فراغ
غياب الجسد فيّاض بحيويّة نتاج فكره المبدع
رجال الفكر الأفذاذ لا يقاس حضورهم بالحيّز الذي يشغله الجسد بل
بأهميّة الأدوار التي لعبوها خلال مسيرة حياتهم وعظمة المنجزات التي
حقّقوها فتبعثهم مردة عمالقة تضجّ بذخيرتهم العقول والقلوب والوجدان.
غسّان تويني أتاح له فكره، المتوقّد والمتوثّب والزاخر بالثقافة
والمواهب والكفاءات والمهارات والحكمة والجرأة ودقّة الإستشعار، أن
يلعب أدواراً محوريّة ورياديّة في الحياة الوطنيّة الدائمة الإضطرام
وكان سفيراً مهيباً تنصت له الآذان صاغرة في المحافل الدوليّة.
إنجازاته مدوّنة ومدوّية في محاضر المجالس النيابيّة والوزاريّة
والمحافل الأمميّة وفي أروقة جريدة "النهار" منارة الشرق ومنبر الرأي
الحرّ المسؤول كما هي مخزونة ذخيرة وضّاءة في وجدان المندهشين بذكائه.
تحمّل بصلابة جبّار آلام جراح موت زوجته ناديا وأبنته نايلة وإبنه مكرم
وفجيعة إستشهاد فقيد "ثورة الأرز" جبران التي كظمها بحلم الكبار غافراً
وراذلاً الثأر.
كوكبة أهل القلم التي هبّت لتعبّر عن اعتزازها بمعرفته وعميق تقديرها
لمزايا شخصيّته الفذّة وعن حنين إفتقادها لصورته الحيّة هي عيّنة
مصغّرة لكن بليغة عن مدى توغّل فكره.
هذه المحبّة العارمة وهذا التقدير البليغ هما وسام شرف رفيع يضاف إلى
وسام "جوقة الشرف" الذي قلّده إيّاه "كلبناني كبير" الرئيس الفرنسي
السابق جاك شيراك قبل يوم من عودة جبران إلى لبنان حيث تنغّصت فرحة
التكريم بصدمة إغتيال جبران النجم الذي هوى في الصباح التالي.
مثلما كُرّم في حياته كُرّم في مماته إذ منحه فخامة رئيس الجمهوريّة
ميشال سليمان ممثّلاً بدولة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي "وسام الأرز
بوشاحه الأكبر" خلال مراسم الجنازة.
تكريم أهل الأرض لنبوغ وعطاءات عميد النهضة الفكريّة والصحافيّة
والسياسيّة والدبلوماسيّة،غسّان تويني، يُستكمل بتكريم علوّي لدى أبينا
السماوي.
استذكار العظماء ليس مراسم بروتوكوليّة وإنّما هو حاجة ملحّة للإفراج
عن مشاعر المحبّة والإعجاب لتتدفّق بفيض لجوج من العواطف .والحنين
حميد عواد
|