الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

       جورج سولاج اقرأ المزيد...

 

 

       جورج سولاج


..وتبقى العبرة في التنفيذ

 

   منحت زيارة قداسة البابا لبنان أملاً في الحدّ من نزيف الهجرة المسيحية، والتمسّك بالجذور والقيَم والسلام والوحدة والحوار مع المسلمين. ولكن تبقى العبرة في التنفيذ.

 داء الهجرة لا يصيب المسيحيين وحدهم، ولا الفقر ولا القهر ولا القمع ولا الاستبداد بكل أشكاله وأنواعه.

 فالأنظمة المستبدّة التي حكمت في الشرق الأوسط على مدى عقود بالقوة والغلبة، ولم توفّر لمواطنيها الحد الأدنى من الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية والحياة الكريمة مادياً ومعنوياً، ولم تحترم حقّ التعبير عن الرأي ولا أيّاً من حقوق مواطنيها، دفعت بعضهم إلى الانغلاق والتقوقع والتطرف والدموية، وعمّ اللااستقرار حيث أنتج الظلم حقداً، والفقر إرهاباً، والخوف هجرة.

 لم يعُد المسيحيون المتجذّرون في أرض الديانات السماوية هنا يشكلون نسبة عددية في شراكتهم الغنية مع أبناء بلادهم وإخوتهم المسلمين، لكنّ وجودهم يُشكّل استمراراً لشهادة روحية وإنسانية عمرُها ألفا سنة زاخرة بالقيم والإيمان والتضحية. وإنّ إفراغ المنطقة من أبنائها المسيحيين لا يُمكن إلّا أن يصبّ في خدمة النظرية الإسرائيلية الهادفة إلى تسويق استحالة الشراكة والعيش المشترك بين الأديان، وبالتالي حتمية الكيانات العنصرية والانعزالية.

 فالمسيحيون كانوا روّاد النهضة العربية سواء في جبل لبنان أم مصر أم فلسطين أم سوريا، وحتى في المهجر أيضاً، وكانت مساهمتهم ذات أثر كبير، في النهضة الاقتصادية والنهضة الثقافية، وفي الثورة على الاستعمار بفكرهم ومؤلفاتهم، وعملهم، من تأسيس مجلة "مرآة الشرق" عام 1879 إلى مجلة "الحقوق" و"الجريدة المصرية" عام 1888، ومجلة "السلطنة" التي أسّسها اسكندر شلهوب عام 1897، وجريدة الأهرام التي أصدرها سليم وشقيقه بشارة تقلا.

 وفي فقه اللغة العربية، كان إبراهيم وناصيف اليازجي وبطرس البستاني، والمطران ملاتيوس نعمة الذي أدخل المطبعة الأولى بأحرف عربية إلى بلاد الشام.

 كذلك ساهم المسيحيون في مواجهة "التتريك"، وبرز منهم المطران جرمانوس فرحات والخوري بطرس التلاوي، وتأسست المدرسة البطريركية في غزير التي خرجت عدداً وافراً من أعلام العربية، ولعبت الجامعات المسيحية كجامعة القديس يوسف والجامعة الأميركية في بيروت وجامعة الحكمة في بغداد وغيرها دوراً ريادياً في تطوير الحضارة والثقافة العربية. وفي الأدب، برز جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ومي زيادة وأمين الريحاني وشفيق معلوف وإلياس فرحات.

 وفي السياسة، نجيب العازوري وشكري غانم ويعقوب الصروف وفارس نمر وشارل مالك وبطرس غالي في لبنان ومصر. ورسّخت هذه النهضة كما يرى الأباتي بولس نعمان "المسيحيين العرب كأحد أعمدة المنطقة وليس كأقلية على هامشها".

 ولا يهاجر المسيحي اليوم بداعي الخوف فقط، أقلّه في لبنان، إنّما بداعي ظروف الحياة الصعبة. فهل يلبّي الإكليروس نداءات البابا بنيدكتوس السادس عشر عملياً فيضعون إمكاناتهم، وهي عظيمة، في توفير مقوّمات الصمود للشبيبة المسيحية، ويبدؤون أولاً بخفض كلفة التعليم في المدارس الكاثوليكية مثلاً، بدل زيادة الأقساط عاماً بعد عام؟ وهل سيعدّون برامج طبية واستشفائية لرعاية من يحتاجها، مجاناً أو بأسعار يمكن تحمّلها بلا ذلّ ولا منّة؟

 وهل يضع أصحاب القرار في الصروح الدينية والمؤسسات التابعة لها بعض ما يملكون من عقارات هائلة ورثوها على مدى عقود، في خدمة مشاريع إسكانية بأسعار تشجيعية تخصّص للشباب ليبنوا عائلات جديدة بدل أن يبحثوا عن فرص عمل خارج وطنهم؟

 إنّ الظروف المعيشية الصعبة لا تميّز بين مسيحي ومسلم، وكلاهما يجد المخرج في حقيبة السفر، أو يقع فريسة الخطيئة والجريمة والتطرف.

 إنّ المبادرة إلى تطبيق الإرشاد الرسولي للشرق فوراً هو واجب القيّمين على الكنيسة من جهة والسلطات الرسمية من جهة أخرى.

 وحدها الديموقراطية الحقيقية يمكن أن تضمن الحريات وتزيل عوامل القهر والظلم والفقر والاستبداد وتضع حدّاً للهجرة والتطرف والعنف.

 فهل يضع قادة الطوائف المسيحية خارطة طريق لترجمة الإرث الرسولي؟

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها