إجتاز الرئيس نجيب
ميقاتي امتحاناً أوّل على صعيد المجتمع الدولي، وبقي
أمامه امتحانان، أدقّ وأخطر، خلال الأسابيع المقبلة.
1 - الامتحان الأوّل كان دفع حصّة لبنان من المحكمة
الدوليّة. إلّا أنّ الأميركيّين والأوروبّيين الذين
سجّلوا له نقطة إيجابيّة على صعيده الشخصيّ وعلاقاته
الخارجية، سجّلوا عليه أيضاً، أنّه دفع للمحكمة من دون
قرار سياسيّ في مجلس الوزراء، ما يعني عدم التزام
الحكومة رسميّاً بالمحكمة. لكن الرئيس ميقاتي أنقذ
شخصه وصدقيته وأرجأ كأس الارتدادات السلبيّة من
المجتمع الدولي ومجلس الأمن، عن لبنان الذي كان في غنى
عنها.
2 - الامتحان الثاني الذي ينتظر ميقاتي دوليّاً،
لتقييم أدائه كرئيس حكومة في إدارة الدولة وجلسات مجلس
الوزراء، هو أسلوب تعامله مع ملفّ التعيينات. هل
سيتمسّك مع رئيس الجمهورية بآلية دستوريّة تحفظ
الإدارة وتدفع في اتّجاه تطويرها، أم أنّه سيجد نفسه
شريكاً أو محاصراً في لعبة محاصصة؟
ويدرك المعنيّون في دوائر القرار في العواصم الكبرى
المهتمّة بمتابعة الوضع اللبناني، أن لا مشكلة أساسيّة
في التعيينات على المستويين السنّي والشيعيّ، وأنّ
المشكلة الفعليّة تكاد تنحصر على المستوى المسيحي.
فالرئيس ميقاتي قطع الشكّ باليقين، وتصرّف مع
المسؤولين في الطائفة السنّية القريبين من الرئيس سعد
الحريري، مثل القاضي سعيد ميرزا واللواء أشرف ريفي
والعقيد وسام الحسن وغيرهم، كرجل دولة لا تثيره
كيديّة، بل يحترم الكفاية والاستمراريّة.
أمّا على الصعيد الشيعيّ، فإنّ ما يطرحه الرئيس نبيه
برّي من أسماء للتعيينات لن يعترضه "حزب الله"، لأنّ
للحزب أولويّات مختلفة وأجندة أخرى.
ولكنّ المسألة على المستوى المسيحيّ هي أكثر دقّة
وأخطر، إذ إنّ العماد ميشال عون يريد حصّة الأسد من
التعيينات، على اعتبار أنّه صاحب التمثيل المسيحيّ
الأكبر داخل الحكومة، إلّا أنّ النظرة الدوليّة تعتبر
أنّ هذا التمثيل أتى نتيجة انتقال الوزير وليد جنبلاط
من ضفّة إلى أخرى، والانقلاب الرمزيّ الذي نسب لـرجال
"القمصان السود".
وهنا سيكون ميقاتي تحت المراقبة من المجتمع الدولي،
فإذا استطاع مواجهة محاولة الهيمنة على الإدارة، وأصرّ
في مجلس الوزراء على تطبيق الآليّة الدستورية التي
يحرص الرئيس سليمان على التمسّك بها، يجتاز ميقاتي
الامتحان الثاني ويظهّر صورة للمجتمع الدولي بأنّه
قادر على التصرّف على المستوى الوطني، كرجل دولة وليس
فقط كما فعل على المستوى الشخصي في مسألة التمويل.
3 - أمّا الامتحان الثالث، فهو موعد "البروتوكول" في
آذار المقبل. إذا نجح ميقاتي في تجاوز هذا الاستحقاق،
يدخل مرحلة جديدة في حياته السياسيّة لتكوين حالة
ميقاتيّة تُخلط على أساسها الأوراق في لعبة موازين
القوى الداخليّة بمباركة دوليّة.
ويرى المعنيّون الذين يتابعون الرئيس ميقاتي في هذين
الاستحقاقين المقبلين، أي التعيينات وبروتوكول
المحكمة، أنّ أيّ خلل في التعامل مع كلّ حالة بمفردها
سيكلّف لبنان ما لا يستطيع تحمّله، وسيدفّع ميقاتي
شخصيّاً وسياسيّاً ثمناً ليس مضطرّاً إلى تسديده
مسايرة لأحد.