الأمثال الشعبية تختصر حكمة شعب بلغة بليغة، لكن العبرة تكمن في الاسترشاد
بها:
071110
"الجار
قبل الدار"
و"ألف عدو خارج الدار ولا عدو داخلها" (يتسلل إليها ويمار
إرهابه على أهلها)
و"إن أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمرد" و"يا ضيفنا لو زرتنا
ألفيتنا نحن الضيوف وأنت ربّ المنزل" ن_daطفه
إستدراكاً على المثل الفرنسي: "خذ راحتك وكأنك في بيتك، لكن لا تنس أنك في
بيتنا".
" Soyez chez vous،
mais n'oubliez pas que vous etes chez nous!"
و فيما يتعذر على المرء أن يختار دائماً جيرانه، فيبتلي بشرور الحاسدين
والطامعين والحاقدين منهم، فمن الظلم أن يفرض عليه
"نزلاؤه".
لكن للأسف هذه حال لبنان المنكوب ليس فقط ب"نزلائه" و"جيرانه"، وإنما أيضاً
ببعض أهله الذين جحدوا بأفضال وطنهم ونكصوا بعهود الإخاء الوطني فبايعوا
الولاء لمرجعيات منبوذة و"محاصرة" دولياً ومنفّرة ومقلقة إقليمياً، لخطورة
شبقها الجامح أبداً نحو الهيمنة ولتهوّر نهجها وعنف سلوكها ونزف ابتزازها،
ولتعنتها في تحريض غريزة العداء على منطق التفاهم وترويض الناس على الإسلاس
لتضليلها.
للأسف الشديد، بين الارتزاق والانزلاق، ارتبطت هذه الجماعات بمخططات مموليها
و"ملهميها" ومدرّبيها والتزمت نهجها المستهجن، فحادت عن التطلعات والمصلحة
الوطنية الجامعة.
وغدا لبنان معترك صراعات دائمة التناسل، دفع اللبنانيون أثماناً باهظة الكلفة
لها، كلما وقع احتكاك يواكب غالباً احتدام اشتباك الإرادة والقرارات الدولية
مع سلوك المحور الإيراني-السوري. كرمى لـ"مَونة" هذا الثنائي، ترخص في عيون
أغراره كل النعم الطبيعية التي أسبغها الله على لبنان وكل كنوزه الحضارية
والتاريخية وكل أرصدته الثقافية والإنمائية والبشرية والمادية، فيضعوها فجأة
على كفّ عفريت، في مهبّ أهواء ومصالح راعييهما.
كيف لا وأصحاب
"النخوة"
وطفيليوهم المغتذون بنسغهم يتمردون على شرعية وسيادة الدولة ليمعنوا في
إضعافها، انطلاقاً من "إقطاعياتهم" وبؤرهم، حيث تُشنّف آذانهم وتُشبع أدمغتهم
بفتاوى وفذلكات تدعي الإمرة وتنتحل العصمة.
لقد عرف لبنان أنماطاً منوعة من المقاومة، منها فلسطينية ومنها متكنية
بفلسطين (مدعومة من أنظمة عربية أبرزها النظام السوري) انطلقت أساساً لمحاربة
إسرائيل وأُحيطت بهالة من القداسة. لكن ما لبثت أن جنحت عن هدفها، وانحرفت
لمحاربة اللبنانيين (و لو بمساندة فرقاء منهم) في عقر دارهم فاستثارت مقاومة
لبنانية لانحرافها واستوجبت لاحقاً استحضار "قوات ردع عربية" ما لبث أن
استأثر بها النظام السوري إرواءً لظمأ مزمن في ضم لبنان إلى
"حظيرته"،
كما حفّزت اجتياحات إسرائيلية لضرب "الفصائل الفلسطينية" في حلبة الصراع
اللبنانية.
وبعد إحباط متكرر لتفاهم اللبنانيين فيما بينهم وبعد التمادي في إنهاكهم
"نضجت ظروف" انعقاد مداولات "اتفاق الطائف" وما أعقبه من صدامات وحسم لها،
تخلّت إثره الميليشيات اللبنانية عن السلاح لتنضم إلى مسيرة بناء الدولة. لكن
مشيئة النظام السوري المتصرف المطلق بلبنان حينها، استثنى فصائل مسلحة مرتبطة
بإمرته أو متحالفة معه، أهمها فصيل رعته إيران مباشرة خارج الأطر والأعراف
الدبلوماسية
(تماشياً
مع الانتهاكات السورية للسيادة) فثقّفه عقائدياً ودرّبه عسكرياً "حرسها
الثوري".
و فيما شكّل جلاء الاحتلال الإسرائيلي في 21 أيار سنة 2000 ما وراء
"الخط
الأزرق" مرحلة أولى من التحرير، أنجز صمود شباب الخط السيادي في اعتراضهم
السلمي الحثيث على الهيمنة السورية العسكرية، بمؤازرة القرار الدولي 1559،
المرحلة المكملة بانسحاب الجيش السوري في 26 نيسان سنة 2005 من لبنان.
إن المرتبطين عضوياً بالمحور السوري-الإيراني ما انتظروا طويلاً ليثبتوا
لبقية اللبنانيين أن تحالفهم مع المحور المذكور هو أقوى من عرى شراكتهم
الوطنية. فكان "الوعد الصادق"
وكان الرد الصاعق حرباً تموزية (2006) ضارية مكلفة ومؤلمة. وما أن صدر القرار
الدولي 1701 بعد مفاوضات عسيرة حتى هبّ من كان يراق_c8
بالمنظار، عليه الأمان، جسامة الدمار من برجه العاجي شرقي الحدود ليشتم
الحكام العرب و"يزفّ" نبأ البدء بقطاف الثمار السياسية لتضحيات اللبنانيين!
وكان ذلك إيذاناً بانسحاب الوزراء "المتناغمين" من الحكومة لتجريدها من صفة
"المقاومة الدبلوماسية" وتصنيفها
"بتراء"
و"غير ميثاقية" و"غير شرعية" تمهيداً لمنعها من اتخاذ القرارات والطعن بها في
حال إصدارها.
الهدف الأساس الذي أفلت من قبضة النظام السوري الهارب من الحساب هو إحباط
تشكيل المحكمة الدولية الطابع المخصصة لمحاكمة من يثبت ضلوعه في اغتيال
الرئيس رفيق الحريري شهيد استعادة السيادة والاستقلال وفي سلسلة إبادة سواه
من قادة "ثورة الأرز".
لم ينجح مخطط فرط الحكومة للتحكم بإعادة تشكيلها من قبل حلفاء سوريا وإيران
ورُسم خط أحمر عربي ودولي منع اقتحام السراي الحكومي، لكن احتلال الساحات
العامة استمر مسبباً خسارة فادحة للاقتصاد الوطني تجاوزت 22 مليار دولار (75
مليون يومياً على مدى اكثر من ثلاثماية يوم) وذلك تعبيراً عن "الضنّ بأحوال
الفقراء" وإفساحاً لاستيلاد "فرص عمل" توقف نزف هجرة الأدمغة (أم المطلوب
التخلص من هذه النخب فيسهل التدجين؟).
من غريب "المصادفات" أنه كلما انتصب سائس من ساسة المعارضة ليتهم فريق
الأكثرية بالتآمر لقتل "نجم" من صفوفهم أو كلما
"أُعلن"
عن محاولة اغتيال فاشلة لأحد المسؤولين منهم، نُصعق بعد حين بفاجعة اغتيال
وحشي تستهدف شخصية استقلالية برلمانية أو حكومية. وبديهي أن هكذا عمل إجرامي
يستهدف ترويع نواب ووزراء من قادة مسيرة 14 آذار لشلّ نشاطهم وتثبيط عزائمهم
وإنقاص عددهم توخياً لفرط عقد الحكومة أو الأكثرية النيابية.
هكذا تحول إتهام أحد سياسيي مسيرة التبعية والوفاء للنظام السوري (8 آذار)
(مؤيداً بإدعاء موازٍ من وكالة أنباء إقليمية) رعيل مسيرة 14 آذار
الإستقلالية بالتخطيط لقتل قائد من خطه، إلى نذير شؤم أفضى إلى اغتيال النائب
والمحامي انطوان غانم، الكتائبي العتيق السامي المناقب والطاهر الضمير
والخادم المتواضع الناشط بصمت.
ومثلما سبقت اغتيال النائب والصحافي الشهيد جبران التويني، "ديك النهار"
المقدام والصدّاح، محاولة اغتيال مسؤول حزبي مرعي من النظامين الإيراني
والسوري، نتوجس خيفة أن تكون محاولة اغتيال مشابهة أُعلن عنها مؤخراً،
تمهيداً لارتكاب اغتيال جديد يغيّب وجهاً جديداً من قادة
"ثورة
الأرز" لا سمح الله.
مع استعار حماوة التوتر بين إيران والمجتمع الدولي حيال ملف التخصيب النووي
والتدخل في الشأن العراقي واللبناني والفلسطيني يستنفر النظام الإيراني قوته
العسكرية ليرفع معنويات شعبه وحلفائه، ويزيد من توثبه لملء واستيعاب "فراغات"
يساهم في خلقها في المنطقة، لكن لا يبدو أنه سيصحو من نشوة القوة ليدرك خطورة
الإنذارات التي وجهتها إليه مختلف الدول النافذة ونأمل ألا تتأخر الصحوة كيلا
تاتي على وقع صدمة قاصمة.
و حبذا لو يكفّ أركان النظام السوري عن المراوغة ويفقهوا كنه التحذيرات التي
يوجهها إليهم قادة المجتمع الدولي كيلا يعبثوا بأمن لبنان ولا يتدخلوا في
شؤونه ويعيقوا تعافيه، فقد أصبح أمانة في كنف الرعاية الدولية، يحظى بحضانة
وحصانة دوليتين.
لقد ذكّر نبأ غارة الطيران الإسرائيلية الأخيرة على موقع في دير الزور التي
خرقت وسائط الدفاع السورية وقصفت ودمرت أهدافاً لم يفصح عن طبيعتها، بعملية
قصف ورشة بناء مفاعل "تمّوز" العراقي في حزيران 1981، وجاء إطلاق "الجهاد
الإسلامي" لصاروخ من غزة على ثكنة عسكرية إسرائيلية وكأنه ردّ... لبعض
الاعتبار.
كما بيّن مسار الغارة لأهل هذا النظام أن سبل خرق الأجواء السورية لا تمر
بالضرورة عبر "الخاصرة الرخوة" المدغدغة لأحلام الهيمنة الماثلة في مخيلة
أهله.
عسى أن تشكل مظلة الأمان الدولية المناخ المناسب لإتمام استحقاق انتخاب رئيس
للجمهورية ضمن المهل والآلية الدستورية، قائد لا منقاد، مستقيم الرأي لا يخطئ
ولا يحابي، موثوق الالتزام بحماية الدستور ورعاية الشعب وأحكام القرارات
الدولية، قادر على ابتكار الحلول واستنباط السبل الملائمة لتطبيقها.
عندها يراقب عن كثب سلامة ممارسة سلطات الدولة من الجهات المختصّة المؤتمنة
دون أن ينازعها طارئ هجين، فيجري التوجيه والنقد والإصلاح والبناء عبر
مؤسساتها لا خارجها وبأسلوب ديمقراطي لا انقلابي.
|