080211
عام 2005 في
اليوم الذي كرّس لتبادل العشاق و المحبين عرابين المحبة و الوفاء، زوّد
عشاق الإرهاب و الكيد و الغدر و الضغينة و الحقد و الإجرام عملاءهم
بطنّ من المتفجرات ليترصّدوا و يغتالوا بوحشية زلزال التفجير رجلاً
كبير القلب، عصامياً مكافحاً مجتهداً صادقاً، تدرّج في تسلّق سلّم
النجاح حتى بلغ قمم المجد و غدا عن إستحقاق قائدأ رؤيوياً و عنفوانياً
ملهماً للأجيال، لكن مثيراً بشموخه لغيظ أباطرة الإستبداد، إنه رجل
الدولة المرموق لبنانياً و عربياً و عالمياً رفيق الحريري.
لقد سلخوه عن وطنه، في ذلك اليوم المشؤوم، و فجعوا محبيه الكثر و هزّوا
أركان جنّة العمران و موئل الأمل و الخير.
كان، رحمه الله و طيّب ذكره، رجل دولة متألقاً يستشرف المستقبل و يحضّر
له البشر و الخطط و العدة ليضمنه مشرقاً و مزدهراً.
طمح إلى إحياء رسالة لبنان الحضارية بعد طول تشويه، فعزّز الوئام و مدّ
جسور التفاهم و الثقة بمساهمة في هندسة "إتفاق الطائف"، كما منح من
خلال "مؤسسة الحريري" نعمة تحصيل الدراسة الجامعية لأكثر من خمسة و
ثلاثين ألفاً من الشباب و الصبايا فضخّ في قلب و عروق الوطن نفحة حياة
منعشة و قوة دفع لا يستكين لها نبض.
فكان ذلك أسمى و أجدى إستثمار يمكن توظيفه لتموين المستقبل و إغناء دور
و تراث لبنان في الريادة و الرقي.
إقتحم رفيق الحريري قبب النجاح بقبوله تحدّ لم يجرؤ عليه غيره، فتعهّد
بإنجاز بناء فندق بسرعة قياسية و كان على مستوى التحدي فوفى بعهده و
بنى أساساً متيناً لصدقيته و زرع بذوراً خصبة لنجاحه اللاحق و أثبت أنه
رجل المهمات الصعبة كي لا نقول المستحيلة.
بعد تسجيله النجاح تلو النجاح و بنائه شبكة شركات متنوعة و عقده علاقات
شخصية وطيدة مع قيادات عربية و عالمية بارزة، و بعد إعتياده على لذة
حصاد غلّة الخير و متعة إنجاز المشاريع العمرانية و فرح تحقيق الأحلام
واقعاً، إختلجت في وجدان رفيق الحريري ذروة النشوة بتحقيق حلم إعادة
بناء لبنان، دولة سيدة حرة مستقلة و حاضرة عمرانية رائعة تليق بعزة و
طموح أبنائها.
فكرّس الرفيق بمحبةٍ و تفان ٍ قدراته و أرصدته المادية و المعنوية
لخدمة وطنه و خاض المعترك السياسي فمحضه إخوانه اللبنانيون الثقة و
عقدوا عليه الآمال، فقاد كتلة نيابية عريضة و ترأس غالبية المجالس
الوزارية و أنطلق بمشاريع الإعمار في ظلّ هيمنة سورية خانقة كبّلت
المؤسسات و أعاقت النهوض.
و رغم ذلك حقق الرئيس الحريري إنجازات ضخمة بفضل تصميمه و مثابرته من
جهة، و صبره و حنكته و حكمته في التعامل مع ديناصور النظام السوري من
جهة أخرى.
و لأن حلم هذا القائد متوّج بإكليل الحرية و السيادة و الإستقلال
لوطنه، و لأن نضال الأحرار لنيل هذا الهدف ما إستكان، تبنى المجتمع
الدولي هذا التوق المشروع و شقّ طريقه بإصدار قرار مجلس الأمن 1559.
و كان غضب الديناصور لمحاولة إخراجه من مرعاه الخصب مروعاً، فقذف ألسنة
لهبه على موكب الرئيس الحريري بتفجير إرهابي ضخم إستشهِد على أثره
الرئيس الحريري و الوزير باسل فليحان و لفيف من المرافقين و المجاورين
لموقع التفجير.
فُجعت النفوس الحرة و الأبية في لبنان لفقدان الرئيس الحريري و صحبه
وكان غضبها بحجم الإنفجار الآثم فبعد مأتم حاشد تقاطب أبناء العزة و
الحرية و الكرامة من كل أنحاء لبنان و طافوا في تظاهرة ضخمة أستحقت
تسمية "ثورة الأرز" يوم 14 آذار 2005، طالبت بخروج جيش النظام السوري
من لبنان و محاكمة المتورطين في تدبير هذه الجريمة الشنعاء.
و هكذا حقق شهيد لبنان بمماته إنجازاً جليلاً يضاف إلى إنجازاته
الباهرة خلال حياته، ألا و هو إنبعاث الوحدة الوطنية بين معظم شرائح
الوطن.
لكن للأسف البالغ إن الذين يضمرون صيغة مخالفة لتطلعات اللبنانيين في
العيش الآمن و الهانئ في كنف دولة قوية ديمقراطية سيدة حرة مستقلة ما
زالوا يدورون في فلك رعاتهم، متمسكين برؤيتهم الهجينة للوطن و بتحصنهم
في معاقلهم الخارجة عن سلطة الدولة و بإنسلاخهم عن بقية المواطنين.
و قد بلغت حدة ممارساتهم حداً خطيراً بات يهدد الكيان و يمهد للغور
بالوطن من جديد في غياهب عهد الطغيان الذي ودّعوه بالرياحين و أكاليل
الغار في تظاهرة "الوفاء" في 8 آذار 2005 .
واجب كل لبناني التيقظ للمكائد التي تحاك لإغتيال الوطن و للإنقضاض على
إنجازات القوى السيادية و إغتصاب ودائع لفيف شهداء الإستقلال المنتشل.
و حفاظاً على تراثنا العريق المجبول بالعزة و الكرامة و الحرية و كرمى
لإزدهار مستقبلنا و أمانة لتطلعاتنا و وفاء لتوصيات شهدائنا الأبرار،
لنشبك السواعد و نقف صفاً واحداً و سدا منيعاً لإسقاط تعديات الردة
الرجعية و لنواكب مسار المحكمة الدولية للقبض على رؤوس شبكة الإجرام
لننعم بالأمان.
و لنستلهم مناقب و خصال الشهداء النبيلة لننقّي ضمائرنا، و لنستمدّ
عوامل القوة و أسرار النجاح من مزايا القدوة في المبادرة الناجحة و
العمل الخيّر رفيق الحريري فيبقى في وجداننا حيّاً يرزق.