من يأخذ حلب يأخذ دمشق، ومن يسيطر
على العاصمتين السياسية والاقتصادية يسيطر على سوريا.
من هنا تتّجه الأنظار إلى معركة حلب التي يحشد لها النظام السوري
نخبة قوّاته مدعّمة بالطائرات والدبّابات لاسترجاع ما سيطر عليه
الثوّار من أحياء ومراكز عسكرية وحزبية وآليات وسلاح وأسر ضبّاط
وجنود و"شبّيحة" خلال الأسبوعين الماضيين.
وفي المقابل يرى الثوّار في حلب فرصة محتملة لإقامة "بنغازي
سوريّة" يتّخذ منها قاعدة للاستعداد والانطلاق في هجوم عسكري منظّم
وشامل على دمشق لاحقاً بهدف إسقاط النظام.
وتُعتبر حلب أكبر المدن السوريّة وأهمّها اقتصادياً وجغرافياً
وتاريخياً. فقد لعبت دوراً محوريّاً منذ الاستقلال، فكان لها منصب
رئاسة الحكومة التي شغلها سعد الله الجابري ثمّ ناظم القدسي ومعروف
الدواليبي وآخرهم محمد ناجي العطري، كما تبوّأ أمين الحافظ رئاسة
الجمهورية عام 1963، إضافة إلى أنّ حركة "الإخوان المسلمين" في
سوريا تأسّست في حلب عام 1937.
ويبلغ عدد سكّان حلب نحو ثلاثة ملايين نسمة، ينتمي 85 في المئة
منهم إلى الطائفة السنّية في مقابل 10-15 في المئة من المسيحيّين.
ولديها مطار دولي وتوأمة مع مدينتي أزمير وعنتاب التركيتين، ولا
تبعد أكثر من 48 كيلومتراً عن الحدود التركية في منطقة أعزاز.
ويستفيد الثوّار السوريّون من العمق الاستراتيجي الذي توفّره لهم
تركيا داخل أراضيها، حيث أقيم مركز لـ"القيادة والسيطرة" في أضنه
يديره خبراء عسكريّون من تركيا ودول عربية، فيما يتوقّع أن يرتفع
منسوب دعم الدول الغربية للثوّار بعدما وقّع الرئيس الأميركي باراك
اوباما الأسبوع الماضي قراراً سرّياً بزيادة المساعدات النوعية
للثوّار، شرط أن لا تشمل أسلحة من النوع القادر على إسقاط طائرات
مدنية أو ضرب الأسلحة الكيماوية والبيولوجية التي بدّلت السلطات
السورية مواقعها حديثاً.
من هنا، تجمع المعطيات على أنّ حرباً ضروساً بدأ يشنّها النظام
لاسترجاع أحياء في شمال وغرب حلب، وأنّ مشهد ما جرى في حماه وحمص
سيتكرّر دماً ودماراً هائلاً، وأنّ سحق الثوّار في حلب بالذات هو
خطّ تركيّ أحمر لن تقف أنقرة مكتوفة أذا خُرق.
إلّا أنّ خبراء عسكريّين دوليّين لا يرون في معركة حلب الراهنة
معركة حاسمة ونهائية، لأنّ القوات السورية ما زالت في وضع يمكّنها
من إعادة السيطرة على أجزاء كبيرة من المدينة، فيما لم يحصل
الثوّار بعد على الأسلحة المتطوّرة التي تمكّنهم من قلب المعادلة
عسكريّاً، وبالتالي يتوقّع أن تكون أحياء حلب مسرح عمليّات كرّ
وفرّ على مدى طويل تنتقل فيه السيطرة من فريق إلى فريق آخر أكثر من
مرّة.
لم تنهِ عملية اجتياح بابا عمرو العصيان المسلّح في حمص وإنّما
خلّفت عشرات بابا عمرو في أنحاء مختلفة من سوريا، ولن تنهي عملية
حلب الأزمة السورية أيّاً تكن النتيجة، وإنّما ستؤدّي إلى فصل جديد
أكثر ضراوة في الحرب الأهلية الدائرة الآن.
المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها