إنتحار 14 آذار؟
تتباهى قوى الرابع عشر من آذار بأنّها تدافع عن منطق
الدولة ضد الدويلة، وتأخذ على الفريق الآخر أنّه يشلّ
البلد ويأخذه إلى مزيد من الفراغ دستورياً وسياسياً
وإدارياً، وتحمّله مسؤولية تداعيات النزاع السوري على
الساحة اللبنانية، ولا سيّما منها التفجيرات والحوادث
الأمنية والعسكرية.
وعلى رغم أنّ قوى الرابع عشر من آذار تصرّ على أنّها
تتمسّك بثوابت وطنية، ولا تحيد عن مسلّمات طالما أعلنتها
وناضلت في سبيلها، تراها في لحظات معيّنة تنحرف عن
شعاراتها وتهرع إلى الاستسلام لتسوياتٍ ليست في مصلحتها
ولا في مصلحة النظام السياسي الهشّ للبلد.
هذه القوى التي انجرّت إلى فخّ التمديد للمجلس النيابي
لأنّها لم تكن مستعدّة للانتخابات، على رغم انشغال آلاف من
كوادر "حزب الله" وعناصره في القتال في سوريا، ولم تجرؤ
على إعطاء الضوء الأخضر للرئيس المكلّف تمّام سلام لتأليف
حكومة في وقت كان سانحاً، تتهاوى اليوم نحو إطاحة أبرز
عناوين نضالاتها السابقة، أي تداول السلطة الذي طالما
حاربت من أجله، لتحاصر نفسَها اليوم بين وهمين: الفراغ أو
التمديد، بدل أن تخوض معركة إيصال رئيس منها، أو رئيس
توافقيّ، وبالتالي تكون انتصرت على الأقلّ لمشروع الدولة
ومبدأ تداول السلطة.
لا أحد من القيادات المسيحية يريد ضرب الدستور والتلاعب
بالاستحقاق الرئاسي.
لا الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ولا الرئيس أمين
الجميّل ولا الرئيس ميشال عون، ولا الدكتور سمير جعجع، ولا
النائب سليمان فرنجية، ولا أيّ من المرشّحين المحتملين
يريدون المَسّ بموقع رئاسة الجمهورية، سواءٌ من خلال إمكان
سعي البعض إلى تعطيل الانتخابات الرئاسية في موعدها
الدستوري المقرّر، أو من خلال التمديد الواضح أو المقنّع.
ولا يحتاج القادة المسيحيون إلى اجتهادات تضع الاستحقاق
الرئاسي بين أهون الشرّين: الفراغ أو التمديد، لانتزاع
قبولهم أو استسلامهم إلى خيارات لا تقنعهم ولا تصبّ في
مصلحة لبنان عموماً والمسيحيّين خصوصاً.
إنّ أيّ محاولة لتعطيل انتخابات الرئاسة أو تأخيرها أو
تأجيلها ستكون لها انعكاسات سلبية عدة على البلد، أبرزها:
1 – مدّ الفراغ والتعطيل والشلل إلى الموقع الأوّل في
لبنان على الصعُد الوطنية والسياسية والمسيحية.
2 – إطالة عمر الأزمة الداخلية بكلّ مخاطرها وتداعياتها
أمنياً واقتصادياً واجتماعياً.
3 – ترسيخ ربط الساحة اللبنانية بالنزاع الدموي السوري
بكلّ ما ينتج عن ذلك من تفجيرات واغتيالات وأعباء لم يعد
اللبنانيون قادرين على حمل أوزارها.
4 – الاستسلام إلى الرغبات الخارجية بإمساك الورقة
اللبنانية لصرفها على طاولة المفاوضات الإقليمية، وبالتالي
إدخال لبنان في بازار خارجيّ لا أحد يضمن ألّا يكون على
حسابه ومصلحة أبنائه.
5- مخالفة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 الذي يعلن
تأييده لعملية انتخابية حرّة ونزيهة في الانتخابات
الرئاسية وفقاً لقواعد الدستور اللبناني الموضوعة من غير
تدخّل أو نفوذ أجنبي.
6 – إنّ عدم إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها بعد نحو
خمسة أشهر، سيفوّت على اللبنانيين فرصة ذهبية في التفاهم
على انتخاب "رئيس لبناني"، ومَن يضمن ما ستكون عليه الظروف
الإقليمية بعد سنتين مثلاً، ومَن سينتصر ويفرض على لبنان
رئيساً من لون معيّن وارتباطات معيّنة؟
إنّ أيّ تلاعب أو مغامرة بالاستحقاق الرئاسي لا يُعتبر
"شطارة" سياسية، بل هو جريمة في حقّ الوطن والمسيحيّين
و"انتحار" لـ 14 آذار.
|