وأد الفتنة لا المحكمة
منّى
اللبنانيّون و أركان سلطات الدولة النفس بموسم إصطياف عامر تحييه مواكب
المغتربين المتوقّدي الشوق للعودة إلى "مهبط الوحي" و "مرقد الروح " و
"مهجع الوجدان" و "منتزه النظر" و "حضن الحبّ و الحدب و الحنان" يسابقهم
إليه حشد من السّيّاح المدمنين على طيب المأكل و المشرب و لذّة الترفيه و
روعة الطبيعة و صخب فرح الحياة.
لكن
هذا الإندفاع كبا، إذ كبحته روادع أمنيّة مقلقة تنذر بالأدهى بدأت بإنكشاف
جديد لثغرات أمن المطار لتتوّجها تهديدات محترفي الحروب التي خرقت "جدار
الصوت" و صفحات الإعلام و صعقت أعصاب اللبنانيين الآمنين مشحونة بالتشنّج
الذي أزّم المواقف و وتّر الأجواء.
يتساءل من ينشد السلام للبنان - و هم يعرفون الجواب ضمناً- لماذا يشرئبّ
مثيرو القلاقل و مروّجو الفتن عند كلّ إنطلاقة نهوض و تعافٍ و عند كلّ
إستحقاق "حسّاس" يتعلّق بالوضعين الداخلي و الإقليمي ليعلنوا أنّ لبنان
رهينة بطشهم و ترهيبهم شاهرين (إلى جانب سلاحهم) لائحة مطالب متصاعدة
يبتزّون من خلالها إستجابةً محليّة و دوليّة و إذعاناً جديداً لبسط هيمنتهم
بالأصالة أو الوكالة؟
لماذا البديل عن وقف حرب القذائف الهابطة و الصاعدة هو دائماً حرب
الإنذارات الواضحة و المرمّزة، المنطلقة و الوافدة؟
و
الغريب عندما يتلاقى إنذاران متقابلان على مضمون واحد يتأرجح تعليله بين
"فتنة" أو "نصيحة" حسب موقع قائله!
و
الفتنة تُحبط عندما تُفضح مقاصدها و تُبرز مخاطرها و تُفهم عواقبها، فتُضبط
الغرائز و يُحكّم المنطق. أمّا المستهجن أن ينزلق "مكتشفها" إلى مهاويها و
"يفعّلها" من "جانب واحد" (مستخدماً تفوّق قدراته!) متجاهلاً رفض "الجانب
الآخر" لهذه "الدعوة" .
لقد
برزت إرادة التعكير منذ إعتراض "قوّات اليونفيل" في الجنوب و تعاظمت مع
الهجوم المركّز على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان و إثارة ملاحقة "شهود
زور" ( تذكّر ببعض "المتطوّعين" الذين خُيّبت عروضهم كهسام هسام الذي "بكّر
بمعاينة" مسارح التفجير و تاق إلى الظهور في الإعلام قبل أن يؤوب إلى قنّه
كالحمامة الزاجلة) و إعتبار تسجيل المكالمات الهاتفية باطلاً لربطه بقضية
التجسس على الإتصالات من قبل المعنيين بتسريبات إعلامية مضخّمة تخمّن مضمون
القرار الإتهامي للظنينين بإغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري و الجرائم
الأخرى المرتبطة به الذي سيصدره المدعي العام دانيال بلمار.
لقد
بلغت جسارة التأويلات الصحفية حدّ محاكاة محاكمة علنية تحيد بالتهمة عن جهة
لتلصقها بجهة أخرى ربّما إنطلاقاً من مؤشّرات بعض الإستدعاءات.
إن
تداول إستقراءات القرار الظنّي علناً مرفقاً بإدّعاء التسرّب إلى مكمن
السرّ المكتوم في فكر بلمار هو "طبق" لطعن لاحق و تعليل لإدّعاء عيب في
محصلة التمحيص في هذه القضيّة إن صحّت التوقّعات.
طرح
القرار الظنّي في بورصة التجاذب السياسي المحلّي و الإقليمي هو إستغلال
عقيم و فاشل "يسهم" فيه "المضاربون" لإفتعال "إغراق" المحكمة التي ستخسئ
رهاناتهم بجلاء الحقيقة الكاملة المدعومة بالأدلة الدامغة و البراهين
القاطعة و التعليل القانوني المبرم بمهارة.
الشهداء هم أهمّ الشهود في محاكمة المتورّطين في إغتيالاتهم، شهاداتهم
أدلوا بها لمّا كانوا أحياء أمام الناس و أسرّوا بخفاياها لأخصّائهم.
أهل
الشهداء لا تأكلهم شهوة الثأر و كي يسامحوا يجب أن يعرفوا دوافع الجرمين و
هوية من يصفحوا عنهم. لذا يمكن وأد الفتنة دون وأد المحكمة.
إنّ
القضم المقسّط و المتدرّج لسلطات و مؤسسات الوطن من جانب فريق تفرّد بتنظيم
كيانيّة خاصّة تطمح إلى تهميش الآخرين و الإستئثار بحيّز أوسع من السلطة و
القرار، يتلبّس أشكالاً منوّعة و يلج منافذ متعدّدة و يحاول رجاله جرف كل
من لا يرفد نهجهم.
دول
إقليمية تسعى إلى تحقيق مكاسب و بسط نفوذ لها و حماية و تعزيز "أمنها" على
حساب أمن و حرية و سيادة و إستقرار الجمهور الإستقلالي في لبنان.
هذا
الجمهور العريض المستهدف من الداخل و المحيط الإقليمي بحاجة إلى تضافر جهود
أبنائه و دعم الدول الصديقة لدعم صموده و صدّه للضغوط الداخلية و
الخارجيّة.
يجب
إحباط مساعي التوتير و إجهاض التدابير الميدانية التي يستشفّ منها شقّ
الطريق لعودة الجيش "الشقيق" "للجم شبق حلفائه" (و في طليعتهم من نأى عن
هذا التصنيف تمويهاً) فيما تراود قيادته رغبة جامحة لإستدراج العروض من
زوّار نافذين آتين إليها. |