حين نقول ونؤكد دائما أن حرية الرأي والتعبير يجب أن تكون مقدسة، وبدون رقابة تتسلط عليها وتقمعها، وتختصرها بإتجاه واحد فقط وهو التهجم على من يخالفنا في الرأي والعقيدة، فإننا ندرك تماما الواقع المرير الذي نعيشه ونتحدث عنه. إنه واقع المجتمعات الإسلامية حيث تسود لغة اله الإسلام وقوانينه التي لا تعرف أحدا إلا أتباعه ومريديه، والعابثين المجرمين القاتلين  في سبيله وسبيل جنته، المتيّمين بحورياته، والمولعين بغلمانه، والعطشى لأنهار خمره وعسله ولبنه وربما بول بعيره أيضا.

وحين نؤكد على أنه لا يجب أن تكون هناك حدودٌ من أي نوع على حرية الرأي والتعبير، فلأن من يطالب بوضع حدود وقوانين على هذه الحريات كتشريع قانون يُجرم المساس بالرموز والمقدسات الدينية، نعرفهم حق المعرفة وقد خبرنا جيدا مدى احترامهم للآخر ورموزه ومقدساته الدينية التي طالما طعنوا واستهزأوا بها، ولأننا نعرف أيضا أن حدودهم التي يطالبون الآخرين فقط في الإلتزام بعدم الإقتراب منها والمساس "بطهارتها وقدسيتها" قد تبدأ عند إلههم ورسولهم ولكنها بالتأكيد لن تنتهي عند زعيم حزب الله اللبناني المدعو حسن نصر الله، لا بل لا أحد حتى هم أنفسهم يعرف هل ستتوقف عند نصر الله أم ستذهب بعيدا جدا، حيث يُحظر على الأخرين الإقتراب بالنقد والمساءلة تجاه أصغر دجال ملتح منح نفسه أو منحه بعض الجهلة لقب رجل دين أو مجاهد أو تقي ورع، وهو الشيء الذي طالب به أحد رجال دينهم حيث اعتبر المدعو عفيف النابلسي ان أهل الدين والورع والجهاد هم خط أحمر لا يجوز المس به أبدا.

ولأن لا نهاية لحدود رموزهم ومقدساتهم فقد ثار القوم وهاجوا وماجوا غضبا وحرقا وتخريبا وإغلاقا للشوارع الفرعية والطرق الرئيسية بما فيه طريق مطار بيروت ردا على تصوير نبيهم الجديد وصنمهم العتيد نصر الله في شكل كاريكاتوري ضمن البرنامج الساخر "بس مات وطن" الذي يُبث عبر المؤسسة اللبنانية للإرسال ((LBC. هذا البرنامج بالمناسبة لم يستثنِ أحدا من القيادات اللبنانية السياسية والحزبية دون أن يطاله بالنقد والسخرية ودون أن يعترض أحد من اؤلئك الذين استهدفهم البرنامج المذكور، أو يحرض جماهيره الغفيرة، لتعيث خرابا في شوارع الوطن وممتلكاته. 

ماحدث في لبنان الجميل من أعمال عنف وتخريب وبلطجة وتهديد، لا يجب أن يمرره اللبنانيون هكذا دون وقفة جادة يؤكدون خلالها بملء أفواههم أن لبنان كان وسيبقى واحدا وان اللبنانيين كلهم متساوون لا فضل لعلي وحسن على بيار وأدمون أو على أحمد ومحمود، هكذا كان لبنان وعلى هذا نصَت مواد دستوره، والمناخ الحر المتوفر في لبنان كان سبباص رئيسياً في قيام "شقيقته" الكبرى في الإعتداء عليه واحتلاله ومحاولة فرض قوانين أمنية جديدة على اللبنانيين، لكنهم خابوا وخابت محاولاتهم وانسحبوا مدحورين بعد أن وقف العالم كله بوجههم بعد الإشتباه بتورطهم بقتل رفيق الحريري الذي كانت روحه سبيلا لعودة الحياة الى لبنان وشعبه، ولكن على ما يبدو فان من انسحب قد ترك وراءه غلمانه ليكملوا المهمة التي فشل في انجازها.

حسنا فعل السيد بيار الضاهر مدير المؤسسة اللبنانية للإرسال  بإصدار بيانه الجريء الذي أعلن فيه احترامه لنصر الله بوصفه مواطنا من مواطني لبنان المتساوين في الحقوق والواجبات حيث نصَ على ذلك الدستور وأكد عليه السيد الضاهر في الفقرة الثانية من بيانه، وسيُسجل للسيد الضاهر موقفه الجريء بعدم اعتذاره عن ممارسة الوسيلة الإعلامية التي يديرها لحقّها في النقد الساخر لأيّ شخص سواء كان غفيراً أو أميراً أو وزيراً، في سبيل الدفاع عن حريات الأشخاص وفي المقدمة منها حرية الرأي والتعبير، لأن مداراة هؤلاء ومجاملتهم ستعيد لبنان الى حظيرة الأنظمة الثيوقراطية المغلقة التي لا مكان فيه إلا لنصر الله وأمثاله، حيث لا صوت لمن يختلف معهم أو يحاول الوقوف في وجه أخطائهم الجسيمة التي ارتكبوها ومازالوا بحق لبنان وشعبه.