الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

 القوات اللبنانية

اقرأ المزيد...

 

هوية، كيان وغزوات

بقلم/شبل الزغبي

المنسق العام لتجمع مقاتلي القوات اللبنانية السابقين في بلاد الاغتراب

يمر لبناننا الحبيب حالياً بخطير المنعطفات المهددة مجتمعنا المسيحي وجوداً ومصيراً, أمناً وهوية، حقوقاً وكرامات.

منعطفات لطالما واجهتنا سحابة تاريخنا الطويل والمتجذر في الأصالة.

كانت لنا دائماً التحديات حافزاً للمزيد من التشبث بأرضنا، ودفعاً قوياً لنا في مسيرة مقاومتنا العنيدة، وتصلباً طوباوياً في الذود عن حقوقنا وإيماننا والمعتقد.

مواجهات مشرفة كبيرة ومحطات نضال كثيرة رسمت لنا وللآخرين الحد بين البقاء والفناء، الاستمرار والعدم، الحرية والعبودية، الكرامة والإذلال، والعنفوان والهوان.

وما قوة وإكسير ديمومتنا مدى حقبات رغم نكبات السنين العجاف إلا تتويجاً لمقاومة محقة وعزيمة صلبة وإيماناً راسخاً ورجاءً لا يخيب.

كانت مقاومة الآباء والأجداد الأشاوس دائماً هي رائدة وبطولية في شتى الميادين, العسكرية منها والفكرية والحضارية، وذلك كان لرد التعديات والحفاظ على الوجود الحر عقيدةً، قيماً، تراثاً، وهوية مميزة.

التاريخ يعيد نفسه اليوم حيث أننا ومنذ سنة 1975 نتعرض لمسلسل متواصل من الهجمات الشرسة والدموية بهدف اقتلاعنا من أرضنا وإبعادنا عن وطننا، إلا أن القوات اللبنانية التي تنظمت من أجل حماية مجتمعنا والذود عن وجوده وكيانه والحقوق هي دائماً بالمرصاد كما كانت فيما مضي، وكما هي اليوم وكما ستبقى إلى يوم الحساب.

القوات الحقة بإذن الله وبمساندة أفراد مجتمعها المسيحي وتفهمه والمعونة ستحافظ على دورها الريادي هذا.

أيها الرفاق الشرفاء، لا قضية لشعب دون هوية، ولا هوية مميزة له دون وجود فاعل، منتج ومعطاء. كما أنه لا وجود لمجتمع محصن وراسخ دون وضوح رؤية للمصير والمسار أهدافاً وسبل دفاع ومقاومة وصمود.

وتسحب الأزمنة في العصور ومجتمعنا لا يزال شوكة في عيون قوى الأقربين والأبعدين من أتباع الظلامية والشر، الجهل والأصولية، التعصب والتعريب، الحقد والتحجر.

قوى استهدفتنا بأسس وجودنا وهويتنا وقضيتنا هادفة بإبليسية فاقعة إلى تذويبنا وتهميشنا وزعزعة إيماننا والرجاء بهدف إستئصالنا من الجذور وضرب الكيان.

تصدينا لها بشراسة وتفانٍ وإيمان، فانتصرنا واستحقينا بتضحياتنا والعطاءات وجودنا بكرامة وعزّ وهوية حضارية مميزة.

تشبثنا بأرض وتراب، بروابينا والوديان، بأرزنا والسنديان، وكان لنا في كل واقعة جولات ومواجهة صولات.

فجروا حروبهم على أرضنا وأشعلوا الحرائق في شتى أرجاء وطننا، ثم تظاهروا بدور الإطفائيين.

جاءوا لنا بطبق مسم سموه "اتفاق الطائف"، اتفاق نفاق أراد مِعدوه الأغراب والمُسوقين له من دول وقبائل الجوار. كما الذين ارتضوا به من يوداصيي الداخل تدمير كياننا، تهميش هويتنا، اقتلاع جذورنا وطمس التاريخ بتهجيرنا.

أنهم أحصنة طروادية وذئاب يتسللون من وراء ظهرانينا كلما سنحت لهم الفرص متخفين بثياب الحملان، قاصدين عمداً وعن سابق تصور نحر رقابنا، وبقر بطوننا ووضع اليد على ممتلكاتنا، وتدنيس معاقلنا ودَفْعنا للرحيل.

أسلحتهم والحيل متثعلبة ومتنوعة، منها ما يسمونه تمويهاً اتفاقات ومعاهدات كاتفاق الطائف، ومعاهدات كمعاهدة الأيسسكو. لم يحسب في أي منها غلال تضحياتنا وتقدماتنا صوناً للكيان. أما الأمثلة الضاربة في فجرها والوقائع المفجعة بأوجاعها والغدر فهي لا تعد ولا تحصى،

وتفوح منها كلها روائح النذالة والفجور.

أما المضحك والمبكي في آن فهو هرطقات وبدع من أدعوا زوراً لبس أدوار الحراس الأمناء على أمن مجتمعنا وهويتنا والمصير.

هؤلاء قادة وزعماء ومرجعيات مسوخ باعوا مجتمعهم والقضية بثلاثين من الفضة، واقترعوا على أثواب الطهارة والوطنية.

تخلوا عن امن مجتمعهم, فرَّطوا بالهوية، باعوا الأرض، رهنوا البلد بديون خارجية مخيفة, زرعوا بذور التفرقة والشقاق بين أهلنا، وربطوا مصير الوطن بخارج أصولي وعروبي وبصراعات إقليمية ودولية تاريخية حلولها مستعصية ومستحيلة.

بالعودة إلى تاريخنا المعاصر, فإن قوى الشر بأوجهها المختلفة وأشخاصها المسوخ فرضوا على مجتمعنا في حقبات وأزمنة متفرقة اتفاقات ومعاهدات كثيرة شكلت أخطار محدقة على حرياتنا ووجودنا والكيان. منها اتفاق القاهرة (1969), الاتفاق الثلاثي (سنة 1985), اتفاق الطائف (سنة 1989) وملحقاته رزمة معاهدات الأخوة والتنسيق.

سلَّم اتفاق القاهرة اللعين ورغماً عن إرادتنا وقرار شعبنا قسماً كبيراً من وطن الأرز إلى المسلحين الفلسطينيين. فَُرِّضَ بسعي وتمويل ومساندة عربية إسلامية فاقتطع لهم من بلدنا دويلات ومربعات أمنية. مع هذا الاتفاق بدأ التقهقر المسيحي وبدأ نحر السيادة وضرب الكيان وتفريغ المؤسسات وتيئيس الناس وإفقارهم.

وتوالت اتفاقات ومعاهدات الخيانة التي تجسدت أفضل تجسيد بالاتفاق الثلاثي واتفاق القاهرة. هيمن العرب على قرار لبنان وأوكلوا إلى نظام البعث السوري الأسدي وعسكره حكم وطن الأرز ستالينياً وقهر شعبه.

إن مضار اتفاق الطائف القاتلة جاءت مع اعتماده دستوراً, وقد فاقت أخطاره والأذى الذي تسبب به كل ما عاداه من اتفاقات ومعاهدات.

ضرب ونخر قلب وأسس التركيبة اللبنانية التوافقية, قوض الحريات، شرْعَن الظلم، افسد القضاء، ضرب التوازن الديموغرافي بتجنيس ما يزيد عن نصف مليون غريب، استبدل الهوية اللبنانية المميزة بالهوية العربية المستوردة، ربط البلد بسوريا من خلال عشرات الاتفاقات الجائرة، أوجد بؤرَ توتر أمنية في الجنوب، أقام جيوش مسلحة ميليشياوية فلسطينية وأصولية شيعية، أبعد المسيحيين عن مراكز القرار ومؤسسات الدولة، هتك الأعراض، انتهك الحقوق، هجر واضطهد وقتل ولم يترك جريمة إلا واقترفها.

هذا وأدخل لبنان في أتون الصراع العربي الإسرائيلي في الوقت الذي جنحت فيه كل الدول العربية إلى الصلح مع إسرائيل وتوقيع اتفاقيات سلام وتعاون معها علناً وبالسر على حد سواء.

رفاقنا الأحباء، هل سألنا أنفسنا لماذا وجدت القوات اللبنانية؟

ما هي هويتها, قضيتها وأهدافها؟

لماذا حملت السلاح وعمَّا دافعت؟

لماذا استشهد رفاقنا وعلى رأسهم الشهيد الرئيس الشيخ بشير الجميل، ومن أجل أي قضية كانوا يناضلون؟

لماذا قدّم مجتمعنا كل هذه التضحيات الغالية وماذا كانت النتائج؟

هل ناسنا من مرجعيات ونافذين ورسميين وقادة مدركين لكل البنود الفخاخ في الاتفاق الثلاثي وفي نسخته المنقحة التي سموها اتفاق الطائف ورقة نعي لبنان؟

هل الكل ملم بما فيه الكفاية لما بين الاتفاقين من استنساخ؟

السؤال المفترض أن يسأله كل منا لنفسه، هو لماذا رفضنا وجرمنا وحاربنا الأول ومن ثم رضخنا وهللنا للثاني وقبلنا به دستوراً، علماً أن لا فروقات جوهرية بين الاثنين.  

أسئلة نطرحها للتداول الفكري العاقل والرصين ضمن أطر المراجعة الذاتية الوجدانية والضميرية.

المراد وضع الأصابع على العلل، تشخيصها، ومن ثم السعي لإيجاد الحلول العلاجية الناجعة لها بصدق وعنفوان نابعين من صميم علة وجودنا والكيان.

الإنسان المؤمن هو الإنسان الحر المخير وليس المسير والتابع.

والمسيح قال لنا من يشهد للحق الحق يحرره.

خلقنا أحرار من أباء وأمهات أحرار وجبلتنا من تربة أرض قدسها الرب وجعل منها عنواناً للحرية والعطاء والعنفوان.

لا لسنا في القوات اللبنانية حواشي ولا أتباع لأحد، ولا كنا ولن نكون في يوم وتحت أي ظرف قطعان تساق بصمت وخنوع إلى المسالخ.

إننا أحفاد هنيبعل، وملكارت، ويوسف بك كرم، وابو سمرا غانم، ويوسف الشنتيري، وطانيوس شاهين الريفوني، وجبران، والبستاني، والبشير، والقديس شربل.

إننا عن جدارة ورثة الحضارات الأرامية والسريانية والفينيقية.

إننا مقاومون أشداء لا تخيفنا شهادة ولا تردنا شدة.

مقاومون شرفاء لا نقبل الذل ولا نرضى الهوان.

رؤوسنا عالية، جباهنا شامخة وكراماتنا والعزة هما ثروتنا والزاد.

أيها القواتيون الشرفاء، إن موقع لبنان الجغرافي المزين قلب الشرق هو نعمة ونقمة في آن. موقع متميز جعل من بلدنا عرضة لكل أنواع الغزوات والفتوحات منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا.

تفانى الأباء والأجداد في الذود عن استقلالية وحرية وهوية هذا الوطن المتميز فصدوا بفروسية الغزاة وردوا بشجاعة الفاتحين مكسورين خائبين، وصخور نهر الكلب هي خير ناطق عن عطاءات وتضحيات وبطولات.

عام 1943 توافقت الشرائح اللبنانية كافة على خروج الانتداب الفرنسي والسير في عقد استقلالي غير مرتبط بغرب أو بشرق.

توافقوا على كيان مستقل هويةً وانتماءً ومصيراً.

 هكذا أراد أباؤنا الاستقلاليون أن يكون الوطن وهكذا كان.

لكن بقيت لدى البعض أحلامً وحدوية عروبية لا ترى في لبنان كياناً مستقلاً، بل جزءً من كيان عربي أوسع.

تجسدت أحلامهم والأوهام بخضات أمنية, وانتفاضات عديدة وثورات كان فيها الخارج المحرك والموحي باستمرار.

وتتابع المسلسل من خلال اتفاقات وتقلبات وارتدادات بدءً من أحداث 1958, إلى اتفاق القاهرة سنة 1969, إلى اشتعال حروب واحداث سنة 1975, وانتهاءً باتفاق الطائف سنة 1989.

كل حلقات هذا المسلسل المأساوي غايتها ابتغت ضرب الكيان اللبناني المميز هويةً ومصيراً، حرية وديموقراطية، قيماً ونمط حياة.

فباسم العروبة اعتبر ياسر عرفات نفسه شرعياً "عربي على ارض عربية", وأمست طريق فلسطين تمر بجونيه وعيون السيمان طبقاً لمفاهيمه القحطانية.

كما حلل وشرع لنفسه الرئيس السوري البعثي حافظ الأسد الحق وباسم العروبة أيضاً الدخول العسكري إلى لبنان واحتلاله.

وفي حين ساندت العديد من الشرائح اللبنانية الغزاة العروبيين وناصرتهم، تصدت أحزاب المقاومة المسيحية تحت راية القوات اللبنانية ببسالة وشراسة لتلك الغزوات رافعةً رايات الاستقلال والسيادة والحريات، مدافعةً بإيمان القديسين عن وجود ومعتقد وهوية وتاريخ وحضارة وقيم وحريات.

إن اتفاق الطائف لم يولد سنة 1989، بل جاء نتيجة طبيعية تراكمية لكمٍّ كبير من الطروحات والنظريات والبيانات والوثائق والمقترحات والدراسات التي تقدمت بها الأحزاب والقوى (الوطنية) التي تحالفت مع الفلسطينيين والسوريين عسكرياً وعقائدياً ونهجاً منذ عام 1975 ووضعت نصب عيونها استبدال الهوية اللبنانية بالهوية العربية، إلى أن حققوا ما سعوا إليه حيث جاء اتفاق الطائف في بند ب: "إن لبنان عربي الهوية والانتماء".

كانت الجبهة اللبنانية ترفض باستمرار كل محاولات تذويب لبنان في غيره أو في محيطه، تذويباً يفقده خصائصه المميزة.

كما أن القوات اللبنانية أولت هذا الأمر أهمية قصوى في وثيقة دستورها "نحن والقضية" في بندها الـ 25 تحت عنوان "من تصدى لهذه الإخطار وما يزال؟

وكانت الفعاليات المسيحية سنة 1984 خلال مؤتمر لوزان قد أكدت في وثيقتها (البند الثالث) "أن المسيحيين في لبنان يرفضون الهوية العربية لتعارضها وهويتهم".  

إن الهوية بمفهومها الأشمل والأوسع هي خاصية الشعب وذاتيته الكيانية والوجدانية التي تميزه عن غيره من باقي الشعوب، وهو يتكنى بها فكراً وإيماناً وعقيدة ونمط حياة.

كما أنها الأداة القيمية والأخلاقية والسوسيولوجية التي تربطه بالأرض وطناً وكياناً وعلاقات. الهوية تحدد أطر مصير ومسار وانتماء الشعوب وحضارتهم والثقافة.

.إن الهوية اللبنانية هي عصارة لكل هويات واثنيات وحضارات الشعوب التي اتخذت من لبنان وطناً لها فصانها وصانته.

نلفت إلى أن البيان الختامي للمجمع البطريركي الماروني الذي انعقد في دير سيدة الجبل بتاريخ21 حزيران 2003 ذكر في بنده الخامس: "أن هوية كنيستنا هي مشرقية إنطاكية الجذور والانتماء. انتماء إلى عائلة الكنائس السريانية المنتشرة في القارات الخمس. إن التقليد السرياني تقليد روحي عريق اغني الكنيسة الجامعة مثلما أغنتها التقاليد الكنسية الأخرى بالليتورجيا واللاهوت والمفاهيم الروحية والأطر التنظيمية".

 إن أي تهديد يطاول هويتنا هو يستهدف بالواقع جذورنا السريانية والآرامية والفينيقية خصوصاً، وتأصلنا والتجذر المشرقي عموماً.

إن تهميش وتغييب أي شعب يبدأ بتهميش وتغييب هويته وبضرب خصائصه واقتلاع جذوره وتفكيك كيانه، ومن ثم تزوير تاريخه وطمس ثقافته بقتل تقاليده والعادات.

نحن ورثة حضارات معطاءة وحاملو تراث غني تعددي متراكم ومتواصل منذ فجر التاريخ، كان ولا يزال ثروة لبنانية وشرق أوسطية كبيرة.

لبنان بهويته وإنسانه والتميُّز سيبقى كما هو دائماً وطن الرسالة والقداسة والعطاءات.

نضرع لأمنا سيدة لبنان مريم العذراء، ولقديسينا شربل, ورفقة والحرديني أن يصونوا لنا وطن الأرز ويحمون أهله والأرزات العتاق.

عاشت المقاومة اللبنانية

عاش لبنان.

الولايات المتحدة الأميركية/ مكتب المنسق العام/ 1 تموز 2006

 عنوان موقعنا على شبكة الإنترنت ww.lfvf.org

للمعلومات  والاستفسار الاتصال بنا على عنواننا البريدي التالي

   Lf.veteran.fighters@hotmail.com

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها