لا سيادة لدولة الإستبداد
060324
عندما عقد المؤتمر القبطي الثاني في واشنطن في شهر نوفمبر من العام
الماضي،
حاولت وسائل إعلام النظام المصري
ـ
تساندها في ذلك وسائل إعلام عربية معروفة بتوجهاتها الطائفية
ـ
الإيحاء بفشل المؤتمر وكذلك توجيه الكثير من التهم الرخيصة والمبتذلة
تجاه الأقباط وضيوفهم. لم
يمضِ
وقت طويل حتى تكللت جهود الأخوة الأقباط بأولى خطوات النجاح حين قررت
لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم التحدة مناقشة ملف إضطهاد الأقباط
في مصر.
على إثر ذلك، تجددت
الحملة الشعواء التي أطلقها النظام المصري تجاه قادة العمل القبطي في
الخارج وعلى رأسهم كبيرهم المهندس عدلي أبادير متهماً إياهم
بالإستقواء بالخارج والعمالة والخيانة ومحاولة تهديد أمن البلاد
وتدنيس السيادة الوطنية.
لم
تنطلِ
هذه الحملة على الشعب المصري بكافة فئاته
من
مسلمين ومسيحيين
وعرب
وأقباط ونوبيين،
ذلك أن ظلم هذا النظام وتعسفه شمل أبناء الشعب المصري جميعا مع
التأكيد على أن الأخوة المسيحيين نالوا قسطاً إضافياً من الإضطهاد
الديني،
عبر الهجوم المتكرر على قراهم ومنازلهم،
وقتل وجرح العديد منهم،
ومنعهم من بناء كنائسهم أوترميم الآيل للسقوط منها،
وكذلك إختطاف الفتيات المسيحيات ومنهن بعض القاصرات ومحاولة أسلمتهن
إجباريا،
والأهم من ذلك التمييز الطائفي البغيض بحقهم من خلال حرمانهم من
الكثير من حقوقهم الوظيفية ومن المناصب السياسية والإدارية التي
يستحقونها وعن جدارة. إضافة لهذا الكم الهائل من الإضطهاد الديني
عانى الأخوة الأقباط عموما من إضطهاد قومي عنصري شاركهم بآلامه أيضا
أخوتهم النوبيين الذين نالوا فصولا كريهة من التمييز العنصري القومي
بحقهم من خلال الإهمال المستمر لمناطق سكناهم وكأنهم ليسوا أبناء
لوطن إسمه مصر.
والحقيقة ان إدعاء النظام المصري بالحرص على سيادة الوطن التي يخاف
عليها من محاولات التدنيس لن يكون له صدى ولن يكون حقيقيا مادامت
سياسة البطش والتعسف والإعتقالات لكل معارض شريف والتمييز العنصري
بين مكونات الشعب المصري الدينية والقومية هي السائدة في مصر.
مصر
التي تحولت بفضل هذه السياسة الى مزرعة خاصة يتقاسمها مبارك مع إبنيه
جمال وعلاء ومعهم بعض المحسوبين من المتزلفين والمتملقين.
إن الحفاظ على سيادة البلاد يتأتى من خلال تأمين الحياة الكريمة
والأمن والمساواة لأبناء مصر الذين سيحافظون بالضرورة على سيادة
بلدهم
ويدافعون
عنها بدمائهم عندما
يعلمون
أن مصر هي وطن لجميع أبنائه وليس لقلة قليلة شاذة أحلت لنفسها أموال
البلاد وأرواح الناس وتهين كرامتهم يوميا،
ولا يعنيها أصلا إن عاشوا أو ماتوا،
وهو مارآه العالم في فضيحة غرق العبارة التي راح ضحيتها ألف من
المواطنين لا
لشيء
إلا بسبب طمع البعض وسطوتهم وحظوتهم لدى مبارك وأبنائه
ومستشاريه.
إن سيادة الوطن من كرامة المواطن،
وصون حقوقه وضمان أمنه وكرامته وهو مايسعى إليه الأقباط الذين ذاقوا
مرارة الظلم والإضطهاد أكثر من غيرهم،
وهم الذين حاولوا جاهدين بكل الوسائل ايصال صوتهم الى حاكم مصر،
ولكن قد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي،
ولذلك وصل صوت آلام الأقباط الى لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة
قبل أن يصل الى أسماع مبارك وحكومته.
لقد علمتنا تجاربنا مع حكام دول المنطقة ان لا إصلاح ولا تغيير إلا
بفضل ضغوط الخارج الأوروبي عموما والأمريكي خصوصا، ولا ضير ولا ضرار
في ذلك مادامت نتائج هذه الضغوط تتلاقى مع ما تطمح اليه شعوب المنطقة،
ويتضح
الآن
جليا بأنه وبفضل هذه الضغوط،
تم للشعب العراقي الخلاص من الطاغية صدام حسين وإنهاء الإحتلال
السوري للبنان والعمل على محاسبة القتلة الذين يقفون وراء سلسة
الإغتيالات ضد شخصيات من تيار بعينه في لبنان،
وإطلاق سراح المناضلين من أحرار ربيع دمشق،
وغيرهم الكثير والإنفراجات الكثيرة في مسائل تتعلق بحقوق الإنسان
وحريته في الرأي والتعبير وحرية الصحافة وحرية المرأة في عدد من دول
المنطقة،
خصوصا في دول الخليج،
وكل هذا ما كان ليحصل بالتأكيد لولا الضغوط الخارجية.
إن المؤتمر القبطي في زيوريخ مطالب بالعمل على تفعيل الضغط الدولي
على النظام المصري أكثر وأكثر حتى يستجيب هذا النظام ليس لمطالب
الأقباط وحدهم ولكن لمطالب عموم الشعب المصري في الإصلاح والتغيير
وتمزيق الدستور الطائفي الرجعي الذي ينص على أن الإسلام هو المصدر
الأساسي للتشريع مما يعني إلغاء وجود أكثر من عشرة ملايين مسيحي،
ليصبح مصدر التشريع الأساسي هو حقوق الإنسان وكرامته وتكافؤ فرصه في
مجتمع الحرية والمساواة، وعلى الأخوة الأقباط أن لا يلتفتوا إلى هذه
الإتهامات الرخيصة فلا سيادة لدولة الإستبداد والقهر والقمع والتفرقة
العنصرية وهم بعملهم النضالي المشرف هذا يسعون الى تحقيق كرامة
الإنسان وحريته التي هي الدعامة الأساسية لسيادة الأوطان.
|