29.12.07
ليت الأمانة
لسرية و مقتضيات مهمات المحقق الدولي سرج برامرتس سمحت له بالجهر بهوية
عصابة الإجرام ( الذاعة الصيت على ألسنة قادة الدول الكبرى المضطلعين،
إضافة إلى اللبنانيين الملمّين بالوقائع و الأدلة ) لتُفضح و تُدان،
حينما حذرنا من غدرها في سياق تقريره الأخير، قبل أن تتمكن من إغتيال
العميد الركن فرنسوا الحاج الذي استشهد و سائقه الرقيب أول خيرالله
هدوان، مضيفَين إلى "مهر" الشهادة المبذول في سبيل العزّة و الإستقلال
رصيداً نفيساً.
لقد سجّل هذا الضابط المغوار، خلال الدفاع عن الوطن و حماية أمن اهله،
مآثر مشرّفة مضمّخة بدماء التضحية و ممهورة بعرابين الوفاء، و أدار
بكفاءة عالية و نجاح عظيم عمليات جيشنا الباسل الذي دوّن ملحمة
أُسطورية خلال مواجهة شراذم الإرهاب في "نهر البارد"، المصدّرة إلينا
من شرقي الحدود.
فيما مهّد سجلّ العميد الركن فرنسوا الحاج إستحقاق خلافة قائد الجيش
العماد ميشال سليمان المنذور لتسلّم سدّة الرئاسة، كمن له محترفو الغدر
و الإجرام بُعيد منزله و فجّروا حقد آمريهم في سيارة مفخّخة، فإختصروا
سيرته المجلية و أفجعوا أهله و أبناء بلدته و الجيش و الوطن بفقدان بطل
ميمون، في الذكرى السنوية الثانية لإغتيالهم قائداً مقداماً و خطيباً
ملهماً من قادة "ثورة الأرز" شهيد الحرية و العنفوان الوطني "ديك
النهار" المدوّي صياحه في ضمائرنا جبران التويني.
شهداء الوطن الأبرار و أبناؤه الشرفاء يستحقون التطويب كقدّيسين لعظمة
تضحياتهم و جلل إبائهم و مهابة صبرهم و قوة شكيمتهم و عمق إيمانهم و
سُمُوّ تفانيهم.
فوفاءً بِغَيض من فيض عطائهم وجب الإسراع بإعلان مضبطة إتهام عصابات
القتل و شبكات الإجرام المترابطة و سوقهم من اوكارهم و معاقلهم إلى
المحكمة الدولية المعدّة خصّيصاً لمحاكمتهم، فيسلم اللبنانيون من
شرورهم وينطلقوا بزخم مضطرد في تدعيم ركائز الديمقراطية و السيادة و
الإستقلال و إكمال ترميم المؤسسات و إصلاح الإدارات و تنظيم القضاء و
فصل السلطات في الجمهورية اللبنانية.
لكن للأسف الشديد إن الذين يعيقون و يحبطون مساعي ترسيخ أُسس الدولة
ببتر بعض مؤسساتها و تعطيل ممارسة مهام حيوية لبعضها الآخر و إثارة
البلبلة و الشغب و التهديد على إيقاع قرقعة السلاح، يفتحون الدرب واسعة
أمام حملة السلاح غير الشرعي و يؤمنون الغطاء للعمل الإجرامي المنظم
الممعن في تصفية نخب قيادية من الرعيل الإستقلالي المعاصر.
إن الفصيل الأساسي من الفريق الإنقلابي قد سلخ "رعاياه" عن بقية
إخوانهم في المجتمع الوطني كما إقتطع حيزه الجغرافي من أرض الوطن وبنى
مؤسساته الخاصة و قواه المسلحة و شبكات إتصالاته بمعزل عن سلطة الدولة
لكن مستفيداً من خدماتها و ممولآً و " مرتشداً" من أركان النظام
الإيراني الذين شكّلوه و رعوه ليقيم في لبنان حكماً تابعاً لفتاوى
فقيههم، عند بلوغ تضخم خلاياه البشرية نسبة تقزّم بقية شرائح الوطن.
يوماً بعد يوم يتّضح أن ولاء حلفاء النظامين السوري و الإيراني داخل
لبنان هو مرتبط بمصالح "العرّابين" اللذين يجعلان من لبنان متراساً
متقدماً لحروبهما العبثية و ورقة إبتزاز للتفاوض عليها مع المجتمع
الدولي الذي فتح أقنية الحوار لمصلحة لبنان و رفض التفاوض على حسابه،
رغم إلحاح "متمرّدي" الداخل على" إشباع" شهوات سوريا و إيران على
"ولائم شهية" تقدَّم من الدول العربية و الغربية إلى سوريا و إيران
(طرح معادلات": سعودية/أمريكا/فرنسا/أوروبا>>>سوريا/إيران).
النظام الإيراني و ملحقه السوري يمارسان "تكسير مزاريب العين" و
استعراضات القوة و إستنفار الحلفاء و إنشاء خلايا تكفيرية موتورة داخل
الدول العربية و خارجها تقوم بزرع القلاقل و زعزعة الإستقرار (راجع
حديث عادل الأسدي القنصل الإيراني السابق في دبي عن "خلايا نائمة" في
دول الخليج http://www.alarabiya.net/articles/2007/10/30/41005.html).
لقد سربت وسائل الإعلام الإسبانية أنباء عن تحذير وجهه أحد أركان
النظام السوري إلى السلطات الإسبانية من مغبّة تسليم تاجر السلاح
السوري منذر الكسار، المعتقل في إسبانيا، إلى الولايات المتحدة
الأمريكية، و هو الذي "صدف" الإعتداء على الكتيبة الإسبانية (24 حزيران
2007) في جنوب لبنان غداة إعتقاله. إن مثابرة الثنائي الإيراني-السوري
على "التسرّب" و بسط و ترسيخ نفوذهما في دول المنطقة مراهنين على
استنفاد صمود المجتمع الدولي في التصدي لأطماعهما يشكّل تحدياً ساخراً
يوجب معالجته بصرامة و حسم.
و ما سلوك المسلسين لأوامرهما إلا نسخة عن نهجيهما: حاور و ناور، عِدْ
و راوغ، خذ و طالب، قبّح مزايا الآخرين و جمّل عيوبك، تمسكن و ابطش،
إطلب الرأفة و افجر، تظلّم و اظلم، جوّع الناس و خُض معركة إطعامهم،
عزّز الأذلاء و اقمع الأحرار، إدعم الجهلة و اقصِ المثقفين، أطلق
السفاحين و اسجن المفكرين, إرتكب المنكر و انسبه إلى خصمك، نادِ
بالسلام و مارس العنف، اغتصب حقوق الغير و طالب بالإنصاف، تطمّع و
تعفّف، كرّس إرادتك قدراً لا مردّ له، إصقل شهوتك للسلطة لتبدو مشتهىً
وطنياً و قومياً، أضمر الغلبة و اظهر المساواة، فرّق و سُدْ، قسّم و
إدّعِ التوحيد.
لذلك ليس غريباً تطابق مواقف التابع و المتبوع أو تكاملها. فنغمة
"تطيير" إستحقاق إنتخاب رئيس للجمهورية سمعناها قبل فوات المهلة
الدستورية، إذ أكّدها لنا مرتبطون بالمخابرات السورية، قبل التصريح بها
لاحقاً من مسؤولين سوريين، و حكوا عن البحث فيها خلال شهر آذار المقبل
(ربما خلال موعد القمة العربية ليبتزّ النظام السوري موافقة عربية
لإعادة ترسيخ نفوذه في لبنان؟! أم ليستشعر أجواء المحكمة الدولية
الخاصة بلبنان لجسّ نبض مقايضة الأمان؟! أم أملاً بإنصراف إهتمام
الإدارة الأميركية عن قضايا الشرق الأوسط لصبّها نحو الإعداد لمعركة
الرئاسة في أمريكا فيسهل الإستفراد بلبنان؟!).
إن حراك المعارضة في لبنان ما هو إلاّ عوارض التدخل الإيراني-السوري في
شؤونه.
و الناس تتساءل: كيف تثق هذه المعارضة بالعماد ميشال سليمان و تؤيّد
وصوله إلى سدّة الرئاسة فيما هي ترهن عقد جلسة الإنتخاب بالإستجابة إلى
شروط تختص بتشكيل الحكومة و خطّتها (البيان الوزاري) و بتعيين قائد
للجيش و مسؤولين أمنيين؟
و ما كانت الحاجة إلى شرط تسمية قائد الجيش طالما كان الخليفة المؤهل
لهذا المنصب الشهيد العميد الركن فرنسوا الحاج؟
لكن يبدو أن المأمول هو تضييق نطاق الردع الأمني لأي شغب ميداني يدغدغ
احلام الرؤوس الحامية.
يجب أن يدرك المشاكسون أنهم ساهموا بحرمان اللبنانيين من شخصيات فذّة
إمتدت إليها يد الغدر و أساؤوا إلى ذكراهم و خانوا أمانيهم، كما حرموهم
من نعمة بديهية طال توقهم إليها وهي الإستقرار و الطمأنينة، و حرموهم
من خيرة أبنائهم الذين يغادرونهم سعياً وراء عيش كريم و مورد رزق، و
حرموهم من فورة إقتصادية توفرها لهم توظيفات فائض أسعار النفط وقد
ذكرنا بها مع أسف و مرارة العديد من مسؤولي دول الخليج.
ليكن مفهوماً أن لا شرعية و لا مصداقية لأي مطلب يُرفع كحائل يعيق نهضة
الوطن و كحبل يلتفّ حول أعناق أبنائه.