تسعى إيران إلى إنقاذ
النظام في سوريا لأنها تدرك أنّ دمشق تدفع ثمن تحالفها
الاستراتيجي معها وأنها ستدفع بدورها ثمن سقوط هذا
النظام.
إلّا أنّ إيران لا تملك عصا سحرية ولا قدرة كافية لصدّ
المحاولات العربية والدولية المتواصلة والمتصاعدة
تدريجاً بهدف تغيير النظام السوري تحت مبرّرات وعناوين
سياسية وإنسانية شتى.
كما أنّ إيران بنظامها البراغماتي على قناعة في أنّ
رفض حليفها السوري الإسراع في تحقيق إصلاحات حقيقية
سيؤدي إلى تفجّر الأزمة أكثر فأكثر وخروجها عن
السيطرة. وقد سبق لطهران، بعدما أيقنت أنّ النظام
السوري غير قادر على الحسم، أن شجّعت القيادة السورية
على إصلاحات تسمح لها بالبقاء في السلطة لكنها لم تلقَ
آذانا صاغية.
وقد اجتمع مسؤولون إيرانيون مع ممثلي المعارضة السورية
في عاصمة أوروبية لأنهم أرادوا معرفة المزيد عنهم
وتقويم وزن ودور الإسلاميين في المعارضة، وإذا كان في
الإمكان إيجاد تسوية مع النظام، إضافة إلى العلاقات
التي يمكن أن تبنيها سلطة جديدة في سوريا مع "حزب
الله".
إلّا أنّ مشاكل إيران الحقيقية هي في مكان آخر ولا
تمكّنها من إنقاذ سوريا:
أولا: تقوم الاستراتيجية الإيرانية على أنّ امتلاك
القوة النووية هو اهم بكثير من امتلاك الورقة السورية
في تكريس خلل موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط
لمصلحة طهران.
ولا شك في أنّ الإيرانيين يحرزون تقدّماً في برنامجهم
النووي، وقد جمعوا من اليورانيوم المنخفض التخصيب ما
يكفي لصنع ثلاث إلى أربع قنابل في حالة تخصيبه بدرجات
أكبر.
إلّا أنه لا يمكن للولايات المتحدة العيش مع إيران
مسلّحة نووياً لأنها سوف تمثل مخاطر عديدة للعالم، بما
في ذلك خطر إثارة حرب نووية في الشرق الأوسط.
ثانيا: يعوّل الأميركيون على أنّ تاريخ الجمهورية
الإسلامية يُظهر أنّ الضغط الجدّي عليها يؤتي ثماره.
فقادة إيران يعدّلون سلوكهم عندما يشعرون بأنه لا بدّ
من القيام بذلك. ففي عام 1988 أنهى آية الله الخميني
الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات،
بعدما عانى تكاليفها الباهظة، على الرغم من أنه شبّه
ذلك القرار بالاضطرار إلى تجرّع السم.
كما أنّ السياسة الإيرانية التي تمثلت باغتيال معارضين
إيرانيين في أوروبا توقفت في التسعينيات عندما بات
جلياً أنّ ثمن مواصلتها مكلف جداً، وهو الثمن الذي كان
يشمل العقوبات.
وقبل الإيرانيون بتعليق تخصيب اليورانيوم، حتى أنهم
عرضوا اقتراحاً مثيراً للاهتمام لإجراء مفاوضات حول
برنامجهم النووي والاختلافات الأخرى مع واشنطن في عام
2003 عندما هزمت الولايات المتحدة الجيش العراقي خلال
ثلاثة أسابيع واعتقد الإيرانيون أنهم الهدف التالي.
والآن يشعر قادة إيران بقلق حقيقي. فهم لا يحظون بأي
ثقة في المنطقة بسبب عدم انسجامهم مع "الصحوة
العربية"، ودعمهم للنظام السوري. كما أنهم أكثر عزلة
على الساحة الدولية من أي وقت مضى، ويعانون من
العقوبات الدولية التي وصفها الرئيس محمود أحمدي نجاد
مؤخراً بأنها الهجوم الاقتصادي الأكثر حدة الذي يتعرّض
له أي بلد.
ثالثا: أصبحت إيران ضعيفة حسب دراسة لمستشار الرئيس
اوباما السابق دنيس روس، كما أنّ الجهود المشتركة
الأميركية - الأوروبية خلال الأشهر القليلة المقبلة
لوقف شراء النفط الإيراني ومنع التداول التجاري مع
"البنك المركزي الإيراني" سوف تزيد بشكل كبير الضغط
الحالي الذي يشعر به القادة الإيرانيون بالفعل. وسوف
تعني هاتان الخطوتان خسارة عائدات وزيادة زعزعة
استقرار العملة الإيرانية الضعيفة بالفعل، وهي نتائج
لا يمكن لقادة إيران تحمّلها.
ويعتقد خبراء غربيّون انه يمكن تحقيق ذلك من دون زيادة
كبيرة في أسعار النفط إذا جاءت تدريجياً، في حين يتم
ضخ نفط إضافي إلى السوق من ليبيا والعراق وزيادة
الإنتاج السعودي، ولو بشكل محدود.
ومع تعثر النظام الإيراني، يضع الضغط المتزايد قادة
إيران مرة أخرى في وضع يجعلهم يسعون إلى البحث عن مخرج
لمأزقهم النووي والاقتصادي، وليس في موقع القوي القادر
على التصدّي للتغيير في سوريا.