13.2.07
مراعاةً لأدوار
المجموعات البشرية المؤسسة للبنان و تحسباً لخلل في النمو الديموغرافي عبر
الزمن، لحظ المشترع اللبناني بنوداً مثاقية في الدستور اللبناني تهدف إلى
ضبط إيقاع العيش المشترك. لكن ما لم تكن النصوص وليدة اقتناعات راسخة في
النفوس و مقرونة بالنوايا الطيبة لدى الجميع لإحترام العهود الدستورية،
فعبثاً يتعب المشترعون و البنّاؤون.
فكيف يهنأ العيش مع بعض "الشركاء" و يُركن لهم، طالما هم "يرهنون
الإستقرار" ببسط "رؤيتهم المختلفة" لِبُنْية الدولة؟ و قد "تحسّبوا"،
استباقاً لأي معاكسة، بإنشاء مؤسساتهم الخاصة "العاصية" على النقض و
"المعصومة" عن النقد. "فتحصّنوا" فيها خارج "الأطر الرسمية" و بمنأى عن
القوانين "السارية" على "سواهم"!
و أين هي الوسيلة الناجعة لكبح جماح أي "قبيلة" تخطّط لإبتلاع الوطن
(لحسابها أو حساب غيرها)، لأن "أميرها" "يلقّن" "جماعته" أن " الآخرين"
جِيءَ بهم "غزاة" و هؤلاء "الأغراب" لا يشاركونهم مشروعهم الخاص بإقامة
"الإمارة الفاضلة"؟
و أي "مزامير" تُجدي قراءتها "لتهدئة روع" و "تنفيس إحتقان" مَن أفقده
الرشد، "طاعون" الإفتراس و "طاغوت" القوة؟
و ما الوسيلة المنبّهة "لصحوة" " المنوّمين"، "مسمّري الأنظار"، الشاخصين
إلى إحصاءات "بورصة الإنجاب"، مترقبين "بشغف" بلوغ "تضخّمهم" "الرقم
القياسي" "الحاسم(؟)" و "الماحق" لكل "النِسب الأخرى"، لإعلان "النصر"؟
و هل يُعدّ شريكاً نزيهاً و وفيّاً مَن يتقبل، على مضض "التقيّة"، صيغة
الحياة الوطنية، فيما هو "ينتظر بصبر" "نضج الظروف المؤاتية"، لا بل ينشط
بلا هوادة لِمَحو فرادتها و تغيير معاييرها و قلب أحكامها، نائياً عن
المفاهيم الأليفة للقيم البشرية الجامعة؟
سنّة التوالد العشوائي في مزارع مسيّجة لا تليق بالإنسان. لكنها تشبع جموح
عشق السيطرة الناهش غريزة بعض المشعوذين المثابرين على التغرير بالناس و
تطويقهم و "المسّ" بعقولهم لتسخيرهم مسوخاً مسلوبي الإرادة. فهكذا يقيّض
لكل من هؤلاء أن يتباهى برصيده من "ملكية الرؤوس" و يتبجّح بإستقطابه
قطيعاً وافراً، روّضه بنسج الأحلام السحرية و دغدغة المشاعر المثيرة، فجعله
طوع بنانه، مستعداً غِبّ طلبه للإنزلاق في الصراعات العبثية و الإندلاق في
صناديق الإقتراع يوم الإتنخاب. و أمانة للحق أقول أنه يجب فحص أهلية كل
مقترع للتأكد من سلامة ملكاته العقلية و ولائه الوطني و التيقن من معرفته
بشخصية كل مرشح و برنامجه و تمتعه بحرية قراره. إذ لا يجوز السماح لموتورين
أو مضلّلين أو عقوقين أو مرتهنين بإعطاب محرك الديموقراطية و لولبها. إن
"فكّ طوق العزلة" الإجتماعية و الفكرية و الثقافية و السياسية عن
"المعتقلين" في "مخيمات" تشريخ النسيج الوطني، المزوّدة "بمستوصفات" الحقن
التحريضي و "حقول" التدريب القتالي، لا يحققه كلام هامشي يكتب على الورق و
لا "توسيع رقع" نشاط إعاقة دورة الحياة في عزّ إنبعاثها و إنتعاشها. بل
يبدأ بالتخلي عن مشروع "إغراق" الوطن بما يشبه"طوفاناً" بشرياً مدججاً
بالسلاح و مدرباً على الولاء لمرجعية لا ترتبط به. ثم ينطلق للتركيز على
توثيق الشراكة في بناء الوطن عبر تنقية النفوس من الهوس المذهبي و الزندقة
الفكرية و هواجس الإعتكاف، بالإستقاء من مناهل الولاء الوطني و الغنى
التراثي و الثروة الوطنية و الإقتطاف من الثقافات العالمية و الإغتذاء من
القيم الإنسانية الحضارية، و تخصيب الجهود المنشطة للترقي الوطني الشامل.
إن النكبات المريرة التي اعتصرت وطننا و كادت تطيح به كنموذج حضاري مميز،
فتّحت العيون المغمضة لدى العديد من أبنائه ليدركوا قيمة الكنوز التي يزخر
بها. لكن يبدو أن "جوقة" الملتصقين بالمحور "السوراني" لم "تفقه" بعد قدْر
الوطن و أهمية حريته و سيادته و استقلاله و ديمقراطيته و حقوق إنسانه. إذ
تنظر إليه "بمنظارها" الخاص الذي "يحلل" إلحاقه "بمرجعيتها" و ربطه
بحليفيها المداني السلوك و المحاصرين دولياً. و بفضل استجابة أتباع
النظامين السوري و الإيراني لأمر تفكيك السلطة في لبنان، لأنها تعصى على
سيطرتهما، و تغطية ملتبسي الرؤية السياسية المنساقين في الركب الغوغائي،
جاز الإنقلاب على المصلحة الوطنية و دفع الوطن إلى حافة "الإشتباك" الداخلي
و استنزاف قطرات العافية من دورة الحياة الوطنية بدل إمدادها بالمزيد. و
أوامر التفكيك تتعدى إطار السلطة اللبنانية لتطال المحكمة الدولية الطابع
تحت عنوان تأجيل تشكيلها حتى صدور تقرير لجنة التحقيق الدولية النهائي حول
مؤامرة إغتيال الرئيس رفيق الحريري المحبوكة بنسيجها خيوط إغتيالات رعيل
شهداء الوطن الأبرار الذين استهدفوا خلال السنتين الماضيتين. وعلى درب
التفكيك أيضاً تتوغل جهود العصيان الإيراني العنيد ، في الميدان الإقليمي
كما على الصعيد الدولي، لمواجهة النقمة العارمة و تنفيس ضغوط القرارات
الدولية و إحباط مفاعيلها، و إطلاق الوعيد "بهزم" أميركا في "لبنان"، لإنها
تحاول مع المجتمع الدولي ضبط "النهم" الإيراني لتخصيب اليورانيوم و تتصدى
لشبق حكام إيران التائقين إلى بسط هيمنتهم على مدى منطقة الشرق الأوسط،
المختزنة %60 من إحتياط النفط العالمي و البالغة الأهمية لضخّها معظم
الوقود المحرّك لدورة الإقتصاد العالمي. مع تطور الأحداث و انقشاع المواقف
يتعرى مطلب الثلث "الضامن" من قشرة المشاركة ليظهر اللبّ الضامر استئثاراً
كاملاً بالسلطة لتجييرها إلى أولياء النعمة و الأمر، الطامعين ب"هضم"
لبنان. و لا يجد اللبناني الواعي و المخلص، أي مردود إيجابي أو جدوى من هدر
الطاقات و إعاقة النهوض و قطع مدد الدعم الدولي المنعش للوطن. فنهج زعزعة
الكيان و تهريب السلاح والذخائر- تحت التبن ( أو جنح الظلام) بإتجاه مريب و
لوجهة استعمال مشكوك فيها- و تسخير القدرات و المؤسسات لخوض معارك استنزاف
طويلة الأمد ضد المجتمع الدولي و ضد الذات، يسندها المحور الإقليمي
"السوراني" لحلفائه في لبنان إشباعاً لأطماعه، يؤدي حتماً إلى زجّ الوطن في
غيبوبة الإحتضار. إن مناعة الوطن من مناعة مؤسساته الشرعية لا من تشكيل
مؤسسات بديلة تنازع الدولة السلطة و تستقوي عليها. كما تُستمدّ من إشاعة
الأمن و الإستقرار و الطمأنينة في ربوعه و تحفيز الإنتاج و النمو و
الإزدهار. الوطن يستحق التضحية لأجله، و قد بذلها بنوه بسخاء، فإتقوا الله
و تيّقظوا لئلا يضحّي أحدكم به!
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية