دخل لبنان مرحلة أمنية صعبة لا يمكن معرفة نتائجها سلفاً، وإن
كانت أهدافها ومراميها سهلة القراءة في السياسة والأمن
والدوافع الاستراتيجية.
هناك مخطط مبرمج للسيطرة التامة على لبنان وإزالة كلّ مَن،
وما، قد يعرقل تنفيذ هذا المخطط الخطير الذي من شأنه، إذا نجح،
أن يغيّر وجه لبنان.
وينطلق أصحاب المخطط من قناعة أن سوريا لم تستطع أن تحكم لبنان
وتتحكم به من سنة 1976 إلى سنة 1990 بقوّة الدبابات والراجمات،
وإنما تمكّنت من السيطرة عليه من سنة 1990 وحتى سنة 2005، من
خلال الإمساك برئاسة الجمهورية ومجلسي النواب والحكومة،
والمفاصل الامنية والادارية.
ويسعى أصحاب المخطط، وليس بالضرورة أن يكون حلفاؤهم على بيّنة
من نواياهم الاستراتيجية والأمنية، الى استنساخ تجربة الوصاية
السورية المباشرة سابقاً، بوصاية خارجية غير مباشرة، وبأدوات
وشعارات محلية.
وتتكشف ملامح هذا المخطط في سلسلة خطوات بدأ العمل في تنفيذ
بعضها، والتحضير لبعضها الآخر، وأبرزها:
أولا- العودة إلى التصفيات الجسدية واغتيال مَن يمكن الوصول
إليه من القادة السياسيين، وفي مقدمهم سعد الحريري والياس المر
وسمير جعجع ومروان حمادة وسامي الجميل. ولو نجحت محاولة اغتيال
جعجع الأخيرة، لكان العمود الفقري لقوى 14 آذار انكسر بانكسار
محور "تيار المستقبل" و"القوات اللبنانية" التي من البديهي أن
تدخل في مصير مجهول بعد جعجع، فيما الحريري غائب عن الساحة
المحلية، وسائر مكوّنات المعارضة لا يمكن أن تشكل بديلاً او
رافعة اساسية في المواجهة.
ثانيا- حجب "داتا" الاتصالات عن الأجهزة الأمنية المعنية، تحت
ذرائع وحجج قانونية وسياسية متنوعة، لمنعها من إمكانية
الاستطلاع والاستنتاج والمراقبة والملاحقة وإحباط محاولات
الاغتيال قبل تنفيذها، واعطاء الوقت الكافي للمنفذين لمحو
آثارهم والافلات من العقاب.
ثالثا- العمل على الإمساك بكلّ المفاصل الأمنية في الدولة
تدريجاً، كما في زمن الوصاية السورية، من خلال التعيينات التي
من المتوقع أن يزداد الضغط على رئيسي الجمهورية والحكومة
لإمرارها في الفترة المقبلة.
رابعا- الإمساك بكلّ المفاصل الإدارية في المؤسسات الرسمية من
خلال التعيينات أيضاً، فإذا حصلت الانتخابات في موعدها العام
المقبل، يُستفاد من هذه التعيينات في خدمة المفاتيح
الانتخابية، وإذا لم تحصل يبقى البلد في أيدي الأكثرية
المسيطرة والمدعومة خارجيا.
خامسا- إقرار قانون انتخابي يقضي سياسياً على مَن لا يقضي
جسديا، والاستعداد لأمّ المعارك، ماليا وخدماتيا وترغيبا
وترهيبا، بهدف تأمين غالبية برلمانية، لا يُحسب وليد جنبلاط من
ضمنها، فيُنتج مجلس نيابي يأتي برئيس جمهورية وحكومة من لون
واحد، ويصبح البلد تحت سيطرة الحزب الواحد لأنّ مصير حليفه
"مقدّر زمنياً".
هل ينجح هذا المخطط؟
صحيح أن فريق 14 آذار أصيب بنكسات وليس في أحسن أحواله، إلّا
أن إلغاءه سياسيا وتصفية قياداته جسديا ليس بالأمر السهل، وإن
نظرة إلى الماضي القريب تلفت إلى انه عندما اغتيل الرئيس رفيق
الحريري عام 2005، كانت كل المفاصل الأمنية والإدارية
والمؤسسات في يد الوصاية إضافة إلى عشرات آلاف الجنود
والدبابات، ولم تؤدِّ سوى إلى انقلاب موازين القوى ونشوء فريق
14 آذار وانتصاره في تلك المرحلة.
فهل يتخلّى أصحاب هذا المخطط عن مشروعهم ويحتكموا الى قواعد
اللعبة السياسية المشروعة؟