اقرأ
المزيد...
جورج سولاج
أخطر تداعيات الأزمة السورية على
لبنان
يؤكّد الخلاف الجذري بين خطاب الرئيس السوري بشّار الأسد وردود
المعارضة عليه أنّ الحلّ السياسي ما زال مستبعداً وأنّ النزاع
العسكري سيتحوّل حرب استنزاف في المرحلة المقبلة بانتظار تحديد
موعد تدخّل خارجي طالما استُبعد إعلاميّاً، على عكس مجريات
التحضيرات الميدانية، سواء في نصب قوّات حلف شمال الأطلسي (الناتو)
الباتريوت على الحدود التركية – السورية، أو في نشر قوّة من
الوحدات الأميركية الخاصة في الأردن بحجّة الاستعداد للسيطرة على
مواقع الأسلحة الكيمياوية، إذا لزم الأمر، في سوريا.
في الظاهر، يصطدم الحلّ السياسي برفض الرئيس الأسد التخلّي عن
السلطة، على اعتبار أنّه نجح في الصمود والإفلات من الهزيمة مدّة
22 شهراً، وأنّ حزب "البعث" الحاكم ما زال يقف خلفه محارباً في
وحدة مسار ومصير، وأنّ الجيش السوري لم يتفكّك وينقسم أو يتشرذم.
في المقابل يصرّ المقاتلون المعارضون على مواصلة المعركة حتى
النهاية لإسقاط النظام، منطلقين ممّا حقّقوه من تقدّم على الأرض،
وسط دعم عربيّ ودوليّ، خصوصاً بعدما تزايدت أعدادهم وتطوّرت
قدراتهم القتالية بشكل كبير، ممّا جعلهم يسيطرون على مساحات واسعة
من المدن والقرى ويبلغون مشارف دمشق ويطوّقونها بنحو أربعين ألف
مسلّح، إضافةً إلى حصولهم على أسلحة مضادّة للدبّابات وصواريخ
حديثة وغيرها.
وبالفعل، حتى لو سقط الأسد غداً، فإنّ القوات المسلّحة المناوئة
لنظامه، المتعدّدة والمتنوّعة، لن توقف هجماتها ولن تكتفي بغير
السيطرة الكاملة على كلّ أرجاء سوريا.
وهذا ليس بالأمر اليسير والذي يمكن أن يتحقّق بين ليلة وضحاها، كما
أنّه ليس من الواضح كيف ستنتهي الأمور ومن يضمن عدم حصول مجازر
وانتقامات وعمليّات سطو واغتصاب وفوضى عامّة، خصوصاً في ظلّ وجود
شكوك في مدى ما يتمتّع "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة
السورية" من نفوذ سياسيّ ميدانيّاً في الداخل السوري، في الوقت
الذي يلمع نجم المعارضة المسلّحة التي ستكون لها الكلمة الأساسية
عندما يغيب الأسد عن المشهد السوري، إذ إنّه من المتوقع أن تعود
سوريا إلى ما كانت عليه عام 1923 من خلال هيمنة طوائف مختلفة
متفرّقة من البلاد.
أمّا تداعيات هذا المشهد السوري المخيف فسترتدّ على دول الجوار وفي
مقدّمها لبنان، حيث إنّ نهاية أزمة النازحين السوريّين لا ترتبط
بحسم الوضع العسكري في بلادهم، لأنه إذا حسم النظام الحرب الدائرة
لمصلحته فإنّ معارضيه من النازحين لن يجرؤوا حتماً على العودة الى
ديارهم، وإذا انتصرت المعارضة وسقط النظام فإنّ أنصاره النازحين
إلى لبنان لن يعودوا إلى سوريا بل بالعكس ستزيد أعدادهم لأنّ من
بقي من الداعمين للأسد، أو المطمئنين إلى وجوده في الحكم، في بلاده
حتى اليوم، سيتركها هرباً خوفاً من الانتقام أو السجن أو الخطف أو
السلب، إضافة إلى أنّ عشرات آلاف المنازل والأبنية دُمّرت نتيجة
القصف الجوّي والمدفعي، وتحتاج إلى سنوات وسنوات لإعادة إعمارها في
ظلّ اقتصاد مدمّر ومنهك.
من هنا يُعتبر ملفّ النازحين من أخطر تداعيات الأزمة السوريّة على
لبنان لأنه سيبقى نازفاً ومفتوحاً لمدة طويلة وغير محدّدة، ما دام
النزاع الدموي في سوريا طويلاً ومفتوحاً.
|