتها وحلقائقها. قولوا لنا بربّكم: من هاجم المسيحيين في لبنان؟ من قتلهم؟ من قتلكم؟ من دمّر كنائسنا؟ من فجّر كنيسة سيدة النجاة؟ من قصف الأشرفيه، وزحلة، وعين الرمّانة وعيون السيمان؟ من انقضّ على بلاّ، وكور وقنات والقاع؟ من اعتقل وأخفى واغتال رجالنا من رهبانٍ، وعلمانيين، وعسكريين وسياسيين؟

قولوا لنا بربّكم، من أمعن في المسيحيين، وبعد نهاية الحرب، قمعاً، وتنكيلاً، وسجناً، ونفياً، واضطهاداً وتهميشاً، وأقصاهم، عن أي دورٍ فعليّ، وساهم في هجرتهم؟ قولوا لنا بربّكم، أين هم حتّى الساعة، مئات المعتقلين، المفقودين في غياهب السجون، وفي طليعتهم، الرفيق العزيز الغالي الحبيب بطرس خوند؟ قولوا لنا بربّكم، من قتل بشير الجميّل، وكمال جنبلاط، ورينيه معوّض ورفيق الحريري؟ قولوا لنا، من خلّف وراءه سلاحاً غير شرعيّ، وبؤراً أمنيّةً وإرهابيةً، فأبقى اللبنانيين تحت الضغط المستمرّ، وأبقى الدولة اللبنانية رهينةً؟

لا نخاف أحداً، لن نخاف من أحدٍ. نعرف كيف نتدبّر أمرنا. وسنبقى دائماً أبداً، أمناء لأنفسنا، ولتاريخنا، حيث لا يجرؤ الآخرون.

رفيقاتي رفاقي.. أيّها الحفل الكريم.. أيّها اللبنانيون... ليس الوجود المسيحي في لبنان والشرق وجوداً عددياً، مادياً، ولا هو تكملة عددٍ، أو رافعة شعبيّة لأحد.

إنّه وجودٌ سابقٌ للأنظمة الحالية بقرونٍ عديدة، وجودٌ توالت عليه دولٌ وإمبراطوريات عاتية، أين منها بعض تلك الأنظمة الحالية الجائرة... ومع كلّ ذلك، لم يتحوّل المسيحيون يوماً أسرى عقدة العدد، فاستمرّ وجودهم في الشرق وتألّق، ونجح في لبنان، بإنشاء واحةٍ خضراء للحريّة، في أوج سطوة الإمبراطوريّات. إنّه قبل كلّ شيءٍ، وجودٌ ذو أبعادٍ روحيّة ، قيميّة، إنسانيّة سامية، يحمل في جوهره رسالة تفاعلٍ، ومشاركةٍ حقيقيّةٍ، في الحياة الوطنية، والثقافية، والسياسية، والاجتماعية لشعوب المنطقة كلّها.

"جنّة الذمّية لا نرضى بها... جهنّم الحريّة أفضل منزل"

إنّ من يقتل إخوةً لنا في الوطن، أو في سوريا، أو في المنطقة، أو في العالم، من دون رحمةٍ أو شفقةٍ، ليس الطرف الصالح لا لصداقةٍ، ولا لتحالف. إنّ التحالف الذي يدعو البعض إليه، ويسمّيه تحالف الأقليّات، ما هو بالفعل، إلاّ تحالف أقليّات السلطة والمال والمصالح النفعيّة، لأي طائفةٍ أو قوميّةٍ أو فئةٍ انتمت، بمواجهة أكثريّةٍ مسحوقةٍ، لأي طائفةٍ أو قوميّةٍ أو فئةٍ انتمت.

إنّ إثارة المسألة بهذا الشكل، هي في حقيقتها، تقزيمٌ لدور المسيحيين التاريخي، ونقلهم من مدافعين عن المبادىء الإنسانية السامية، إلى مجرّد أكياس رملٍ لحماية أنظمةٍ غاشمة متخلّفة، لا قيم عندها ولا قناعات، سوى الاحتفاظ بالسلطة على حساب كلّ شيءٍ، وبالرغم من كلّ شيء.

أيّها المسيحيون... لن نقبل بأن نكون شهود زورٍ على ما يحصل من ارتكابات بحقّ كلّ ما نؤمن به أصلاً، كما بحق الإنسانيّة...

رفيقاتي رفاقي... أيّها اللبنانيون... إنّ الخوف من التطرّف مبرّرٌ ومشروعٌ، ولكنّ هذا الخوف لا يبيحُ المحظورات، ولا يفترض انقلاباً جذريّاً، على كلّ القيم الإنسانيّة والمسيحيّة. إنّ التغلّب على التطرّف، لا يكون بتبرير ارتكاب مزيدٍ من الجرائم، على يد ديكتاتوريّات، شكّلت في الأساس، سبباً مباشراً لنشأة التطرّف.

إنّ دورنا الطليعي يحتّم علينا، عدم الانزلاق، الى قمقم التقوقع الأقلّوي، الذي يحاول البعض استدراجنا اليه، من خلال هواجس، ليست محصورةً بالمسيحيين فحسب. أن نكون شهود زورٍ، أو في أحسن الأحوال متفرّجين، منكفئين، متراجعين أمام الربيع العربي ومخاضه، ذلك يعني تفشّي عقدة الأقلويّة في نفوسنا، وتحوّلنا من أقليّة عدديّة صاحبة رسالةٍ أكثريّة إنسانيّةٍ عالميّة، الى أقلويّة نفسيّة هامشيّة ترقد، في ذمّة الجغرافيا وخارج التاريخ.

وللخائفين من ظهور أنظمةٍ أكثر تشدّداً، نتساءل: أيّ تشدّدٍ أخطر من الذي شهدناه في لبنان على مدى ثلاثة عقودٍ، والذي أدّى الى قصم ظهر المسيحيين، وإحباطهم لعشرات السنوات؟

بربكم، كيف يكون تشدّدٌ أخطر من الذي نشهده اليوم، كلّ يومٍ، كل ساعة، في القرى والمدن والأحياء السوريّة كلّها؟ وإذا سلّمنا جدلاً بأنّ تطرّفاً ما سيظهر في مكانٍ ما، فإنّ موقفنا منه لن يكون أقلّ حدّةً، ومواجهتنا له لن تكون أقلّ شراسةً، إنطلاقاً من الاعتبارات نفسها، والتزاماً بقيمنا، وقناعاتنا نفسها، ولنا في هذا المجال صولاتٌ وجولات.

ما لا نقبله، هو خيانة أنفسنا وكلّ ما نؤمن به، هرباً من نظامٍ متطرّفٍ مزعومٍ، لا نجد مؤشّراً على قيامه في كلّ ما يجري؛ فالتاريخ لم يعد يوماً الى الوراء، ولن يعود.

رفيقاتي رفاقي... أيّها المسيحيون... لن نعيش ذمّيين. هذا موقف حياةٍ أو موتٍ بالنسبة لنا...

لن نكون ذمّيين... إنّ حقّنا في الحريّة والعدالة والمساواة والحياة الكريمة، في لبنان والشرق لا يتأمّن، إلاّ عبر الدولة، المدنيّة، الديمقراطية الفعليّة، وليس بالعيش كائناتٍ هامشيّة في كنف الديكتاتوريّات.

وهل مقبولٌ أن ننكفىء نحن المسيحيون عن الشرق في اللحظة ذاتها التي بدأ فيها الشرق يشبهنا؟ وفي اللحظة عينها، التي بدأ فيها بتجسيد المفاهيم التي لطالما نادينا بها نحن، وبتحقيق أحلامنا نحن، في الحريّة، والديمقراطية، والكرامة الإنسانيّة وحقوق الانسان؟

إخواني المسيحيين في لبنان، وسوريا، وفلسطين، والعراق، ومصر ودول المنطقة كلّها... لا تخافوا، إذا كان الله معكم فمن عليكم؟ حافظوا على إيمانكم وعقيدتكم والرسالة الإنسانيّة الكبرى، والقيم التي تحملون، بالرغم من كلّ التحديّات، وانخرطوا، في صلب معاناة شعوب المنطقة من دون خوفٍ أو وجل.  كونوا دائماً طليعة حركات التحرّر والتقدّم، كما كان أسلافنا منذ أقدم العصور.

يحضرني في هذا المجال قولٌ لفيلسوفنا الكبير شارل مالك: " الثائرون على الظلم والجور والاستغلال والاستعباد والاستبداد. هؤلاء الثائرون في جميع أصقاع الأرض من أين جاءتهم هذه الشعلة الثوريّة؟ إنّ شعلة الثورة الإنسانية نابعةٌ أصلاً من التراث الابراهيمي، أيّ إنّ ملء الوجود الكامل، الذي هو الله، هو الذي مسّهم بشكلٍ أو بآخر".

 في هذا السياق، لا يسعني، سوى استهجان موقف الحكومة اللبنانية الحاليّة، ممّا يجري في سوريا، والذي لا يعكس، بأيّ حالٍ من الأحوال، صورة لبنان الحريّة، والتحرّر والتقدّم والتطوّر والانفتاح، لا بل يعطي صورةً سوداء قاتمةً كالحة عن لبنان، تتناقض مع حقيقته، كما تتناقض مع تطلّعات وشعور أكثريّة الشعب اللبناني.

 إنّ الحكومة الحالية، بموقفها هذا، تضع لبنان، في تناقضٍ تامٍ، مع هويّته وتراثه وتاريخه، كما تضعه في مواجهةٍ مباشرةٍ، مع المجموعة العربية كما مع المجتمع الدولي، الأمر الذي لم نشهد له مثيلاً في أي لحظة من اللحظات منذ قيام دولة لبنان.

 أيّها اللبنانيّون... إنّ فرحتنا بالربيع العربي لن تكتمل إلاّ باكتمال ربيع لبنان وربيع فلسطين.

 إنّ ربيع فلسطين على وشك أن يتفتّح، باعتراف الأمم المتحدة، بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين. لا يعتقدنّ أحدٌ بأنّ هذا الاعتراف، هو اعترافٌ صوريّ أو نظريّ، لأنّ ما كُتِب سيكون قد كُتِب، وسيتحوّل عاجلاً أم آجلاً، الى واقعٍ ملموسٍ، تفرح به قلوب الفلسطينيين والعرب أجمعين. وستكون الفرحة لنا، نحن اللبنانيين، فرحتين: فرحةٌ بقيام دولة فلسطين، وأخرى، مع فرحة الإخوة الفلسطينيين اللاجئين في لبنان، بخلاصهم من تشرّدهم المزمن، وعودتهم الى فلسطين.

 أمّا في ما يتعلّق بربيع لبنان، فانتفاضة الشعوب العربية اليوم، على أنظمةٍ غابرة، تقابلها، بكلّ اسفٍ، محاولة البعض في لبنان إعادتنا الى خريفٍ ولّى.  إنّ ربيع لبنان ما زال يرزح، منذ انطلاقة ثورة الأرز، تحت وطأة سلاحٍ غير شرعيّ، يُصادر القرار الاستراتيجي للدولة برمّتها، ويشكّل سيفاً مصلتاً على أعناق اللبنانيين الأحرار.

 من جهةٍ أخرى، لم يعد مقبولاً بعد اليوم، تصنيف اللبنانيين بحسب انتماءاتهم الحزبيّة، حتّى ضمن المنطقة الواحدة والبلدة الواحدة والقرية الواحدة...

 هذا مواطنٌ من حزب الله، فتُبيح له الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائيّة كلّ المحظورات... ويحقّ له ما لا يحقّ لغيره، حتّى وإن كان خارج نطاق عمليّاته العسكريّة المفترضة على الحدود بعشرات ومئات الكيلومترات...

 لقد أصبح، بكلّ اسفٍ، مواطن حزب الله في لاسا، أو الرويسات، أو الزعيتريّة، أو بيروت أو بعلبك أو الجنوب، بنظر الأجهزة الأمنيّة، مختلفاً عن المواطن العادي في هذه المناطق نفسها، كما في المناطق الأخرى، وكلّه باسم المقاومة.

 المواطن الأول مباحٌ له أن يتجوّل بسلاحه الظاهر، وأن يستعمله كيفما شاء، وأن يخوض اشتباكاتٍ مسلّحة، تتطوّر في بعض الأحيان، الى استعمال الأسلحة الثقيلة، أمام أعين الأجهزة التي لا تتدخّل، إلاّ بحدود ما يسمح به حزب الله، بينما يُمنع على المواطن اللبناني العادي، أن ينقل بندقيّة صيد، من دون ترخيصٍ، أو حتّى أن يتأخّر في تسديد فاتورة ماءٍ أو كهرباء...

 المواطن الأول مسموحٌ له، تشييد آلاف الأبنية المخالفة، على الأملاك العامة والخاصة وأملاك الأوقاف، وإذا طُرح تصحيحٌ للأمر، فبالتراضي، وعبر حلٍّ يناسب المواطن المخالف... وكلّه باسم المقاومة.

 أمّا المواطن العادي، فيلاحَق ويُحال على القضاء، لمجرّد تشييده خيمة قرميدٍ، من دون ترخيصٍ، في ملكه الخاص، أو إنشائه غرفةً غير مرخّصةٍ، على أرضٍ يملكها ... نحن لا نطالب بتعميم بعض النماذج الخارجة عن القانون، بل نطالب بتعميم التقيّد بالقانون، على المناطق كلّها، والمواطنين جميعاً.

 أيّها اللبنانيّون... إنّ وجود سلاح حزب الله، لم يعد عبئاً على المواطنين العاديين، وتهديداً لهم فحسب، وإنّما تعدّاهم، ليطال مسؤولين رسميين وسياسيين، رضخ بعضهم لابتزاز السلاح وتهويل القوّة، بحيث انتهى الأمر، في مرّةٍ من المرّات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الى قلب حكومةٍ والإتيان بأخرى، وكلّه باسم المقاومة. وعوض أن تنجح الدولة اللبنانية، ولو تدريجياً، في استيعاب سلاح حزب الله، بعد أكثر من خمسة أعوامٍ على انطلاق الحوار الوطني بشأنه، تراها تبحث هي اليوم، عمّن ينتشلها من قضم حزب الله واستيعابه لها...

 إنّه لأمرٌ مضحكٌ مبكٍ حقّاً... والأكثر غرابةً، أنّ البعض من أصحاب المسؤولية، يقفز فوق الوقائع المؤلمة كلّها، ويتجاهل محنة الدولة اللبنانية بوجود سلاحٍ خارجها، ليتلوَ على مسامعنا يوميّاً، ثلاثيّة "الجيش والشعب والمقاومة" والتي تتحوّل في الواقع تدريجيّاً الى ثلاثيّة "المقاومة، والمقاومة، والمقاومة"، ما يعني عمليّاً "حزب الله، وحزب الله، وحزب الله". "ومن له أذنان سامعتان فليسمع".

 "إذا لم يبنِ ربّ البيت... فعبثاً يتعب البنّاؤون"...

 أيّها اللبنانيّون... المفارقة في لبنان أنّ الدولة قائمة، وقادرة إذا أرادت، وتحظى بغطاء ودعم الشرعيّتين العربيّة والدوليّة، لكنّ فئةً دون سواها من اللبنانيين، تصرّ على أنّ هذه الدولة عاجزةٌ، وتعمل على إبقائها مقصّرةً، وتختلق الحجج، والإشكالات، وتفتعل الضوضاء المستمرة، لتبرّر لنفسها حصريّة امتلاك السلاح الى ما لا نهاية...

 أمّا في ما يتعلّق بإشكاليّة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، فالمطلوب من الدولة اللبنانية، أن تُمسك بهذا الملف، بعيداً من "العنتريّات"، لمعالجته بالطرق المعتمدة دوليّاً، وذلك عن طريق الطلب من الحكومة السوريّة، الاعتراف خطيّاً، بلبنانيّة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وعندها تكون الدولة اللبنانية، ومن خلفها الشعب اللبناني برمّته، هي وحدها المولجة، تحرير هذه الأراضي بالطرق التي تراها مناسبةً...

 أمّا بالنسبة لموضوع النفط والغاز، فهذه الثروة،هي مُلكٌ للدولة اللبنانية والشعب اللبناني كلّه، وليست حكراً على فئةٍ، وبالتالي فإنّ الدفاع عنها هو مسؤوليّة الجميع، ممثّلين بالدولة اللبنانية...  لن نسمح لأحدٍ بأن يصادر الثروة النفطيّة للشعب اللبناني، تحت ستار " المقاومة" أو تحت أيّ ستارٍ آخر... وكلّ حديثٍ عن " مقاومةٍ"، لتبرير القبض على الثروات، قد ولّى إلى غير رجعة...

 في هذا السياق، أغتنم مناسبة وجودي على منبر شهداء المقاومة اللبنانية بالذات، لأتقدّم، الى الإخوة في حزب الله، بنداءٍ، بعيداً عن كلّ اختلافاتنا: قد يعتقد البعض منكم، أنّ بقاء سلاح الحزب، هو ما يوفّر الحماية والقوة لكم. لكنّ هذا البعض، فاته، أنّ حمايتنا وقوّتنا جميعاً، كمواطنين لبنانيين، لأيّ فئةٍ انتمينا، لا تتأمّن، إلاّ من خلال الدولة اللبنانية من جهةٍ، ومن تفاعلنا، الإنساني والسياسي والاجتماعي مع بعضنا البعض، من جهةٍ ثانية.  إنّ بقاء السلاح غير الشرعي في لبنان، لم يعد مبرّراً، ولا مقبولاً، لا سيّما في ظلّ التحوّلات الكبرى، وفي ظلّ سقوط المعادلات التي أوجدته.

 من هنا أدعوكم، لاتخاذ قرارٍ جريءٍ، بالتخلّي عن سلاحكم، أعزّاء شرفاء، للدولة اللبنانية، بعدما أدّى هذا السلاح دوره كاملاً حتّى العام 2000... تعالوا إلى حيّث تجرّأنا، وإلى حيث يجب أن يجرؤ الآخرون.

 أيّها اللبنانيّون... لأنّ الظلمة لن تقوى على النور، ولن ينتصر الشرّ على الخير، آن أوان محكمة لبنان.

 آن الأوان... لإسقاط ورقة التين، عن منطقٍ إلغائي لدى البعض.  آن الأوان... لتبيان حقيقة هذه المدرسة- المشرحة، القائمة في لبنان ودول شرق أوسطيّة أخرى، على اعتماد لغة الإرهاب والاغتيال...

 إنّ عدالة شهدائنا، جميع شهدائنا، هي عدالةٌ بحجم وطنٍ وقضيّةٍ، وليست أبداً، عدالةً على قياس أحقادٍ شخصيّةٍ، ليست في الأساس، من شيم من بذل روحه فداءً عن الوطن، والوجود، والمصير... إنّ عدالة المحكمة هي عدالةٌ للجميع، لكلّ اللبنانيين، وأكاد أقول لشعوب المنطقة كلّها. إنّها إنهاءٌ لمرحلةٍ وإيذانٌ بأخرى.

 أيّها اللبنانيّون... كان من المفترض أن يطوي اتفاق الطائف، صفحة الحرب اللبنانية، وينقل لبنان، من حالة الدمار والقتل والاغتيال، الى حالة المصالحة الوطنية، والأمن والاستقرار... إلاّ أنّ البعض، أصرّ على إبقاء جرح لبنان نازفاً، فتوالت الاغتيالات، وتوالى سقوط الشهداء... لكن لا تسلم الجرّة في كلّ مرّةٍ؛ هكذا أُنشئت المحكمة الخاصة بلبنان، وهكذا سيتمّ وضع حدّ لهذا المسلسل الإجرامي المدمّر.

 إلاّ أنّ البعض، ومنذ اللحظة الأولى لإقرار المحكمة، عكف على وضع العصي في دواليبها، محاولاً بالتشكيك، والتهويل، والصراخ، و"اجتراح" قرائنٍ من العدم، والتنقيب عن أي هفوةٍ شخصيّةٍ، أو ثغرةٍ تقنيّةٍ، موجودةٍ عادةً، في أيّ مؤسسة أو إدارةٍ أو محكمة، الانقضاض على المحكمة الدولية، ومحاولة اغتيالها، وصولاً الى حدّ الضغط باتجاه منع لبنان ، من تسديد حصّته في تمويلها...

 لكنّ الفاجر لن يأكل مال التاجر بعد اليوم في لبنان... إنّ آلة القتل والاغتيال التي استخدمها البعض، أو استعان بها، أو حماها، لتحقيق مآربه السياسيّة، ستصبح خارج الخدمة قريباً... والأفضل للجميع من الآن، البحث، عن آلةٍ أو آليّةٍ مختلفة، تحقق الأهداف السياسيّة بطرقٍ ديمقراطيّةٍ، دستوريّة، ميثاقيّة، قانونيّة،حضاريّة..

 محكمة لبنان... آن الأوان... آن الأوان... لكبح جماح آلة القتل والاغتيال... آن الأوان ... لأفول زمن شريعة الغاب... آن الأوان... لانتصار شرعة القانون وحقوق الإنسان... آن الأوان... لبزوغ فجر العدالة والاستقرار

وبعد، رفيقاتي، رفاقي، أيتها القواتيات، أيّها القوّاتيّون، يتزامن احتفالنا اليوم، بذكرى شهداء المقاومة اللبنانية، مع تحقيق القوات اللبنانية، نقلةً نوعيّة لناحية توطيد الأسس الديمقراطيّة الحزبيّة، وتثبيت النهج المؤسساتي داخل الحزب. وبذلك تصبح القوات اللبنانيّة، مثالاً يُحتذى، على الصعيد الحزبي في لبنان والشرق.

إنّ التجربة الحزبيّة النضاليّة الطويلة، التي عاشتها القوات اللبنانية، مكّنتها من استشراف آفاق المرحلة المقبلة، فسعت من خلالها، الى مواكبة عصر التحوّلات الديمقراطيّة الكبرى، التي تمرّ بها المنطقة العربية، لتكون السبّاقة على هذا الصعيد.

إنّ التجربة الحزبيّة النضاليّة الطويلة، التي عاشتها القوات اللبنانية، مكّنتها من استشراف آفاق المرحلة المقبلة، فسعت من خلالها، الى مواكبة عصر التحوّلات الديمقراطيّة الكبرى، التي تمرّ بها المنطقة العربية، لتكون السبّاقة على هذا الصعيد. فهنيئاً لكم ولنا جميعاً بهذا الإنجاز.

إذا كان قدر شهدائنا الاستشهاد، فإنّ قدرنا، وقدر الأحرار في ثورة الأرز، أن نتابع مسيرتهم نحو التقدّم، والتطوّر والعدالة والاستقرار والدولة الفعليّة حتّى النهاية.

أمّا أنتم رفاقي الشهداء... فكلّي ثقة، بأنكم هذه السنة أكثر فرحاً من باقي السنوات، إذ يكفيكم، ويكفي القوات اللبنانية، وثورة الأرز فخراً، أن يُحيي ذكرى استشهادكم هذه السنة، بطريركٌ، من بطاركة الموارنة التاريخيين، الذين افتتحوا مسيرتنا، في النضال، والمقاومة، منذ 14 قرناً، وعلّمونا، أنّ الموت بحريّة وكرامةٍ في كنف جبالنا الصعبة، خيرٌ لنا ألف مرّة، من العيش أذلاّء، صاغرين، في ذمّة طاغيةٍ من هنا، أو ديكتاتورٍ من هناك...

فأمامكم، غبطة أبينا الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، وأمام عظمة التاريخ الذي تختزنون، ويختزنه أسلافكم، نعاهد الله، أنّنا سنبقى أوفياء لتاريخ شعبنا، متصالحين مع أنفسنا، ومخلصين لمسيرة بطريركيّتنا، في الذود عن الحريّة والإنسان، وفي الدفاع، عن كلّ مضّطهَدٍ ومظلومٍ في هذا الشرق...

هكذا بدأت رسالة المقاومة اللبنانيّة مع يوحنا مارون.. وهكذا استمرّت... وهكذا ستبقى في كلّ حين...

الى أبد الآبدين آمين

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها