اقرأ المزيد...
لماذا يظن مسيحيوا لبنان انهم
عرب ؟
5/6/2005
وهل تكفي
بضعة سنوات من الهيمنة الفكرية لمحو هوية شعب كامل وفاعل في المجتمع ، كما و
أسدال الستارة على تاريخه الكبير ؟
منذ القدم ، عرف لبنان فتوحات كثيرة ، غيرت معالمه الجغرافية و الديموغرافية
مراراً ، لكن لم تغير هوية ابنائه و لم تسعَ أو ربما لم تقوى على ذلك ، حتى جاء
الغزو العربي" العظيم " أو الفتح العربي ، كما يفضلون تسميته ، مبدلاً وجه
الشرق الى الابد ، ماحياً حضاراته المتعددة العريقة ، ملوناً الارض و الشعب
بلون واحد ، فارضاً دين الاسلام على الامم ، و بينما خضعت معظم الشعوب تحت وطآت
السيف ، ثمة شعب مارد لم يستسلم ، حارب بشدة لحق البقاء ، متخذاً من تضاريس جبل
لبنان ملجأً له وحامياً لهويته السريانية – الارامية ، وقد دفع دماءًكثيرة
ثمناً لصموده ، فاتُهم بالتكفير و الخيانة والاستكبار.
هذا الشعب المسيحي المتمرد ، حورب بضراوة ، و عومل بقسوة ، انتهكت اراضيه و
مصادر رزقه ، حتى بات اسير لقمته في عقر داره ،فاضطر مع الوقت للتعامل مع اهل
الساحل ، و اجبر على التنازل شيئاً فشيئاً عن مبادئه و حقوقه و لغته الاصلية ،
مستبدلاً اياها بلغة الغزاة الجدد ، آي العربية – وهو المعروف حتى اليوم بذكائه
و سرعته بتعلم لغات عدة – وذلك لفك حصاره في الجبل و كي يستطيع التواصل
التجاري معهم .
هذا التبدل لم يحصل بين
ليلة و ضحاها ، بل استنفذ سنيناً طويلة و اجيالاً متتالية و قد لعب اللأكليروس
المسيحي دوراً هاماً و بطولياً ليمنع التعريب الشامل ويحافظ على الهوية
السريانية لمسيحيي لبنان ، كما كانت الكنيسة المشرقية تضغط بشدة للدفاع عن
حقوقهم و مصادر عيشهم و الاهم عن كرامتهم و حقهم بالوجود و تقرير المصير . و
لكن مع قيام دولة لبنان الكبير و ضم اللأقضية التابعة له ، لم يستطع سكان الجبل
أن يظلوا محاصرين في جرودهم العالية ، فاستُدرجوا ليشاركوا بشكل فاعل في حكم
لبنان و أُعطوا دوراً سياسياً اساسيا
فتم ارضاء زعمائهم الذين استسلموا لمصالح فردية ،
انانية . و مع الوقت خبت شعلة الثورة في نفوسهم ، فتغلغل الضعف فيهم و نسوا او
تناسوا اصولهم و حقيقتهم و ما عادوا يمثلون الشعب المسيحي أو يدافعون عنه ، لأن
التوافق الكامل مع الشريك المسلم ادى الى انخراطهم في العروبة حتى اذانهم و
سرعان ما تحولت مسايرة الطرف الاخر ، الى اقتناع تام عند البعض انهم فعلاً عرب
، ناهيك عن الدفاع المستميت عن هذه الاكذوبة
و محاولتة التاثير على الاخرين للقبول بها ، ان من
خلال السياسة المسيرة و المبرمجة لتحقيق المغانم الشخصية او من خلال الفنون و
الاداب و الدراسة الاكاديمية ، و هنا الخطورة الكبرى فالتاثير السلبي اخذ يطال
اعداداً اكبر، و اعماراً أصغر كتغيير كتب التاريخ في المدارس و تزوير مضامينها
، كيف اختفت فجأةً الحقبات التاريخية ما قبل الفتح العربي وماذا حصل للشعوب
التي سكنت هذه الارض ، هل و جدها الغزاة جرداء لا بشر فيها و لا نبات ؟ كل هذا
التزوير و التشويه للتاريخ حصل دون حسيب او رقيب و تحت مرآى و مسمع من الزعماء
المسيحيين الذين لم يعوا هذه الهيمنة الفكرية و الاجتماعية التي تطالهم ولم
يدركوا الا لاحقاً عندما تم تهميشهم بالكامل ، حجم الخسارة التي تكبدوها و
الثمن الذي دفعوه نتيجة تنازلهم عن حقيقتهم و حضارتهم و لغتهم و انتمائهم ... و
تستمر المهزلة ، فلبنان يعيش اليوم بابنائه المسيحيين –السريانيين ، و بابنائه
المسلمين
العرب
، موازنة صعبة ، و تعايشاً ملفق ، و توافقاً هشاً آي شرارة طائفية قد تقضي عليه
لان الشريك المسلم يرفض الاعتراف بمبداء التعددية و يطالب بعروبة لبنان باكمله
، طبعاً مع تواطئ عدد من الزعماء المسيحيين
عن اقتناع او عن جهل و ذلك طمعاً بحصةٍ هنا و هناك .