اقرأ المزيد...
من يحمل المشعل اليوم؟
بقلم:
حياة
عون نيسي
بيروت في 1/8/2005
إبتُلي لبنان بموقع جغرافي متميز جعله عرضة لأطماع كل من اقتنى بندقية ، فعانى
منذ قيامه من حروب كثيرة و نزاعات اقليمية و دولية ، فكان تربة خصبة و مجالاً
رحباً لتصفية القضايا العالقة على ارضه لكن ما إبتُلي به أكثر ، كان تركيبته
التعددية الحضارية الخطيرة ، ما ادى الى نزاعات اهلية دامية بين مختلف أطرافه ،
من مسيحيين و دروز و مسلمين .
ان تركيبة لبنان الطائفية ساعدت في هذه الحروب ، خاصة ان تطلعات وآمال كل طائفة
كانت مغايرة للأخرى ، فعيون السنّة موجهة للملكة العربية السعودية ، و الشيعة
كانوا ولا يزالون محمية ايرانية ، خاصةً فيما يتعلق بحزب الله الذي يُدَرّب و
يُسَلح منها .
اما الدروز فهم مسلمون في الأساس ، لكنهم يحاولون التفرّد ، و يتمسكون بالجبل
كدويلة وحيدة تحمي وجودهم .
كل هذا حقيقة مقبولة ، أما أن ترنو الطائفة المسيحية بعيونها الى الغرب ، فهذه
الخطيئة لا تغتفر رغم ان نزاعاً داخلياً يمزّق اوصالها فالقلب و العاطفة في
مكان و المصلحة السياسية في مكان آخر ،خاصةً وان الشرعية اليوم في كفّ العروبة
المطلقة من رئيس الجمهورية "الماروني" المذهب ، الى كافة اعضاء البرلمان"
البريّ " المحتوى ، وصولاً الى المرافق الحيوية الأخرى التي عُرّبت تحت أنوف
المسيحيين ، و نتيجة لخنوعهم و طمعهم بكرسي يمنُّ بها عليهم ، من هو مفترض به
ان يكون شريكاً ، و هكذا أصبحوا يحكمون بالوكالة لا بالأصالة ، من خلال ممثلين
لا يمثلون الا أنفسهم ، وكل من تسوّل له نفسه أن يعترض على هذا الواقع ، كان
عليه أن يحمل سلاحاً ، و يسترجع الحق بالدم و الشهادة .
ماذا بقي من الزعامة المسيحية في لبنان اليوم ، بعدما تحوّلت أحزابه التقليدية
الى أشباه أحزاب سياسية ، غير فاعلة في تركيبته غير الديموقراطية.
سقط القديم كله ، ان في النسيان كحزب المردة ، أم في الشرذمة كالكتائب
اللبنانية التي تتلهّى قياداتها العديدة بالخلافات الداخلية ، و الاحقاد
السيادية .
أما التيار الوطني الحر و هو لا يتمتع بصفة رسمية ، فيجمع حول " عماده " العائد
من المنفى وطنياً و غير طائفي ، مجموعةً كبيرة من الشباب المسيحي المتلهّف
لزعيم يمثله و يدافع عن حقوقه . تبقى القوات اللبنانية المغبونة ، التي تهلل
اليوم لخروج قائدها السجين الى الحرية ، لكن صاحب شعار " أمن المجتمع المسيحي
فوق كل اعتبار " دخل السجن بعد أن وافق على إتفاق الطائف الذي نسف المجتمع
المسيحي ثقافةً و هوية ، و قزّم صلاحيات ممثليه السياسية . ماذا بقي من القائد
الماروني الفذ الذي دافع عن شعاره بالدم أمام الظروف الجديدة ، و التحالفات
والرهانات المحيطة بإطلاق سراحه ؟
سؤال يبقى برسم المستقبل .
اما اليوم و للاسف فكل من يمثل المسيحيين و ينطق بإسمهم ، هو صنيعة للطائف خاضع
و راضخ تحت سيطرة فكرية ، و هيمنة حضارية غريبة عنه .
نوابنا اليوم هم ممن يرفعون الصوت عالياً ،دفاعاً عن قضايا ، أقل ما يُقال أنها
لا تعنيهم بالعمق ، كحق الفلسطينيين بالعيش في دولة حرة خاصة بهم ، متناسين كيف
أمعن هؤلاء فينا قتلاً و تعذيباً بهدف استبدال ارضهم الضائعة بارضنا اليتيمة ،
تحت نظر و مباركة الأطراف اللبنانية الأخرى ، نوابنا اليوم ، يضعون انفسهم و
الوطن معهم ن في مواجهة مع الشرعية الدولية ، مسايرة ومجاملة لحزب الله ،
المصنف ارهابياً من قبل العالم أجمع ، متناسين ايضاً كيف دفع المسيحيون و حدهم
ثمن التعامل المرغم مع اسرائيل في الحزام الامني .
اما الاشد ايلاماً و الاكثر بؤساً فهو مغالاتهم و مطالبتهم بعروبة لبنان
وأبنائه بمختلف إنتماءاتهم ، دون الرجوع طبعاً لمرجعياتهم الدينية و الشعبية
المغلوبة على امرها .
وهل يعتقد هؤلاء ، انهم بمشاركتهم في الحياة السياسية و البرلمانية على هذا
النحو ، انهم سوف يُعطون حقوقهم ؟
أم أن العيش المشترك سوف ينصفهم ؟
أم أن الهوية العربية سوف تغير كونهم ليسوا عرباً ؟
بل الحقيقة أن قبولهم بالواقع لمصالح شخصية ، و نسيانهم للقضية القومية
الأساسية ، سوف تدفع بشعبنا الى الاضمحلال و الذوبان الكلي .
من تهميش الى آخر و من إذلال الى آخر ، يتعلق شبابنا اليوم برموز الحرب السابقة
لانهم يعتقدون ان ما من بديل ، و لأن سنين الخوف والخضوع لم تسمح ببروز زعيم
مسيحي حقيقي ، و قائد يكمّل مسيرة الدفاع عن القضية الأصلية ، وعن الوجود الحرّ
للمسيحيين في لبنان دون إرتهان و دون دفع اثمان .
شبابنا اليوم ، ورغم المظاهر الديموقراطية الخداعة التي يحاولون رشوتهم بها ،
هم كطائر قُصَ جناحاه ، و بات أسير عجزه و خيبته المريرة ، يرى النور فيمن
كانوا سبب مصيبته ، لأن ما من صوت واحد اليوم ، ممن يمتهنون السياسة يقول الحق
، و لكن لا ملامة على ضعفاء النفوس ، فهم اجدر بالشفقة ، لأن التاريخ لن يرحمهم
، خاصة إذا كُتب بأيدٍ غير أيد السلاطين .
من بحر الانحطاط هذا ، لا بد وأن نرى بصيص نور ينبعث من طائر فينيق ، بين
عينيه صليب ، وفي فمه سمكة ، يتجدد حياً كل يوم في قلوب شبابنا .
طبعاً هم شبابنا الذين يعملون في الخفاء داخل لبنان ، وفي الضؤ خارجه ، يحفرون
في الصخر بأظافرهم
لأن الديبلوماسية العالمية لا تقدم أوطاناً على أطباق من فضة ، يتعبون ويسهرون
حتى يبقى الأمل لامعاً في الأفق هؤلاء الشباب نواة عاصفة ستهزّ ربوع لبنان
قريباً ، لتطيح بالطقم القديم البالي ، لأن رائحة النزاهة و الوطنية الحقة لا
بد وان تطرد كل زعيم تفوح منه رائحة الخيانة ، خيانة شعب مقهور ومؤمن يمشي درب
الجلجلة منذ ألفين و نيّف وعيناه مسمرتان الى السماء . |